أزمة اقتصادية ومالية خانقة، تضاف إلى الأزمة السياسية التي تعانيها تونس منذ سنوات، بارتفاع العجز المالي والدين العام بشكل حاد نتيجة الوباء وتراجع عائدات السياحة.
لكن تونس تحظى بدعم جيرانها، ومن بينها الجزائر التي أوفدت وزير خارجيتها رمطان العمامرة مرتين خلال أسبوع منذ إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءات الطوارئ.
ومساء الأحد الماضي، أعلنت تونس استقبال سعيد للعمامرة "محملا برسالة شفوية موجهة إلى رئيس الدولة" من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون. ولم يختلف مضمون هذه الزيارة، عن الأولى التي قام بها العمامرة، الثلاثاء الماضي.
ويقول محمد سي بشير، الأكاديمي والمحلل السياسي الجزائري، إن زيارة العمامرة لتونس تدلل على متابعة الجزائر عن كثب ما يجري في تونس، حيث لا تريد الجارة المغاربية أن تتحول "الهشاشة السياسية إلى أزمة سياسية أو أمنية".
وأضاف لموقع "الحرة"، قائلا: "الجزائر تريد أن تبقى الأمور في تونس على ما هي عليه بعد اتخاذ الرئيس قيس سعيد لتلك القرارات المهمة"، مشيرا إلى رغبة بلاده في استمرا استقرار تونس وحمايتها لنفسها وبالتالي جوارها الغربي ومن ثم التفرغ لمسائل استراتيجية أخرى.
ولم يفصح الجانبان عن فحوى رسالتي تبون إلى سعيد الذي تزامن تصريحه بشأن "اتصالات مع بلدان صديقة للحد من العجز المالي" مع زيارة العمامرة الثانية.
لكن محمد كريم الكافي، أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون في باريس، لا يعتقد أن مساعدات الدول الصديقة يمكن أن تنتشل تونس من أزمتها، قائلا لموقع "الحرة": "هذه المساعدات ستكون ظرفية؛ لغاية شهر سبتمبر أو أكتوبر على أقصى تقدير".
وأضاف "الإشكال الصعب حاليا هو تسديد دفعة من الدين في الخامس من أغسطس (الخميس المقبل)".
وتسيطر المخاوف على عدم قدرة تونس على السداد في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على قرض مدته ثلاث سنوات، من صندوق النقد الدولي، بقيمة أربعة مليارات دولار للمساعدة في استقرار وضع ميزان المدفوعات.
وقد اتسع عجز ميزان المعاملات الجارية إلى 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، في حين يطالب المقرضون الأجانب بإصلاحات اقتصادية تحسن وضعها المالي.
وعن الدول الصديقة التي لربما ستحد من العجز المالي لتونس، كما قال سعيد، يعتقد الكافي أنها تتنوع بين الدول الخليجية التي بدت مواقفها من الأزمة في تونس متبانية، وأخرى أوروبية "فرنسا، إضافة إلى الجزائر".
وفيما يتعلق بالمساعدات التي قد تنتظرها تونس من جارتها، يتوقع الكافي أن تكون في شكل دعم مالي للبنك المركزي، أو منح مالية أو إرسال جرعات لقاح كورونا.
وأضاف "سيكون الدعم الجزائري متواضعا جدا في وقت تواجه فيه تونس فترة مالية صعبة بسبب الانخفاض الحاد للسندات الصادرة عن البنك المركزي التونسي بالعملة الصعبة، الأمر الذي يشكل خطرا على الديون التونسية"، على حد قوله.
وعن قدرة الجزائر، التي تأثرت ماليتها العامة بشدة بسبب تراجع أسعار النفط العالمية في السنوات الأخيرة، على مساعدة تونس، يقول بشير إن ثمة فرق بين المشكلة الاقتصادية التي تمر بها بلاده والمساعدات الاستراتيجية التي تقدمها.
وبينما تواجه الجزائر الانتشار السريع للسلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا التي تسببت في ارتفاع عدد المصابين لديها، فقد قدمت المساعدة لتونس للسيطرة على التفشي السريع لجائحة كوفيد-19.
ويقول بشير: "ما يحصل في تونس بسبب فيروس كورونا هو تقريبا ما يحصل في الشرق الجزائري، لكن هناك اعتبارات استراتيجية وسياسية مهمة وحيوية بالنسبة للجزائر ولتونس على حد سواء".
وهذا العام، قدرت تونس مدفوعات ديونها المستحقة عند 5,8 مليار دولار، منها 500 مليون دولار دفعتها في يوليو الماضي و500 مليون دولار أخرى في أغسطس الجاري.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، يتبادر إلى الأذهان وثيقة قرطاج 2 التي رسمت خريطة للإصلاحات الاقتصادية بمشاركة أطراف محلية في 2018.
وعما إذا كانت تونس بحاجة إلى وثيقة مشابهة لكن بمشاركة "الدول الصديقة" التي تحدث عنها سعيد، يقول الكافي: "ولما لا؟ فالحل الوحيد لتونس هو الحوار".
ويرى الكافي أن المشكلة التي تواجه تونس حاليا ليست سياسية، بل تتعلق بالحوار بين أطراف الأزمة، وتابع "المشكلة الكبيرة التي تواججها الدولة حاليا مالية".
ورغم أن التدابير التي اتخذها سعيد أثارت القلق على مصير الديمقراطية التونسية الناشئة وعمقت الأزمة بين أطرافها، يستبعد االكافي أن يؤثر هذا التوتر السياسي على فرص الحلول الاقتصادية "إلا إذا شهد الوضع تدخلات خارجية".
وتابع قائلا: "السياسة كانت السببب الوحيد المعرقل للدولة التونسية منذ 10 سنوات، أما اليوم فقد ضغطت حدة الأزمة المالية والاقتصادية على الوضع السياسي".
وبإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، تولى سعيد السلطة التنفيذية بنفسه. والسبت الماضي، قال سعيد إن أناسا فاسدين تركوا البلاد على شفا الإفلاس، داعيا مؤسسات مالية في البلاد لاتخاذ قرارات بعينها لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ويقول الكافي إن هذه المبادرات تقع على عاتق الرئيس فقط، "فهو الذي سيكون المسؤول عما يقوم به اليوم وإذا لم ينجح ستكون الكارثة كبيرة جدا على الدولة التونسية".
وقبل أن يقوم بزيارته الثانية لتونس، زار العمامرة القاهرة، حيث أصدرت الرئاسة المصرية بيانا قالت فيه إن الجزائر ومصر "توافقا نحو الدعم الكامل للرئيس سعيد ولكل ما من شأنه صون الاستقرار في تونس وإنفاذ إرادة واختيارات الشعب التونسي الشقيق حفاظاً على مقدراته وأمن بلاده".
وعما إذا كانت الجزائر تؤيد قرارات سعيد لرغبتها في نظام رئاسي أكثر من برلماني تقوده حركة النهضة، يقول بشير: "هذا خيار تونسي"، رغم أن الرئيس يبدو بصدد هذا الاتجاه.
وأضاف "العمامرة أكد على أن ما يختاره التونسيون سيكون خيارهم وحدهم، والجزائر ستقف معهم، الرئيس سعيد سيقرر الأفضل لدولته، والجزائر تنتظر ما سيتفق عليه المجتمع المدني والأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان والرئاسة حتى يعود الاستقرار لتونس".
وعلى ضوء زيارة العمامرة للقاهرة، تدور تساؤلات حول ما إذا كانت الجزائر تنسق مع مصر بشأن الأزمة في تونس، وفي هذا الصدد يطرح بشير رؤيتين.
الأولى تقول إن هناك تنسيق بين مصر والجزائر بشأن الأزمة في تونس، أما الثانية فتدور حول رغبة الجزائر في أن تظل تونس بدائرة نفوذها الخالص "بمعنى أن الجزائر لا تريد لدول بعيدة عن الفضاء المغاربي التدخل في شأن مغاربي بحت، وهو ما يجري في تونس هذه الأيام".
إلا أن وزير الخارجية المصري سامح شكرى يقوم الثلاثاء بزيارة إلى تونس، يلتقي خلالها نظيره عثمان الجرندي قبل أن يتحول إلى قصر قرطاج للقاء الرئيس سعيد.