تصاعدت وتيرة المطالب الحزبية في تونس الداعية إلى ضرورة إجراء "حوار وطني" يخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسط أنباء عن شروع الرئاسة التونسية في الترتيب لإجراء حوار وطني في مارس المقبل.
ويعد حزب التيار الشعبي من بين الأحزاب الداعمة للنظام والتي طالبت بحوار وطني، حيث دعا في بيان له في 14 يناير 2025 بمناسبة الذكرى 14 للثورة التونسية، السلطة إلى "الخروج من حالة الانغلاق السياسي ومد جسور التواصل مع جميع الأحزاب والهيئات المهنية والمنظمات والفعاليات الشعبية والنخب الثقافية والإعلامية والأكاديمية الوطنية المناهضة للرجعية والهيمنة والمؤمنة بالديمقراطية والسيادة".
بالتزامن مع ذلك، أكدت حركة النهضة الإسلامية المعارضة، في بيان لها، تمسكها بـ"إجراء حوار وطني جادّ وشامل غير إقصائي بين كل القوى الوطنية من أجل إنقاذ تونس وفق برنامج ديمقراطي تشاركي يعالج القضايا والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة".
وسبق أن كشفت مصادر خاصة لـ"الحرة" أن الرئاسة التونسية شرعت منذ أسابيع في إجراء اتصالات غير معلنة بعدد من الشخصيات السياسية وممثلين عن أحزاب ومنظمات مدنية وحقوقية، ترتيبا لإجراء حوار وطني في مارس المقبل، فيما استثنت أحزابا معارضة من ضمنها حركة النهضة وأخرى منخرطة في "جبهة الخلاص الوطني" (ائتلاف حزبي معارض) الذي يقودها المعارض أحمد نجيب الشابي.
وبين ضرورة إجراء حوار وطني و"استثناء" بعض القوى السياسية المعارضة منه، فتح النقاش في الأوساط التونسية بشأن ملامح هذا الحوار وجدواه ومدى قدرته على إخراج البلاد من أزمتها.
"لا رجوع إلى الوراء"
تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة)، محمود بن مبروك، أن الحوار الوطني المرتقب في تونس، سيضم مشاركة القوى السياسية التي تتقاطع مع الرئيس قيس سعيد في نفس المسار وفي تصوراته لمقتضيات المرحلة الحالية، دون الرجوع إلى الوراء وإشراك ما يعتبرهم "المسؤولين عن العشرية السوداء في البلاد (فترة ما بعد الثورة)".
"الثورة جاية جاية".. تونسيون يتظاهرون ضد حكم قيس سعيد
تظاهر العشرات من قوى المعارضة الثلاثاء في تونس العاصمة للمطالبة بالإفراج عن سياسيين معارضين مسجنوين، تزامنا مع الذكرى14 لثورة 2011 التي أسقطت نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويقول بن مبروك لموقع "الحرة" إن "رئيس الدولة هو من يمثل الشعب والمتحدث باسمه، والشعب رافض لعودة الأطراف السياسية التي تسببت في أزمة البلاد، لذلك لا يمكن للرئيس سعيد أن يحيد عن مبادئه وعن المطالب الشعبية، ويعيد إنعاش منظومة الفساد السابقة".
ويتابع في هذا السياق موضحا أن القوى السياسية الداعمة للسلطة "لا ترغب بدورها في التحاور مع الأطراف التي لا تتقاطع معها في أي برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي"، لافتا إلى أنه "لا إشكال في مشاركة المعارضة في الحوار، إذا كانت هذه المعارضة بناءة".
وبخصوص المضامين الرئيسية للحوار الوطني، يشدد المتحدث على أن الحوار المرتقب سيضع على الطاولة، "الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد والحلول الكفيلة بمعالجتهما معالجة جذرية".
من جانب آخر، يرى مراقبون أن "الحوار السياسي يهدف إلى إذابة الجليد" بين سلطة الرئيس قيس سعيد وطيف واسع من القوى السياسية والمدنية في البلاد، و"رسم ملامح مرحلة انفتاح سياسي على الأحزاب والائتلافات الداعمة للسلطة والمعارضة لها".
"لا مصلحة في الإقصاء"
"إن أول خطوة لإقامة حوار سياسي في تونس، هي إطلاق سراح المساجين السياسيين والسعي إلى التهدئة، ثم التحاور مع جميع الأطراف بما فيها المعارضة والموالية للسلطة، إذ لا مصلحة في إقصاء أي طرف" هذا ما يراه الناشط السياسي والحقوقي محمد عبو.
ويوضح عبو في حديثه لـ"الحرة" بأن الحوار المرتقب "لا يجب أن يقوم على الاستثناءات" مؤكدا بالقول "إذا استثنى الرئيس سعيد بعض الأطراف لتورطها سابقا في الفساد، فإنه بدوره قد تورط بإعلانه إجراءات 25 يوليو 2021 في انقلاب مما يعني أن لا أحد يمكنه التعالي على الآخر".
ويعتبر أن أولويات الحوار السياسي تتمثل في إطلاق سراح المساجين السياسيين وضرورة إرساء محكمة دستورية لضمان استقرار البلاد، وإرساء مجلس أعلى للقضاء كضمانة لسلطة قضائية مستقلة في تونس والعمل على تسيير دواليب الدولة ومؤسساتها بأكثر عقلانية بعيدا عن الشعبوية، وفقه.
في عهدته الثانية.. "ملفات ملتهبة" على طاولة الرئيس التونسي
فاز الرئيس التونسي، قيس سعيد، بعهدة ثانية مدتها خمس سنوات بعد فوز كاسح، على الرغم من أن الانتخابات شهدت واحدة من أدنى نسب المشاركة في تاريخ البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية مستمرة وتتصاعد فيها الانتقادات بشأن واقع الحريات.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد شدد في أواخر ديسمبر الماضي خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء على أهمية "الوحدة الوطنية" وذلك في سياق حديثه عن التحديات التي تواجه تونس عام 2025.
"انعكسات جدية"
في سياق متصل، يؤكد المحلل السياسي خالد كرونة أنه من المبكر التيقن بأن حوارا وطنيا على وشك الالتئام رغم بعض الإشارات التي تلقفتها الطبقة السياسية خاصة من خطاب الرئيس قيس سعيد حين أومأ إلى حتمية " الوحدة الوطنية" .
ويقول كرونة لـ "الحرة" إنه في حال العمل على تنظيم حوار، سيكون من العسير أن تكون له انعكاسات جدية على مجمل الواقع السياسي لأن اشتراطات السلطة وكذا الأحزاب التي تؤيدها بوجه عام، تؤسس لعزل هياكل سياسية أخرى تُلاحق بتهم ثقيلة أمام المحاكم.
ويرى أن دور المنظمات الكبرى في البلاد قد تراجع بشكل لافت وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) لافتا إلى أن هذا الأخير يشهد أزمة حادة "وهو نفسه بحاجة إلى حوار داخلي لترميم ذاته وأدائه".
وبشأن الجدوى من إجراء حوار وطني، يشدد كرونة على أن الحوار الذي لا يفضي إلى برنامج تنموي حقيقي جامع وإلى طي صفحة التضييق على الفضاء العام، يصير عديم الجدوى ولا يعدو أن يكون مادة للاستهلاك الإعلامي، وفق قوله.
يشار إلى أن أهم حوار وطني شهدته تونس كان عقب الأزمة السياسية التي هزت البلاد بعد اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013 والخلاف العميق بين السلطة والمعارضة، وقد أفضى الحوار إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في العام 2014.