تونسية أمام ملصقات المرشحين للرئاسة في العاصمة تونس
تونسية أمام ملصقات المرشحين للرئاسة في العاصمة تونس

يعبر عدد كبير من النساء عن خيبة أمل إزاء مكانة المرأة في تونس، وتقول فريال شرف الدين، والتعب باد على وجهها، "الرجال يعدون النساء بكثير من الأمور، لكن عندما يصل "أبو شنب" إلى السلطة، لا يحصل شيء".

على غرار فريال التي تدير منظمة لمناهضة العنف، لا تنتظر كثير من النساء الطموحات والمناضلات شيئا من الانتخابات الرئاسية المقررة الأحد.

وتقول شرف الدين: "لست متشائمة، أنا واقعية" انطلاقا من معاينتها المجتمع التونسي الذي يشهد بحسب رأيها، ارتفاعا في منسوب العنف وتراجعا للحقوق.

تونسيان يسيران من أمام بوسترات لمرشحين في انتخابات الرئاسة، 7 سبتمبر 2019
"شنوة برنامجك؟".. مبادرة شبابية لمساءلة مرشحي الرئاسة بتونس
وضعت مجموعة من الشباب التونسيين المتحمسين نصب أعينهم إحداث انقلاب في الحياة السياسية وفي أداء السياسيين التقليديين النافذين، فبادروا الى إنشاء موقع إلكتروني يناقش البرامج الانتخابية للمرشحين إلى الرئاسة، ويسعى إلى مقارعة السياسيين وتوعية أنصارهم.

وتضيف الشابة التونسية قولها: "لم تعد النساء مهتمات بالسياسة، وهن يدركن جيدا أن النظام الأبوي نفسه لا يزال قائما".

غير أن التونسيات اللواتي كان لهن حضورا مهما في الاحتجاجات التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي خلال انتفاضة 2011، يبدو وجودهن ضعيفا في الانتخابات الرئاسية، وهن تقريبا غائبات في الحملات الدعائية التي تقدم برامج ترتكز أساسا على الاقتصاد والأمن.

وتشارك في الانتخابات الرئاسية امرأتان فقط من مجموع 26 مرشحا. عبير موسي المحامية التي ترفع لواء مناهضة الإسلاميين في البلاد والمدافعة عن عهد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وسلمى اللومي، امرأة أعمال ووزيرة سابقة للسياحة شغلت منصب رئيسة الديوان السياسي للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قبل ثمانية أشهر من وفاته.

وتعلق الحقوقية بشرى بالحاج حميدة التي انتخبت نائبة في برلمان 2014، بالقول "إنه ذرّ رماد في الأعين".

وتتابع المرأة المناضلة والمدافعة عن حقوق النساء في تونس "عشت تجربة ثرية وأغادر السياسة ولست نادمة".

وهاجم العديد من المحافظين بشرى بالحاج حميدة خصوصا خلال دفاعها عن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، إحدى المسائل الشائكة في المجتمع التونسي والتي تثير جدلا متواصلا.

وتقول بن حميدة "يريد الرجال نساء لا يشكلن لهم مصدر قلق، ولا يناقشن ولا يقررن في السياسة"، مضيفة "خسرت الكثير من الصداقات مع الرجال".

كما تتحدث بن حميدة عن ضعف التضامن النسوي "وكأن هناك مكانا واحدا ويجب إبعاد البقية".

وتعتبر المناضلة الشابة زينة الماجري بدورها أن "النساء لا يحسسن بغياب الدعم وليست هناك رغبة من الأحزاب للتغيير".

مرشحة واحدة للانتخابات الرئاسية التونسية

فصام 

وتمكنت تونس بالرغم من ذلك من الظهور بصورة البلد الوحيد تقريبا في العالم العربي والإسلامي التي تعطي مكانة متقدمة للمرأة عبر سن "مجلة الأحوال الشخصية" عام 1956 التي تجرم تعدد الزوجات وتمنح المرأة حق المطالبة بالطلاق.

ودافع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عن حقوق المرأة التي كان لها الفضل في انتخابه، وتمت المصادقة خلال عهده على العديد من القوانين التي تجرم العنف ضد المرأة، كما تم إلغاء المنشور الذي ينص على أن التونسية لا يحق لها الزواج من غير المسلم.

وتنتقد الماجري ضعف تطبيق القوانين التي تخص حقوق المرأة، وتشدد في المقابل على أن الأمر يمر عبر "تغيير العقليات" في تونس.

وتصف فريال شرف الدين التباين الحاصل في المجتمع بين صورة تونس كدولة حديثة والمجتمع المحافظ، "بالفصام".

وتنتقد بلحاج حميد ردود الأفعال التي تلقتها بخصوص مشروعها للمساواة بين الرجل والمرأة، ولكنها متشبثة بضرورة الحوار والنقاش.

نساء تونسيات أمام ملصقات انتخابية

وتقول "نجحت في إرساء الحوار بين العديد من الشباب كما تمكنت من فهم العديد من الأشياء".

إلا أن تحديد مدى تقبل المجتمع التونسي للمساواة يثير رئيسة "الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات" يسرى فراوس التي تقول "لا يطرح السؤال من أساس. المساواة مبدأ كوني"، ملاحظة أن هناك "تراجعا كبيرا" في حقوق المرأة في الميدان.

وتعدد فراوس الأمثلة على ذلك فيما يتعلق بحقوقهن الجنسية وعدم حصولهن في المناطق الريفية الداخلية في البلاد خصوصا على العلاج الطبي، ومعاناتهن من الفقر.

وتشكل النساء حوالي 80 في المئة من مجموع العاملين في القطاع الزراعي في تونس، استنادا الى دراسة قامة بها "جمعية النساء الديمقراطيات" والتي انتقدت فيها ظاهرة عمالة النساء هذه في قطاع صعب.

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".