مدن تونسية عدة شهدت احتجاجات وأعمال شغب
مدن تونسية عدة شهدت احتجاجات وأعمال شغب

رغم مرور ١٠ أعوام على الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي إثر احتجاجات شعبية حاشدة، غير ان تونس لا تزال تعاني عدم الاستقرار السياسي وأوضاعا اقتصادية صعبة تشعل فتيل التظاهرات والاحتجاجات بين فينة وأخرى.

وتشهد عدة مدن وولايات في البلاد من بينها تونس العاصمة وسوسة والقصرين وأريانا أحداث شغب واحتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد والمحسوبية، كما يقول العديد من النشطاء الحقوقيون في البلاد.

وباتت هذا الاحتجاجات تتكرر في الفترة الأخيرة مع الاحتفاء بذكرى "ثورة الياسمين" في 14 يناير من كل عام، وبعضها يتحول إلى أعمال عنف وشغب.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية، الإثنين، إنه جرى اعتقل أكثر من 600 شخص بعد الليلة الثالثة على التوالي من الاضطرابات التي تشهدها عدة مدن تونسية فيما نُشرت قوات من الجيش في بعض المناطق.

وأوضح  الحيوني إن إجمالي عدد الموقوفين بلغ 632 شخصًا، أبرزهم "مجموعات من الأفراد أعمارهم بين 15 و20 و25 عامًا تقوم بحرق العجلات المطاطية والحاويات بهدف عرقلة تحركات الوحدات الأمنية"، فيما ذكرت وزارة الدفاع أن الجيش انتشر في عدة مدن. 

وفي نفس السياق، ذكر مراسل قناة الحرة أن عشرات النشطاء  تظاهروا في الشارع الرئيسي بالعاصمة رافعين شعارات مناهضة للحكومة.

وحمل  المتظاهرون رئيس الحكومة هشام المشيشي وقوى الائتلاف الحاكم مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي بالبلاد والذي أدى الى تأجيج احتجاجات اجتماعية متواصلة تشهده البلاد منذ نهاية الأسبوع الماضي.

الراعي.. وبوعزيزي

وقد تفجرت الاحتجاجات الأخيرة على خلفية اعتداء أحد عناصر الشرطة بالضرب والإهانة على راعي أغنام بمدينة سليانة بسبب عدم امتثاله لقانون الطرقات ما أدى إلى خروج تظاهرات غاضبة، منددة بـ "تجاوزات الأمن بحق الطبقات الفقيرة".

وتوسعت بعدها رقعة الاحتجاجات في العديد من المدن مما اضطر قوات الأمن إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود الغاضبة.

وأعادت حادثة راعي الأغنام ما حدث مع البائع المتجول في مدينة سيدي بوزيد، محمد بوعزيزي، والذي كان قد أقدم على إحراق نفسه في 17 ديسمبر من العام 2010 بعد مصادرة عربته وتعرضه للصفع من قبل شرطية مما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية شملت معظم أنحاء البلاد وفرار رئيس البلاد آنذاك، زين العابدين بن علي، إلى السعودية.

وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في لعام 2019 برلمانا مشتتا، ما أفضى إلى صراعات داخل النخبة السياسية في وقت تتصاعد أزمات ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات البطالة على وقع تفشي فيروس كورونا المستجد.

ورغم أن تونس تمكنت من تفادي العنف الذي هز عدة بلدان في المنطقة إلا أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيها ازداد سوءا وأصبحت البلاد على شفا أزمة اقتصادية. 

بانتظار الحوار

وكان بيان لرئاسة الجمهورية قد قبل في وقت سابق الحوار الذي دعا إليه الاتحاد العام للشغل، صاحب التأثير القوي في الشارع، وأوضح البيان إن الحوار سيكون "لتصحيح الثورة الذي تم الانحراف به عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات وهو الشغل والحرية والكرامة".

وقال الأمين العام لاتحاد الشغل إن هذه المبادرة "هي بريق أمل لتصحيح مسار الثورة"، وهنا تجدر الإشارة إلى رباعي، يتألف من اتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، ورابطة حقوق الإنسان، وهيئة المحامين، قد فاز بجائزة نوبل للسلام في 2015 لدورهم في البناء الديمقراطي وتجنيب تونس السقوط في أتون العنف بين المعسكرين العلماني والإسلامي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين العام في تونس إلى 89 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، كما أن موازنة 2021 تبدو صعبة الانجاز مع انتهاء برنامج الدعم من صندوق النقد الدولي لتونس في الربيع.

ويبدو أن حكومة، هشام المشيشي، لا تزال تواجه مهمة صعبة، تقضي بإخراج الديمقراطية الناشئة من حال عدم الاستقرار السياسي لتتمكن من مواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

ويترتب على الحكومة، مع التعديلات التي شهدتها العمل من أجل تخفيف معدّل البطالة الذي بلغ 18 في المئة بسبب الأزمة الصحية ومواجهة تفشي وباء كوفيد-19 وإنعاش القطاع العام، وهو تحد تواجهه الحكومة، في غياب دعم برلماني قوي.

خصوصية يناير.. ومكمن المشكلة

وفي حديث لموقع الحرة، أوضح الباحث، منجي الخضراوي أن لشهر يناير خصوصية عند الشعب التونسي، والاحتجاجات فيه ليست وليدة ما بعد ثورة 2011، وذلك بات يعرف بموسم الاحتجاجات بسبب قانون الميزانية السنوية التي عادة ما تقر بين شهري نوفمبر وديسمبر.

وتابع: "تعود الناس أن يخرجوا للاحتجاج على طريقة إدارة الدولة للثروات العامة للبلاد، ولكن الاحتجاجات بدأت تأخد طابعا أكثر وضوحا، لأن سطوة القوى الأمنية ضعفت بعد الثورة فيما قويت شوكة المواطن أن صح القول، إذ أصبح قادرا على التظاهر والتعبير عن رأيه دون خوف أو وجل".

ونوه الخضراوي في تصريحاته لموقع الحرة أن مكمن الخلل على الصعيد الاقتصادي يكمن إعادة حكومات ما بعد الثورة للمنهجية التي كانت متبعة في ثمانينات القرن الماضي، مما أدى إلى استمرار المظالم نفسها والظروف عينها، وبالتالي وعلى مبدأ الحتمية فإن نفس الأسباب والظروف سوف تؤدي حتما إلى نفس النتائج.
وأردف: " نحن الآن نعيش أزمة هيكلية بات ثقلها على كاهل الإنسان الفقير والعادي واضحا مما أدى إلى اندلاع تلك الأحداث الأخيرة".

الاحتجاجات.. والأجندات

ولكن ومع أحقية المطالب التي ينادي بها المحتجون والتي تعبر عن رغبة الكثير من التونسيين، يرى الخضراوي أن ثمة تساؤلات في أن أعمال الشغب التي وقعت ليلا تستفيد منها أو تستخدمها أطراف سياسية لتحقيق مصالح خاصة وضيفة.
ولفت رغم أن التونسيين معتادين على القيام بالتظاهرات في أوقات متأخرة من الليل، ولكن هذه المرة حدثت أعمال سلب ونهب كثيرة، ففي يوم واحد جرى سلب أكثر من خمسين مؤسسة اقتصادية وصناعية وتجارية.

تونسيون يعودون للميادين للمطالبة بالاصلاح الاقتصادي
التونسيون يطلقون حوارا لتصحيح مسار الثورة
قالت رئاسة الجمهورية في تونس، الأربعاء إن الرئيس، قيس سعيد، قبل مبادرة اتحاد الشغل، صاحب التأثير القوي، لإطلاق حوار وطني تشارك فيه أحزاب ومنظمات وشبان من كل مناطق البلاد بهدف "تصحيح الثورة التي انحرفت عن أهدافها بعد عقد من اندلاعها".

وأوضح أن هناك من يريد أن يفشل حكومة هشام المشيشي، مردفا: "بعد نحو 11 دقيقة من إعلان رئيس الحكومة عن التعديل الوزاري اندلعت أعمال شغب ونهب وسرقة، وربما الأطراف التي كانت تدعم الحكومة السابقة برئاسة إلياس الفخاخ هي التي تسعى الآن إلى اسقاط الحكومة الجديدة".

واعتبر الخضراوي أن توقيت الاحتجاجات قد لا يكون مناسبا حاليا خوفا من أن يؤدي إلى تدهور الأحوال الاقتصادية التي هي بالأساس سيئة وخطيرة. 

ويرى الباحث التونسي أنه لتحقيق انفراجة في الأوضاع يشعر خلال المواطن بحدوث تغيير في أوضاعه لا بد من تحقيق شروط عدة أهمها تغيير النهج الاقتصادي الذي لا تزال تعتمد عليه الدولة والذي كان سببا رئيسيا في قيام الثورة وإسقاط نظام بن علي.

وأكد ضرورة التعويل على الطاقات الفكرية والمهنية التي يزخر بها الشباب والاستفادة منها بالتوازي مع الاستغلال الأمثل لثروات البلاد الزراعية والمعدنية والفكرية والسياحية والثقافية.

وفيما إذا كان يتفق مع من يقول أن حركة النهضة الإسلامية هي السبب الرئيسي وراء فشل تحقيق أهداف الثورة، أجاب: "شئنا أم أبينا فإن ذلك الحزب سواء اتفقنا مع توجهاته أو اختلفنا بات جزءا من المنظومة السياسية والاجتماعية للبلاد، وقد حظي بأصوات أكثر من مليون ونصف المليون تونسي".

وزاد: "جميع الأحزاب الموجودة على الساحة من يمين ويسار شاركت بالحكم، وكل طرف له مسؤولية في تحمل ما آلت إليه الأوضاع، والمشكلة برأيي تكمن في أن النخب السياسية الحاكمة من نهضة وغيرها لا تزال تتصرف بعقلية المعارضة وليست كأنها في سدة الحكم وعليها مسؤوليات كبيرة، عليها أن تعي أن لم تعد أحزابا معارضة لنظام بن علي الذي انتهى منذ عشرة سنوات رغم استمرار بعض تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية".

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيد محط آراء مختلفة في الشارع التونسي

تصاعدت وتيرة المطالب الحزبية في تونس الداعية إلى ضرورة إجراء "حوار وطني" يخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسط أنباء عن شروع الرئاسة التونسية في الترتيب لإجراء حوار وطني في مارس المقبل.

ويعد حزب التيار الشعبي من بين الأحزاب الداعمة للنظام والتي طالبت بحوار وطني، حيث دعا في بيان له في 14 يناير 2025 بمناسبة الذكرى 14 للثورة التونسية، السلطة إلى "الخروج من حالة الانغلاق السياسي ومد جسور التواصل مع جميع الأحزاب والهيئات المهنية والمنظمات والفعاليات الشعبية والنخب الثقافية والإعلامية والأكاديمية الوطنية المناهضة للرجعية والهيمنة والمؤمنة بالديمقراطية والسيادة".

بالتزامن مع ذلك، أكدت حركة النهضة الإسلامية المعارضة، في بيان لها، تمسكها بـ"إجراء حوار وطني جادّ وشامل غير إقصائي بين كل القوى الوطنية من أجل إنقاذ تونس وفق برنامج ديمقراطي تشاركي يعالج القضايا والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة".

وسبق أن كشفت مصادر خاصة لـ"الحرة" أن الرئاسة التونسية شرعت منذ أسابيع في إجراء اتصالات غير معلنة بعدد من الشخصيات السياسية وممثلين عن أحزاب ومنظمات مدنية وحقوقية، ترتيبا لإجراء حوار وطني في مارس المقبل، فيما استثنت أحزابا معارضة من ضمنها حركة النهضة وأخرى منخرطة في "جبهة الخلاص الوطني" (ائتلاف حزبي معارض) الذي يقودها المعارض أحمد نجيب الشابي.

وبين ضرورة إجراء حوار وطني و"استثناء" بعض القوى السياسية المعارضة منه، فتح النقاش في الأوساط التونسية بشأن ملامح هذا الحوار وجدواه ومدى قدرته على إخراج البلاد من أزمتها.

"لا رجوع إلى الوراء"

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة)، محمود بن مبروك، أن الحوار الوطني المرتقب في تونس، سيضم مشاركة القوى السياسية التي تتقاطع مع الرئيس قيس سعيد في نفس المسار وفي تصوراته لمقتضيات المرحلة الحالية، دون الرجوع إلى الوراء وإشراك ما يعتبرهم "المسؤولين عن العشرية السوداء في البلاد (فترة ما بعد الثورة)".

ويقول بن مبروك لموقع "الحرة" إن "رئيس الدولة هو من يمثل الشعب والمتحدث باسمه، والشعب رافض لعودة الأطراف السياسية التي تسببت في أزمة البلاد، لذلك لا يمكن للرئيس سعيد أن يحيد عن مبادئه وعن المطالب الشعبية، ويعيد إنعاش منظومة الفساد السابقة".

ويتابع في هذا السياق موضحا أن القوى السياسية الداعمة للسلطة "لا ترغب بدورها في التحاور مع الأطراف التي لا تتقاطع معها في أي برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي"، لافتا إلى أنه "لا إشكال في مشاركة المعارضة في الحوار، إذا كانت هذه المعارضة بناءة".

وبخصوص المضامين الرئيسية للحوار الوطني، يشدد المتحدث على أن الحوار المرتقب سيضع على الطاولة، "الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد والحلول الكفيلة بمعالجتهما معالجة جذرية".

من جانب آخر، يرى مراقبون أن "الحوار السياسي يهدف إلى إذابة الجليد" بين سلطة الرئيس قيس سعيد وطيف واسع من القوى السياسية والمدنية في البلاد، و"رسم ملامح مرحلة انفتاح سياسي على الأحزاب والائتلافات الداعمة للسلطة والمعارضة لها".

"لا مصلحة في الإقصاء"

"إن أول خطوة لإقامة حوار سياسي في تونس، هي إطلاق سراح المساجين السياسيين والسعي إلى التهدئة، ثم التحاور مع جميع الأطراف بما فيها المعارضة والموالية للسلطة، إذ لا مصلحة في إقصاء أي طرف" هذا ما يراه الناشط السياسي والحقوقي محمد عبو.

ويوضح عبو في حديثه لـ"الحرة" بأن الحوار المرتقب "لا يجب أن يقوم على الاستثناءات" مؤكدا بالقول "إذا استثنى الرئيس سعيد بعض الأطراف لتورطها سابقا في الفساد، فإنه بدوره قد تورط بإعلانه إجراءات 25 يوليو 2021 في انقلاب مما يعني أن لا أحد يمكنه التعالي على الآخر".

ويعتبر أن أولويات الحوار السياسي تتمثل في إطلاق سراح المساجين السياسيين وضرورة إرساء محكمة دستورية لضمان استقرار البلاد، وإرساء مجلس أعلى للقضاء كضمانة لسلطة قضائية مستقلة في تونس والعمل على تسيير دواليب الدولة ومؤسساتها بأكثر عقلانية بعيدا عن الشعبوية، وفقه.

احتجاجات سابقة في تونس
في عهدته الثانية.. "ملفات ملتهبة" على طاولة الرئيس التونسي
فاز الرئيس التونسي، قيس سعيد، بعهدة ثانية مدتها خمس سنوات بعد فوز كاسح، على الرغم من أن الانتخابات شهدت واحدة من أدنى نسب المشاركة في تاريخ البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية مستمرة وتتصاعد فيها الانتقادات بشأن واقع الحريات.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد شدد في أواخر ديسمبر الماضي خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء على أهمية "الوحدة الوطنية" وذلك في سياق حديثه عن التحديات التي تواجه تونس عام 2025.
"انعكسات جدية"

في سياق متصل، يؤكد المحلل السياسي خالد كرونة أنه من المبكر التيقن بأن حوارا وطنيا على وشك الالتئام رغم بعض الإشارات التي تلقفتها الطبقة السياسية خاصة من خطاب الرئيس قيس سعيد حين أومأ إلى حتمية " الوحدة الوطنية" .

ويقول كرونة لـ "الحرة" إنه في حال العمل على تنظيم حوار، سيكون من العسير أن تكون له انعكاسات جدية على مجمل الواقع السياسي لأن اشتراطات السلطة وكذا الأحزاب التي تؤيدها بوجه عام، تؤسس لعزل هياكل سياسية أخرى تُلاحق بتهم ثقيلة أمام المحاكم.

ويرى أن دور المنظمات الكبرى في البلاد قد تراجع بشكل لافت وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) لافتا إلى أن هذا الأخير يشهد أزمة حادة "وهو نفسه بحاجة إلى حوار داخلي لترميم ذاته وأدائه".

وبشأن الجدوى من إجراء حوار وطني، يشدد كرونة على أن الحوار الذي لا يفضي إلى برنامج تنموي حقيقي جامع وإلى طي صفحة التضييق على الفضاء العام، يصير عديم الجدوى ولا يعدو أن يكون مادة للاستهلاك الإعلامي، وفق قوله.

يشار إلى أن أهم حوار وطني شهدته تونس كان عقب الأزمة السياسية التي هزت البلاد بعد اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013 والخلاف العميق بين السلطة والمعارضة، وقد أفضى الحوار إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في العام 2014.