أكثر من 7000 حالة عنف أسري منذ تفشي كورونا في تونس
أكثر من 7000 حالة عنف أسري منذ تفشي كورونا في تونس

في أقل من أسبوع، شهدت تونس ثلاث حالات عنف بحق نساء، كان آخرها داخل محكمة ولاية منوبة (شمالي البلاد)، بعدما قرر أحدهم الاعتداء على زوجته بواسطة شفرة الحلاقة، على خلفية قضية نفقة تقدمت بها ضده.

وانتشر في الأيام الأخيرة وسم (هاشتاغ) "كلنا رفقة" و أيضا "أنا الضحيّة القادمة"، في حملة تضامن واسعة  أعرب المشاركون والمشاركات فيها عن الغضب والامتعاض من تزايد حالات العنف ضد النساء في البلاد.

وأوضح الناطق باسم محكمة منوبة، سامي الصمادحي، أن الزوجين حضرا جلسة بناء على قضية نفقة، إلا أن سرعان ما غافل الزوج الحاضرين متعمدا تشويه وجه زوجته بواسطة شفرة حلاقة، مما أدى إلى سقوطها على الأرض.

وأشار الصمادحي إلى أنّه "تم توقيف الزوج المعتدي على الفور، داخل قاعة المحكمة".

وقبل هذه الحادثة بأيام، توفيت الشابة رفقة الشارني (31 عاماً)، وهي أم لطفل، برصاص زوجها الشرطي، علماً أنها تقدمت بشكوى جزائية بحقه قبل أيام من مفارقتها الحياة، إلا أنه استطاع التملص من المسؤولية.

وكذلك توفيت الشابة أروى الطرودي بحادثة اصطدام، حيث تركت تنزف إلى أن فارقت الحياة.

وتثير كل هذه الحالات، وغيرها مما لم تصل قصتها لوسائل الإعلام، الضوء على القانون في دولة تتباهى فيها النساء بحقوقها الدستورية والقانونية مقارنة بباقي الدول العربية.

الضعف المالي و اللوجستي

ويعتبر المحامي والناشط الحقوقي، محمد إبراهيمي، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ "قانون العنف ضد النساء، الذي أقره البرلمان التونسي في 26 يوليو 2017، كان خطوة مفصلية، ولكنه لم يقترن بآليات تساهم في تنفيذه بشكل سليم".

وأوضح إبراهيمي أنّ القانون بوضعه الحالي "ليس رادعا"، موضحاً أنّه "في عام 2018، أي بعد عام كامل من إقرار القانون لوحظت زيادة كبيرة في نسبة العنف الأسري، إذ تقدمت  أمام القضاء حوالى 40 ألف شكوى من النساء المعنفات".

لكن إبراهيمي يلاحظ "ارتفاعا في هذه النسبة في الأشهر الماضية، وقد يكون السبب تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد وارتفاع الأسعار في البلاد".

ويعرّف القانون التونسي العنف ضد المرأة بأنه "كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس، والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة".

ويقول إبراهيمي إنّ "القانون ينقصه التمويل والدعم اللوجستي، حيث يوجد 80 مركزا مفعلا لتلقي شكاوى النساء المعنفات، وهو رقم قليل مقارنة بحجم تونس".

وتتفق المحامية والناشطة حقوقية، آمنة الزهروني، فيما قاله إبراهيمي، فرغم أنّ "القانون المتبع تقدمي وثوري، لا تمتلك الدولة إمكانيات مالية وبشرية لتطبيقه، وخير دليل على ذلك إقفال مراكز تلقي الشكاوى الخاصة بجرائم العنف الأسري في أيام العطل ونهاية الأسبوع"، حسبما قالت لموقع "الحرة".

وفي نفس الإطار، قالت الإخصائية في علم الاجتماع، فتحية السعيدي، لموقع "الحرة"، إنّ "القانون في تونس متطور جداً، وبإمكانه أن يصبح رادعاً مع الوقت إذا اقترن بالآليات العملية أبرزها زيادة عدد فروع الشرطة المختصة بهذا النوع من الجرائم".

وأوضحت أن "قانون العنف ضد المرأة يشمل كل من الحماية، الوقاية، التجريم، دعم ضحايا العنف، وهي متطلبات كافية للتخفيف من هذا النوع من الجرائم، المرفوضة اجتماعيا"، مشيرة إلى "عدد النساء اللواتي يتقدمن بدعاوى جزائية موضوعها العنف أو الاعتداء الجنسي ليست بالقليلة".

وعن شعار "نحن نصدق الناجيات" الذي يتم تداوله في تونس حاليا، تحدثت الزهروني قائلة إنّه "لابد من تصديق النساء اللواتي يتقدمن بدعاوى عنف أسري".

وأشارت إلى أن "الأمر يعود للقاضي الناظر في الملف، فبعضهم يتعاطف مع الملف بشكل إنساني، وآخرين يتعاملون مع الجريمة كأنها قضية مالية جامدة، محملين المرأة عبأ إثبات كبير".

"حالة يأس جماعية"

فيما يرى إبراهيمي سببا إضافيا "لابد من الاعتراف به عند الحديث عن ازدياد نسبة العنف ضد المرأة، وهو النقمة التي تعتري الرجال التونسيين من كمية التشريعات التي تحمي المرأة وتميزها عنهم".

العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط ازداد في زمن كورونا
"عواقب كارثية".. العنف ضد المرأة الشرق أوسطية في زمن الكورونا
أدى تفشي وباء فيروس كورونا المستجد في عام 2020، إلى زيادة المخاطر، الجسمية أصلا، التي تواجهها النساء على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بسبب العزل المطول في المنزل أثناء عمليات الإغلاق الشامل، وحظر التجول، بحسب ما أفادت منظمة العفو الدولية. 

 

أما السعيدي فقد أرجعت زيادة حالات العنف في تونس مؤخرا "إلى الظروف المعيشية السيئة في البلاد، ونظرة المجتمع للمرأة، واعتبارها أدنى من الرجل وضمن ملكيته الخاصة، إذ يجوز له أن يفعل ما يريد بها".

وتابعت قائلة: "العنف موجود في كافة فئات المجتمع ولدى كافة المحافظات، وسببه البطالة وآثار الحجر المنزلي على سلوك الإنسان".

وأشارت السعيدي إلى أنّه "هناك حالة من اليأس الجماعي، بسبب الخلافات السياسية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي فاقمتها جائحة فيروس كورونا".

ومنذ تفشي فيروس كورونا في مارس 2020، سجل مركز " الأورومتوسطية" الحقوقي الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة عنف أسري وذلك من خلال الرقم المجاني الذي أنشأته وزارة المرأة والأسرة.

وتواجه الدولة شبح الانهيار الاقتصادي، وتعاني أيضا أزمة سياسية حادة منذ نحو شهرين بعد أن رفض الرئيس قيس سعيد قبول أداء اليمين لوزراء شملهم تعديل وافق عليه البرلمان.

الدراسات تقول إن العنف ضد الأطفال يتسبب بتراجعهم العلمي وزيادة المشاكل النفسية لديهم
يحدث في مدارس دول عربية.. تأديب الأطفال بـ "العصي والسياط وصدم بالكهرباء وربط بالحبال"
طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، الاثنين، الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحظر "التأديب العنيف للأطفال"، بمناسبة إطلاقها مؤشرا يصنف دول المنطقة "بناء على قوانينها وسياساتها ذات الصلة".

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".