قوات الأمن التونسية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين - صورة أرشيفية
قوات الأمن التونسية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين - صورة أرشيفية

تشهد بلدة عقارب الجنوبية، والتابعة لمحافظة صفاقس (وسط شرق تونس)، منذ 3 أيام، احتجاجات ومواجهات مباشرة مع القوى الأمنية، بسبب رفض مجموعة من المحتجين قرار السلطات إعادة فتح مكب نفايات في المنطقة.

والثلاثاء، أضرم محتجون النار في مركز للحرس الوطني، في تصعيد لاحتجاج اندلع في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، وذلك بعد وفاة شاب قال شهود عيان وعائلته إنه توفي اختناقا بالغاز الذي أطلقته الشرطة بالبلدة.

في المقابل، قالت وزارة الداخلية إن الشخص لا علاقة له بالاحتجاجات وتوفي في منزله على بعد ستة كيلومترات من الاحتجاج بسبب أزمة صحية طارئة.

وفي وقت يرفع المحتجون شعارات بيئية، ويؤكدون على أنهم في الشارع لمنع فتح المكب مجددا، يتهم البعض هؤلاء بأن "أسبابا سياسية" دفعتهم لفتح هذا السجال في الشارع. فما مشكلة المكب؟ وما الذي يجري على الأرض حاليا؟

يوضح هشام بن إبراهيم، وهو ناشط مدني في محافظة صفاقس، لموقع "الحرة"، أن "مشكلة مكب الموت في عقارب ليست وليدة الساعة، حيث تم إغلاقه بعد نضال طويل من أهالي المنطقة الذين يعانون من التلوث والأمراض الناتجة عنه".

ومكب القنة يقع على بعد ٣ كيلومترا من عقارب، و٢٠ كيلومترا من صفاقس، تم تأسيسه عام ٢٠٠٨ على مساحة ٤٠ هكتارا لاستقبال ٤٠٠ طن من النفايات المنزلية لمدة ٥ سنوات تبدأ من أبريل ٢٠٠٨، وهو يعد ثاني أكبر مكب في الجمهورية التونسي، بحسب بن إبراهيم.

وعام ٢٠١٣، انتهت المدة القانونية المعهودة لاستغلال المكب ولكن استمر العمل فيه" دون وجه حق"، حيث بدأت ترمي نفايات المحافظات المجاورة دون معالجة أو تغليفها بأكياس بلاستيكية محكمة، على حد تعبيره. 

وفي عام ٢٠١٩، أصدرت محكمة عقارب، بناء على شكاوى الأهالي، قرارا بالتوقف الفوري عن استعمال المكب وإزالة جميع الفضلات، إلا أنه لم يصار إلى تنفيد القرار إلا بعد جلسة عمل في مقر محافظة صفاقس تعهد فيها المعنيون بإغلاق المكب.

وفي ٢٧ سبتمبر، أغلقت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات مكب بلدة العقارب مانعة دخول الشاحنات لتفريغ القمامة، بحسب بن إبراهيم أيضا. 

وليل الاثنين، قررت الحكومة التونسية  إعادة فتح مكب النفايات في عقارب، بعدما تسبب إغلاقه في تراكم آلاف الأطنان من النفايات المنزلية في الشوارع والأسواق، ما دفع الآلاف للاحتجاج في صفاقس.

وهنا، أوضح بن إبراهيم أن "الدولة لجأت إلى استخدام القوة لفتح المكب ما اضطر الأهالي للتحرك لمنع ذلك"، مشيرا إلى أن "لو طلبت الحكومة إذن من مكونات المجتمع المدني في البلدة ووجهائها، بفتح المكب لفترة محددة، لكانت حصلت على موافقتهم".

واعتبر بن إبراهيم أنه كان "من الأجدر اللجوء إلى الحوار وعدم استخدام القوة في وجه الأهالي الذين يعانون منذ فترة طويلة من التلوث وانتشار الحشرات، الثعابين، مشيرا إلى أن "البلدة تسجل نسبة عالية من الإصابة بمرض السرطان".

ويسود الهدوء الحذر حاليا في البلدة، بعد مواجهات عنيفة في الشوارع بين الشبان والشرطة التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين يحاولون قطع الطرق ورشق القوات الأمنية بالحجارة.

وقال شهود ووسائل إعلام محلية إنه مع استمرار التوتر في البلدة وصلت وحدات من الجيش إلى عقارب سعيا لحماية المباني والممتلكات العامة، بحسب فرانس برس.

في المقابل، يشدد الناشط المدني من مدينة عقارب، حبيب حرموني، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "الحكومة تصرفت بشكل صحيح، ولم يكن لديها خيار سوى اللجوء إلى القوة لفتح المكب"، معتبرا أنه "لا يمكن إغلاق مكب ضخم للنفايات في ليلة وضحاها".

وأكد حرموني أن "وزارة البيئة طلبت من المعنيين في عقارب فتح المكب لمدة سنة إلى حين إيجاد مكب آخر إلا أنهم رفضوا ذلك".

"استغلال سياسي"

سياسيا، اتهم رئيس الجمهورية، قيس سعيد، الاثنين، خلال لقائه بوفد من الحكومة، أطرافا لم يسمها بالوقوف وراء ما تشهده صفاقس من تكدس للنفايات، وبأنه سيوجه تعليماته بفتح المكب بالقوة، بحسب فيديو نشره حساب الرئاسة في فيسبوك

في المقابل،  نفذ الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) إضراب عام في عقارب، الأربعاء.

ويعتبر حرموني أن "هناك عدة أطراف سياسية مسيطرة على المجالس البلدية، وهي تقف ضد قرارات الرئيس في ٢٥ يونيو، ولذلك أرادت افتعال أزمة لزعزعة الأمن والاستقرار السياسي"، وهو ما يرفضه بن إبراهيم.

وفي 25 يوليو، أعلن سعيد تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولي السلطات في البلاد، بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوله اتخاذ تدابير في حالة "خطر داهم مهدد لكيان الوطن".

وفي 22 سبتمبر، صدرت تدابير "استثنائية" بأمر رئاسي أصبحت بمقتضاه الحكومة مسؤولة أمامه فيما يتولى بنفسه إصدار التشريعات عوضا عن البرلمان، ما اعتبره خبراء تمهيدا لتغيير النظام السياسي البرلماني في البلاد الذي نص عليه دستور 2014.

وقال بن إبراهيم إن "مطالب المحتجين واضحة وهي الهواء النقي والبيئة السليمة"، معتبرا أن "الحل باعتماد مشروع لإعادة تدوير النفايات من قبل الحكومة، والعودة إلى العقل والحوار مع المعنيين في المحافظة".

بدوره، يشدد المحلل السياسي، حسان القبي، وهو ابن المحافظة، أن "الرئيس أخطأ بالحل الأمني، وكان عليه الاحتكام إلى العقل". 

ولم يستبعد القبي، في حديث لموقع "الحرة"، "وجود أحزاب سياسية معارضة للرئيس، تحاول استغلال الأزمة البيئية لغايات سياسية من شأنها تشويه سمعة الحكومة الجديدة".

وفي 11 أكتوبر، أقر سعيد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، والمؤلفة من 24 وزيرا، بينهم 9 سيدات.

واستدرك القبي قائلا: "وجود استغلال سياسي لا ينفي أحقية التظاهرات المطلبية في عقارب"، معربا عن أمله في الوصول إلى "الحل البيئي الذي اقترحته جامعة صفاقس".

والثلاثاء، نظمت كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بصفاقس بالتعاون مع جامعة صفاقس وبلدية صفاقس ندوة تحت عنوان "رسكلة (إعادة تدوير) النفايات بجهة صفاقس: الحلول العاجلة واآجلة" .

وتعهد رئيس جامعة صفاقس، عبد الواحد المكني، بتقديم "تقرير مفصل للحكومة يتضمن أهم الحلول المقترحة لتجاوز هذه الأزمة على المدى القريب وإبراز ملامح الحلول والبرامج التي سيتم الإعداد لها وتنفيذها على أرض الواقع على المدى المتوسط والبعيد لضمان بيئة نظيفة وسليمة".

وفي السياق نفسه، يعتبر المحلل السياسي، نزار الجليدي، في حديث لموقع "الحرة"، أن "التظاهرات في عقارب  لها وجهان: الأول مطلبي بيئي لم تعرف الحكومة كيفية التعامل معه بشكل صحيح، والثاني سياسي بحت".

وأكد الجليدي أن "عدد كبير المجالس البلدية في محافظات تونس تحكمها أحزاب سياسية تريد ضرب قرارت الرئيس سعيد"، متوقعا أن "اندلاع تظاهرات في مدن أخرى تحمل شعارات بيئية ومطلبية ولكن لغايات سياسية".

وأشار إلى أن "الأمور تتجه نحو التصعيد على مستويات مختلفة"، معتبرا أن "المعركة المعارضة لسعيد ستكون من قلب المجالس البلدية والأهلية في بعض المحافظات المحسوبة على جهات معينة".

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".