تونس على صفيح ساخن
منعت الشرطة التونسية متظاهرين من دخول مبنى البرلمان في 26 يناير 2021

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس خلال الأيام الأخيرة، دعوات للخروج في مظاهرات عارمة، يوم 25 يوليو المقبل، المصادف لذكرى عيد الجمهورية.

وطالبت فعاليات، من الشباب التونسي، الخروج  الأحد المقبل، للمطالبة بالحقوق  وتحميل السلطة مسؤولية الأزمة، متعددة الجوانب، التي تتخبط فيها تونس.

ومن بين أبرز تلك الفعاليات ما يعرف بـ "المجلس الأعلى للشباب" المزمع تكوينه من عدة منظمات شبابية، والذي لم يحظ بعد بالإجماع وسط الشباب التونسي، وفق متابعين.

"المجلس الأعلى للشباب" أصدر بيانا تناقله ناشطون في تونس، خلال الـ48 ساعة الأخيرة، دعا خلاله إلى الخروج "من أجل إنقاذ الجمهورية".

وعدد البيان المعنون بـ "انتفاضة 25 جويلية 2021" جملة من الأسباب التي تدعم وفقه  انتفاضة ثانية، وأعطى تصورا لبعض المطالبات بينها "اعتقال جميع السياسيين والمستشارين ورؤساء الحكومات ووزراء ونواب، وكتاب دولة، ومعتمدين، وحل جميع الأحزاب".

وهي مطالب اعتبرها المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم "غير واقعية".

واستجاب العديد من الشباب التونسي على مواقع التواصل الاجتماعي، لنداء التظاهر، حيث رأى كثيرون في ذلك "فرصة" لإحداث تغيير حقيقي في تونس.

شباب وصف المسيرات المزمع تنظيمها بـ"الانتفاضة الجديدة" ومنهم من نشر مقاطع فيديو يدعو إلى الاحتشاد أمام مقرات البرلمان التونسي والوزارات.

لكن بعض الأحزاب السياسية حذرت من مغبة الانخراط فيما دعت إليه تلك الفعاليات ولا سيما "المجلس الأعلى للشباب".

وبينما نفت عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوي الحر، أي علاقة لحزبها مع تلك الفعاليات، حذرت أنصارها من المشاركة في المظاهارت.

بدوره، طلب عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري، من النيابة العامة فتح تحقيق بشأن بيانات "المجلس الأعلى للشباب".

هل تهدد تونس ثورة جديدة؟

بالنسبة للمحلل السياسي التونسي، بدر السلام الطرابلسي، فإن العوامل الموضوعية الممهدة بحدوث انتفاضة "موجودة".

وفي حديث لموقع "الحرة" قال الطرابلسي إن الأزمة متعددة الجوانب التي تعيشها تونس، قد تمهد لـ"انفجار وشيك" مؤكدا أن الانسداد الحاصل "مسؤولية السلطة".

وقال إن سوء الإدارة، والحوكمة، والتقصير في جميع المجالات، والتعامل بمكيالين بين الطبقة الغنية والفقيرة والمتوسطة، قد يؤشر لتذمر شعبي وشيك.

الطرابلسي قال إن السلطات تركت الفئات المتوسطة والفقيرة تعيش بإمكانيات جد محدوة، وهو سبب من الأسباب، في نظره، الذي قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية عارمة أو على الأقل حراك اجتماعي.

لكنه لفت إلى أن الحراك أو الانتفاضة التي دعت إليها مجموع تلك الفعاليات، تفتقد لتنظيم محكم، يجعل منها قوة "يمكنها حشد المواطنين حول فكرة التظاهر" وفق قوله.

وقال: "لا أعتقد أنه ستكون هناك انتفاضة أو انفجار كبير، لكن يمكن أن نشهد مسيرات ومظاهرات منددة بالوضع المعيشي".

ومضى يؤكد أن محتوى بيان ما يعرف بـ"المجلس الأعلى للشباب" لا يرقى ليكون أرضية مطالب جدية، حيث احتوى على بعض المطالبات غير الواقعية ولا سيما "سجن جميع السياسيين" دون محاكمة، ووصف البيان بأنه "غير جدّي".

الطرابلسي لفت في السياق، إلى أن أغلب المطالب التي تضمنها البيان تتماشى مع ما يريده الرئيس قيس سعيد، وخص بالذكر "إعادة النظر في قانون الانتخاب، وتغيير طبيعة النظام، وكذا العودة  لدستور 1956.

أما بخصوص إمكانية أن يستعجل هذا البيان رئاسة الحكومة للاجتماع مع الرئيس قيس سعيد لإيجاد توافق، قال الطرابلسي: "التحرك ليس بالجدية المطلوبة التي تجبر المسؤولين على الإسراع في إيجاد حل لخلافاتهم".

ووضع خلاف سياسي بين قيس سعيد والمشيشي البلاد داخل دوامة من التجاذبات، عطلت مسيرة التنمية، وفق متابعين.

وانتهجت البلاد في أعقاب ثورة 2011 نظاما سياسيا هجينا بين البرلماني والرئاسي ما ساهم في تعميق الخلافات بين رأسي السلطة فيما يتعلق بالصلاحيات الدستورية.

من جانبه، يرى المحلل السياسي بولبابة سالم أن أغلب الذين أطلقوا البيان تراجعوا عنه "لأن ليس من السهل تجييش الناس وراء مطلب غير موضوعي وعقلاني".

وفي اتصال مع موقع الحرة، قال سالم إن الذين دعوا لانتفاضة ثانية "ليس لهم أي وزن في تونس" وقال إن الفعاليات التي تقف وراء هذه الدعوات تعمل لصالح جهات خارجية تريد ضرب الانتقال الديمقراطي في تونس.

وختم بالقول: "مجلس الشباب لا وجود له على أرض الواقع، إنه فرقعة إعلامية وفيسبوكية فقط".

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب فرع تونس تقاضي تونس أمام لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب فرع تونس تقاضي تونس أمام لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة

أعلنت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب فرع تونس، رفع شكاية ضد الدولة التونسية، إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في جنيف على خلفية ما اعتبرته "عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في التحقيق مع مرتكبي جرائم التعذيب وسوء المعاملة وتتبعهم قضائيا والتعويض للضحايا".

وفي هذا الصدد، قالت المستشارة القانونية للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إيناس لملوم إن الشكوى ضد الدولة التونسية تتعلق بانتهاكها لحق رد الاعتبار لستّة من ضحايا التعذيب وسوء المعاملة في فترة الثمانينات والتسعينات، لافتة إلى أن منهم من توفّي جراء التعذيب فيما يزال آخرون على قيد الحياة.

وأضافت لملوم لموقع "الحرة" أنه منذ انبعاث الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في 2018، ما يزال ضحايا التعذيب ينتظرون صدور أحكام تنصفهم وتنصف عائلاتهم مشيرة إلى أنه رغم مرور أكثر من 6 سنوات على انتصاب هذه الدوائر ورغم تسجيل تقدم في بعض الملفات إلاّ أن عدم إصدار أحكام قضائية يعني عدم حصول العدالة المرجوة.

وأرجعت سبب عدم البتّ في ملفات الضحايا إلى ما اعتبرتها صعوبات تواجهها الدوائر الجنائية، أهمها حركة نقل القضاة وعدم اكتمال تركيبة هذه الدوائر بسبب عدم تلقي القضاة لتكوين خاص في العدالة الانتقالية وفق ما يقتضيه القانون.

وشددت على أن تأجيل الجلسات القضائية على امتداد السنوات الفارطة تعتبره المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب "تأجيلا ممنهجا الهدف منه عدم استصدار أحكام قضائية لفائدة ضحايا التعذيب في تونس فضلا عن تعمد مرتكبي الانتهاكات الغياب عن الجلسات وهو ما يعد ضربا لمسار العدالة الانتقالية القائمة أساسا على كشف الحقيقة والمحاسبة.

وبحسب تقارير حقوقية فإن حوالي مائتي ملف محال على 13 دائرة قضائية مختصة، فيما لم يتم بعد الفصل في أي من هذه الملفات، التي أحالتها "هيئة الحقيقة والكرامة" (هيئة مستقلة) على القضاء بعد أن أوكلت لها مهمة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في تونس بين عامي 1955 و2013. 

تعذيب وقتل

رشاد جعيدان، سجين سياسي سابق، تعرض للتعذيب وسوء المعاملة عند إيقافه سنة 1993 وكذلك عدة مرات خلال فترة سجنه حتى إطلاق سراحه سنة 2006، وهو أحد الستة المتقدمين بشكاية ضد الدولة التونسية لدى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في جنيف.

تحدث جعيدان لـ "الحرة" عن مراحل التعذيب التي تعرض لها في فترة التسعينات قائلا: تعرضت إلى شتى أنواع التعذيب عند اعتقالي في 1993، من ذلك الصعق بالكهرباء وقلع الأظافر والكي بالسجائر ووضع العصي في أماكن حساسة من جسمي (المؤخرة) كان مشهدا سرياليا مهينا لم تراع فيه حرمة الجسد والذات البشرية".

ويتابع في السياق ذاته بأنه رغم مرور أكثر من 6 سنوات على إيداع ملفه لدى القضاء إلا أنه مازال يترقب مآلاته مؤكدا بالقول" العدالة الانتقالية في تونس في حالة إنعاش والضحايا لم ينصفهم القضاء، الأمر الذي اضطرني إلى اللجوء إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب".

من جانبه، أكد رضا بركاتي أن شقيقه نبيل بركاتي توفي تحت التعذيب في مركز أمن تابع لمحافظة سليانة بالشمال الغربي لتونس في 8 مايو 1987 عقب اعتقاله في أبريل من نفس السنة.

ويوضح بركاتي لـ "الحرة" بأن ملف شقيقه تتابعه الدوائر القضائية المختصة في العدالة الانتقالية منذ يوليو 2018 ورغم انعقاد 22 جلسة قضائية في الغرض إلا أنه لم يصدر بعد أي حكم قضائي.

وبخصوص دوافع مقاضاة تونس في ملف ضحايا التعذيب، قال المتحدث، إن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية تسمح بمقاضاتها أمام المؤسسات القضائية الدولية مشيرا إلى أن السلطة الحالية تحاول بكل الطرق تعطيل مسار العدالة الانتقالية في البلاد وعدم إنصاف عائلات الضحايا.

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن أرسى في 2022 "مؤسسة فداء" بهدف الإحاطة بضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة وبأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها في خطوة اعتبرها حقوقيون سعي إلى تجاهل ملف العدالة الانتقالية في البلاد.

"تهميش وضبابية"

في سياق متصل، يرى الكاتب العام لـ"لشبكة التونسية للعدالة الانتقالية" (حقوقية غير حكومية) حسين بوشيبة أن ملف العدالة الانتقالية وقع تهميشه وتجاهله من قبل السلطات التونسية وسط ضبابية في تعامل أصحاب القرار معه رغم شرعيته.

وقال بوشيبة في حديث لموقع "الحرة": للأسف السلطة تتغاضى عن هذا الملف جهلا أو تهميشا، وسعت إلى إرساء مؤسسات بديلة ليس لها أي أثر إيجابي في إنصاف عائلات ضحايا سوء المعاملة والتعذيب في البلاد مشددا على أن الضحايا باتوا يشعرون بالإحباط والخيبة تجاه قضاء بلادهم.

وأشار إلى أن هنالك نحو 204 ملف معروض على الدوائر القضائية المختصة في العدالة الانتقالية تتضمن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفساد مالي.

وطالب الحقوقي، رئاسة الدولة ووزارة العدل التونسية بالتحرك لمعالجة ملفات ضحايا الاستبداد في فترة ما قبل الثورة التونسية في 2011 معتبرا أن "الحسم في هذا الملف يفتح الباب لمصالحة وطنية حقيقية تدعم المسار الانتقالي الذي تعيشه تونس".

"تدليس التقرير الختامي"

رغم أن هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية) التي وقع إرساؤها عقب الثورة لمتابعة ملف العدالة الانتقالية بتونس قد أنهت أعمالها ونشرت تقريرها النهائي في الجريدة الرسمية التونسية في 2020، إلا أن رئيستها السابقة سهام بن سدرين تقبع في سجن النساء بمحافظة منوبة المحاذية لتونس العاصمة بتهمة "تدليس التقرير الختامي للهيئة." 

وكان قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بتونس قد أمر في أغسطس الماضي بالإيقاف التحفظي ضد بن سدرين التي ترأست الهيئة بين 2014 و2018 بعد أن تم التحقيق معها بناء على شكاية من عضو سابقة بهيئة الحقيقة والكرامة أفادت بأن التقرير النهائي، المنشور في الجريدة الرسمية، يختلف عن النسخة المقدمة إلى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

في المقابل، تندد منظمات حقوقية محلية ودولية بما تعتبره "مظلمة سياسية" تتعرض لها الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، والتي تخوض منذ نحو أسبوع إضرابا عن الطعام داخل السجن في قضية تعتبرها "كيدية".