بعد أكثر من 20 يوما على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، المفاجئة بإقالة رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان، لم يعلن عن تعيين رئيس وزراء جديد، ولا زال هو من يدير شؤون البلاد، لكن إلى متى؟
توقع مراقبون أن يعلن سعيد عن خطته الشاملة للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، يوم الجمعة الماضي، تزامنا مع العيد الـ65 للمرأة التونسية، لكن هذا لم يحدث.
رغم حصول قرارات سعيد على تأييد الكثير من التونسيين إلا أنها أثارت قلق المراقبين بشأن مسار الديمقراطية والحرية في البلاد، وخاصة أنها الدولة العربية الوحيدة التي حافظت على هذا المسار بعد ثورات الربيع العربي.
يقول إبراهيم أومنصور، محلل شمال أفريقيا في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية، في تصريحات لموقع "صوت أميركا": "السؤال هو: ماذا سيفعل سعيد الآن؟". وأضاف: "هل سيواصل فعلاً الإصلاحات الكبيرة التي وعد بها التونسيين، وسيبقي على هذه السلطات الجديدة في يده مؤقتًا للتعامل مع الأزمة؟ أم سيبقيها على المدى الطويل؟".
مطلب دولي وشعبي
يرى الباحث السياسي، خالد عبيد، أن القضية مسألة وقت، مؤكدا أنه لا يمكن للرئيس احتكار كل السلطات في يده.
وأضاف عبيد في تصريحات لموقع "الحرة" أن سعيد سيعلن عن ذلك عندما يرتب الأمور وفق مصلحته ويتيقن أن الأمور استقرت، مشيرا إلى أنه سيفعل ذلك قبل نهاية شهر أغسطس حتي لا يتعرض لضغوط من المجتمع المدني التونسي.
بينما يقول المحلل السياسي، الصغير الذكراوي، إن الإعلان لن يتأخر طويلا؛ لأن الرئيس لم يعد لديه خيار التأخير في الإعلان.
وأضاف الذكراوي في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أنه قد يتم الإعلان خلال أسبوع عن رئيس الحكومة على الأقل، ثم يتم الإعلان بعد ذلك عن باقي المسارات السياسية للمرحلة الانتقالية.
وأشار إلى أن الإعلان عن رئيس الحكومة أصبح مطلب تونسي بالأساس قبل أن يكون مطلب دولي، مؤكدا على حاجة البلاد لحكومة تكون مسؤولة خلال هذه الفترة أمام الرئيس والشعب.
كان سعيد أعلن في 25 يوليو، إعمال بنود المادة 80 من الدستور التونسي، لإقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان برئاسة راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة)، لمدة شهر قابلة للتجديد. وألمح سعيد إمكانية تمديد قرار تجميد عمل البرلمان.
جاءت قرارت سعيد بعد نحو 5 أشهر من الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد بسبب بشأن التعديل الحكومي بين رئيس البلاد قيس سعيد، ورئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، المدعوم من حركة النهضة وحزب قلب تونس، اللذين يسيطران على مجلس النواب.
وبدأت الأزمة منذ أن تجاهل المشيشي الرئيس، ولم يشاوره في التعديل الوزاري، كما لم يشاور إلا الأغلبية البرلمانية المتمثلة في تحالف النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
رسالة بايدن
أما عن دستورية إعلان الرئيس تشكيل الحكومة بمفرده دون وجود البرلمان، يرى عبيد أنه في ظل غياب المحكمة الدستورية فإن الدستور التونسي يتيح للرئيس التونسي تأويل الدستور وفق رؤيته وهو ما اعتمد عليه في قرارات 25 يوليو.
وأوضح أنه وفق المادة 80 يتيح الدستور للرئيس اتخاذ التدابير الاستثنائية في حالة الخطر الداهم، وبالتالي سيكون قادرا علي تشكيل الحكومة بمفرده.
خلال الأيام الماضية، زار وفد أميركي تونس للقاء سعيّد، وضم كل من النائب الأول لمستشار الأمن القومي، جوناثان فاينر، والقائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود.
وخلال اللقاء، ناقش فاينر سعيّد بشأن الحاجة الملحة إلى تعيين رئيس وزراء مكلّف، بهدف تشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية التي تواجه تونس.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، إيميلي هورن، في بيان إن تمكين حكومة جديدة لخلق استقرار في الاقتصاد سينتج مساحة أيضا لحوار شامل بشأن الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة، استجابة للمطالب التي تم التعبير عنها على نطاق واسع في تونس لتحسين مستويات المعيشة والحكم بشفافية وصدق وفعالية.
كما بعث الرئيس الأميركي جو بايدن رسالة لسعيد مع الوفد الأميركي، أكد فيها على دعمه الشخصي ودعم الإدارة الأميركية للشعب التونسي، وحث على "العودة السريعة إلى مسار الديمقراطية البرلمانية في تونس".
ويعتقد عبيد أن "رسالة بايدن تؤكد أنه لا يوجد رفض أميركي لهذه القرارات وأنها تعطيه الثقة، لكن تطالب بخطوات لإثبات حسن النية تحافظ على المسار الديمقراطي في البلاد وتحترم حقوق الإنسان".
وأوضح أن هناك توجه ورغبة في تغير نظام الحكم إلى نظام رئاسي ديمقراطي بدلا من نظام ديمقراطي، ويتم استفتاء الشعب على ذلك، ثم إجراء انتخابات تشريعية لتشكيل البرلمان.
"خطوات أكثر صرامة"
وقالت منظمة أبحاث مجموعة الأزمات الدولية إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية بحاجة إلى "اتخاذ خطوط أكثر صرامة، حتى لو كانت وراء الكواليس"، لإلزام سعيد بخريطة طريق مفصلة بحلول أكتوبر لإعادة الديمقراطية إلى مسارها الصحيح، بحسب موقع "صوت أميركا".
ويقترح آخرون ربط تلقي تونس للمساعدة من صندوق النقد الدولي، وهو الآن قيد التفاوض، بالالتزام بعلامات الديمقراطية مثل سيادة القانون والمساءلة.
ومع ذلك، أشار المحلل أومنصور إلى أن المخاوف الغربية بشأن الحفاظ على الاستقرار والأمن في العالم العربي تفوق تقليديًا الخطاب المؤيد للديمقراطية.
ووفقا لبيان نشرته صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك، فقد ذكّر سعيّد خلال لقائه الوفد الأميركي بأن التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، لا سيّما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة.
وحذّر الرئيس التونسي من "محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس"، معتبرا أنه لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي تتقاسمها تونس مع المجتمع الأميركي."
وقال سعيد إنه "تبنى إرادة الشعب وقضاياه ومشاغله ولن يقبل بالظلم أو التعدي على الحقوق أو الارتداد عليها"، مؤكّدا على أن تونس "ستظل بلدا معتدلا ومنفتحا ومتشبثا بشراكاته الاستراتيجية مع أصدقائه التاريخيين".
كان سعيد رفض دعوات حركة النهضة المتكررة بالحوار، وقال إنه لا حوار مع من وصفهم "بخلايا سرطانية"
وأرجع عبيد رفض سعيد للحوار لأن حركة النهضة كانت تسعى من خلاله إلى الحفاظ على موضوع قدم في الخارطة السياسية التونسية، وأضاف أن "الحوار كان مشروط بالعودة إلى ما قبل 25 يوليو وهذا ما يرفضه الرئيس والشعب".
وقال عبيد: "تونس بعد 25 يوليو غير تونس قبل هذا 25 يوليو، المنظومة انتهت وهذا البرلمان لن يعود".