سعيد اعتبر أن المجلس الأعلى للقضاء "أصبح من الماضي"
سعيد اعتبر أن المجلس الأعلى للقضاء "أصبح من الماضي"

بعدما ردد كثيرا بأنه لن يسمح بأن تكون هناك "دولة للقضاء بل هناك قضاء الدولة"، حل الرئيس التونسي، قيس سعيد، المجلس الأعلى للقضاء، في يوم يتظاهر فيه التونسيين لمطالبة القضاء بمحاسبة المتورطين في الإرهاب في الذكرى التاسعة لاغتيال السياسي البارز شكري بلعيد.

والأحد، اعتبر سعيد أن المجلس، أصبح من الماضي، في "خطوة مثيرة" تعزز المخاوف بشأن استقلال القضاء ويتوقع أن تؤجج غضب معارضيه، بحسب رويترز. 

ويقول الكاتب والمحلل سياسي، بولبابة سالم، في تصريحات لموقع "الحرة": "ليس من حق  رئيس الدولة حل المجلس الأعلى للقضاء".

وهذا ما عبر عنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، الذي اعتبر أنه "لا يوجد آلية قانونية ودستورية تسمح للرئيس بحل المجلس الأعلى للقضاء". 

ورأى أن قرار  سعيد بحل المجلس "غير قانوني ومحاولة لوضع القضاء في مربع التعليمات" الرئاسية.

وقال لـ"رويترز": "المجلس ليس من الماضي هو من الحاضر والمستقبل.. القضاة لن يسكتوا (..)".

والمجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية "ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية"، حسب الدستور، ومن بين صلاحياته اقتراح الإصلاحات الضرورية في مجال القضاء.

واعتبر سالم أن "السياسة أصبحت تشكل خطرا على البلاد، لاسيما في ظل القرار الرئاسي الأخير الذي يعارض الدستور والقانون". 

في المقابل، يتمسك المحلل السياسي، نزار الجليدي،  في تصريحات لموقع "الحرة"، بأن خطوة سعيد "قانونية وهي جزء لا يتجزأ من قرارات 25 يوليو".  

وعزل سعيد الحكومة وعلق البرلمان في يوليو الماضي في خطوة وصفها معارضوه بأنها انقلاب وقال إنها استهدفت إنقاذ البلاد.

وأوضح الجليدي أن "القرارات الاستثنائية عندنا اتخذت شملت جميع أبواب الدستور باستثناء البابين الأول والثاني المرتبطين بالحريات العامة"، مضيفا أن "القضاء وصلاحياته يدخلان في الباب السادس، وبالتالي للرئيس كامل الحق بما فعله".

ويرتكز الرئيس التونسي في قراراته على الفصل 80 من دستور 2014 الذي يخوّله اتخاذ تدابير استثنائية في مواجهة "خطر داهم" .

وفي مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية خلال زيارة للرئيس إلى مقر وزارة الداخلية، قال سعيد: "هذا المجلس (الأعلى للقضاء) أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات".

واعتبر أن المجلس "يخدم أطرافا معينة بعيدا عن الصالح العام وأنه تم التلاعب بملفات"، مضيفا: "سنعمل على وضع قانون أو مرسوم مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء"، مؤكدا أن "أموالا وممتلكات تحصل عليها عدد من القضاة المليارات المليارات (...) هؤلاء مكانهم المكان الذي يقف فيه المتهمون".

ما الهدف من القرار؟

ويرى الجليدي أن "خطوة سعيد جاءت متأخرة، ولكنها ضرورية لتحقيق مطالب الشارع التونسي بالوصول إلى نتائج ملموسة في ملفات الإرهاب ولتخليص البلاد من سقوط مدوي لنظامها القضائي"، واصفا القرار بأنه "استباق للعاصفة في ذكرى بلعيد".  

وتنظم الاحد تظاهرة في ذكرى اغتيال بلعيد. ودعا سعيد أنصاره إلى "التظاهر بكل حرية من دون الالتحام مع قوات الأمن"، بالرغم من وجود قرار لوزارة الداخلية السبت بمنع التظاهر للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا.

ودعت إلى هذه التظاهرة نحو عشرين منظمة من بينها "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".

وفي السادس من فبراير 2013، اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد في تونس العاصمة.

وتبنى إسلاميون متطرفون الاغتيال الذي أثارا أزمة سياسية انتهت بخروج حركة النهضة من الحكم وإطلاق حوار وطني بين كافة المكوّنات السياسية وتم الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط أمنت وصول البلاد إلى انتخابات في 2014.

ومنذ ذلك التاريخ فتح القضاء تحقيقا ولم يصدر أحكامه في القضية حتى اليوم. وقال سعيد في هذا الصدد " للأسف تم التلاعب بهذا الملف من قبل عدد من القضاة في النيابة والمحاكم".

ويتمسك الجليدي بأنه "كان لا بد من حل المجلس، الذي يعتبر فتنة تونسية، حيث أنه يخالف الديمقراطيات".

ولكن سالم يستبعد سعي سعيد إلى "أي إصلاح قضائي"، قائلا "الرئيس يريد تطويع القضاء بعد أن جمع بين يديه السلطتين التنفيذية والتشريعية،  وليس هناك خطة إصلاحية للقضاء مع الإقرار بوجود خلل في الجسم القضائي".

ويتكون المجلس الذي أحدث في العام 2016 من 45 عضوا بين قضاة ومتخصصين في القانون. وكان سعيّد قرر في خطوة أولى في 19 من يناير الماضي حذف المنح والامتيازات المالية لأعضاء المجلس.

وانتقد قضاة هذا الشهر ما وصفوه بتدخل الرئيس وضغوطه المستمرة على القضاء في كل كلماته.

من جهته، يعتبر الجليدي أن "اسقاط المجلس الآن هو بداية المرحلة الفعلية في التصحيح الحقيقي لما يحدث في الوطن"، مشددا على أن "لا خوف على السلطة الثالثة بل على العكس أصبح لها على الأقل سلطة واسعة للعمل دون ضغط ومساومات تتحكم في تعيين القضاة ونقلهم بين الملفات والتحقيقات".

وهو ما يرفضه سالم الذي يصر على أن "قرارات الرئيس الاستثنائية هي مجرد شعارات لم تتحول إلى إنجازات، وهو يريد بقراره الأخير استعمال القضاء ضد الخصوم السياسيين، حيث لم نر ملفا واحدا قدمه رئيس الدولة ضد كبار الفاسدين الذين نهبوا مقدرات الشعب التونسي".

وكان القضاء التونسي فتح تحقيقا بشأن حصول ثلاثة أحزاب سياسية بينها حزب النهضة الإسلامي وقلب تونس الذي يتزعمه المرشح السابق للرئاسة نبيل القروي، تمويلات أجنبية خلال الحملات الانتخابية سنة 2019.

وتثير حملة التوقيفات وحظر السفر بحق قضاة ونواب ورجال أعمال و"التطهير" الذي أعلن عنه سعيد منذ توليه السلطة في 25 يوليو، مخاوف وقلق العديد من الحقوقيين والخبراء بشأن تراجع محتمل للحقوق والحريات، بحسب فرانس برس.

وفي نوفمبر الماضي، ندد 45 قاضيا في بيان بقرارات حظر السفر الذي طال عددا من زملائهم منعوا من مغادرة تونس عبر النقاط الحدودية، مؤكدين "صدمتهم من الانزلاق الخطير الذي تردّت إليه السلطة التنفيذية".

كما استنكروا "الاعتداء الفظيع وغير المسبوق والمجاني على حرية القضاة في التنقل والسفر (...) في غياب اي اجراء قضائي يمنعهم من ذلك"

وندد حزب النهضة أكبر الكتل البرلمانية (53 من أصل 217 نائبا) والغريم السياسي لسعيد، بفرض قرار منع السفر على وزير الاتصالات السابق أنور معروف وهو أحد قيادات الحزب، ومسؤولين آخرين.

كما طالت القرارات وسائل الإعلام. فغداة الإعلان عن التدابير الاستثنائية قامت السلطات الأمنية بإغلاق مكتب تلفزيون الجزيرة القطري والذي يعتبر مقربا من حزب النهضة، وفقا للوكالة الفرنسية. 

بينما يعتقد الجليدي أن "جميع الإيقافات التي وقعت حصلت في إطار القانون وما يتمتع به الرئيس من صلاحيات وما تتمتع به النيابة العامة من سلطة"، معربا عن أمله في أن يثمر القرار "بمزيد من قرارات التوقيف التي يجب أن تصدر على وجه السرعة". 

وكان الرئيس التونسي علّق العمل بأجزاء من الدستور وأعلن خارطة طريق سياسية في العام 2022 تبدأ باستشارة واستفتاء شعبي منتصف العام على أن تنتهي بانتخابات نيابية في ديسمبر القادم.

تظاهرة منددة بالعنف ضد النساء في تونس ـ صورة أرشيفية

يثير العنف الاقتصادي ضد المرأة حفيظة الجمعيات الحقوقية النسوية في تونس، وتعتبره من بين الظواهر الاجتماعية  التي تهدد حقوق النساء العاملات في البلاد، مرجعة الأسباب إلى غياب رقابة السلطة  وضعف الإطار التشريعي.

ويعرّف القانون التونسي العنف الاقتصادي على أنه "كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة أو حرمانها من الموارد الاقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من الأموال أو الأجر أو المداخيل، والتحكم في الأجور أو المداخيل، وحضر العمل أو الإجبار عليه".

وقد توصّلت دراسة تحليلية قدمتها جمعية النساء الديمقراطيات (حقوقية نسوية)  الجمعة، حول العنف الاقتصادي المسلط على النساء في تونس إلى أن 93% من المبلغات عن العنف الاقتصادي هن نساء عاملات مشيرة  إلى " ضعف وصول النساء غير العاملات إلى خدمات الدعم".

وتشير هذه  الدراسة التي  استندت إلى تحليل 35 ملفا للعنف الاقتصادي لدى النساء بمحافظتي تونس (شمال) وصفاقس (جنوب) تحت عنوان " نساء تونس في مواجهة التهميش والفقر والحقوق المسلوبة" إلى  أن 70% من النساء اللواتي أبلغن عن العنف الاقتصادي لديهن مستوى تعليمي عال، في حين بلغت نسبة النساء اللواتي أبلغن عن العنف وتخلين عن متابعة الشكاوى ما يزيد عن 42%.

كما تبيّن  أن 34% من النساء فقدن وظائفهن بسبب الطرد التعسفي أو الاستقالات الناجمة عن التحرش داخل فضاء العمل، فيما أبلغت 29% من النساء عن فقدان موارد مالية بسبب الاحتيال أو الحرمان من الميراث. 

وتقول الناشطة الحقوقية الباحثة في العلوم السياسية، هيفاء ذويب، إن نسب التبليغ عن العنف الاقتصادي مرتفعة لدى النساء العاملات واللاتي لديهن مستوى تعليمي عال وذلك لتوفر الإمكانيات والفرص للولوج للخدمات أكثر من غيرهن من غير العاملات.

وتضيف ذويب لموقع "الحرة" أن أكثر من 80 % من ضحايا العنف الاقتصادي في تونس صرحن أن هذا العنف تسبب لهن في آثار نفسية قاسية وصلت إلى حد الاكتئاب والتفكير في الانتحار، على اعتبار أنهن العائل الرئيسي لأسرهن.

وتلفت الحقوقية إلى أن هناك أشكال فرعية للعنف الاقتصادي المسلط على النساء من ضمنه "التحرش الجنسي في أماكن العمل والعنف الاقتصادي الزوجي والتمييز في النقابات ".

"فقر وتهميش" 

من جانبها، ترى رئيس جمعية "بيتي" (حقوقية نسوية)، سناء بن عاشور، أن المرأة العاملة في تونس تعاني الفقر والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية النسوية في البلاد، بسبب ما اعتبرته ضعف السياسات العمومية والتشريعات في مجابهة "الهشاشة واللامساواة بين النساء والرجال في عالم العمل".

وتوضح بن عاشور، في حديثها لموقع "الحرة"، أن هنالك تمييز على مستوى الأجور بين الرجل والمرأة في تونس، حيث تتقاضى النساء أجرا أدنى من الرجال فضلا عن غياب التغطية الاجتماعية والصحية وعدم توفير نقل آمن إلى أماكن العمل.

وتشدد أن تونس رغم تحقيق تقدم على المستوى التشريعي بشأن حقوق المرأة إلا أنها ما تزال بعيدة عن المعايير الدولية في إرساء عدالة اجتماعية تحقق المساواة بين المرأة والرجل على جميع المستويات، لافتة إلى الجمعيات الحقوقية النسوية يساورها "شعور بالقلق" في هذا الجانب.

في السياق ذاته وبخصوص وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي، تؤكد عضوة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومية)، حياة عطار، أن هذا القطاع هو أقل الأنشطة دخلا من حيث الأجر الذي تتحصل عليه اليد العاملة النسائية بشكل خاص، وهو أحد أبرز أوجه الهشاشة واللّاحماية الاجتماعية للعمالة بشكل عام.

وتشير عطار، في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أنه إلى جانب تعرض العاملات الفلاحيات إلى حوادث سير تنجم عنها حالات وفاة أو تخلف اضرارا تؤدي الى العجز والإعاقة، فإن العاملات معرّضات يوميا لكل المخاطر ومهدّدات بالإصابة بالأمراض الخطيرة والمزمنة وبالأمراض الجلدية بسبب استعمالهن للمبيدات والأدوية دون وسائل وقاية ويعملن في فضاء غير آمن تنعدم فيه أدنى شروط الصحة والسلامة المهنية. 

وسجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 87 حادثا منذ سنة 2015 إلى حدود 15 يناير 2025، وخلفت هذه الحوادث وفاة 65 ضحية واصابة 955 عامل بجروح متفاوتة، 59% منها جدّت بعد إصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة الفلاحيين.

"عدم تفعيل القوانين"

ورغم القوانين التي سنّتها تونس عقب ثورة 2011 والهادفة إلى القضاء على العنف المسلط على النساء وحماية حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية، من ذلك القانون عدد 58 الصادر في 2017 والمتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، فضلا عن اصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة الفلاحيين، فإن الجمعيات الحقوقية النسوية تنتقد ما تعتبره غياب الإرادة السياسية في تفعيل هذه القوانين.

وتؤكد عضوة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حياة عطار، أن ترسانة التشريعات "لم ترافقها إرادة جادة للتغيير والانفاذ، على غرار اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالمساواة في الأجور، والاتفاقية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وكل الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

في السياق ذاته، ترى رئيس جمعية "بيتي"، سناء بن عاشور، أن تونس سجلت في الأعوام الأخيرة تراجعا كبيرا في تفعيل القوانين المتعلقة بحماية النساء ودعم حقوقها، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 20 حالة تقتيل نساء في البلاد في العام 2024 .

ولمجابهة العنف المسلط على النساء، أعلنت السلطات التونسية في نوفمبر الماضي عن مشاريع تشييد 17 مركزا لإيواء النساء ضحايا العنف وأبنائهن، بطاقة استيعاب تفوق 220 سرير، ضمن القرارات التي تبنتها في مشروع قانون الميزانية للعام 2025.

توصيات

وفي خصوص الإجراءات التي تطالب الجمعيات الحقوقية النسوية في تونس بتكريسها من أجل دعم حقوق المرأة والقضاء على العنف الاقتصادي المسلط عليها، تقول الناشطة الحقوقية سناء ذويب أنها تتلخص في ضرورة تحسين الإطار القانوني وتطبيق القوانين الموجودة بفعالية، وتعزيز دور النقابات والعمل على إدماج النساء في مواقع القيادة.

وتشدد المتحدثة على ضرورة إطلاق حملات توعية وتثقيف على نطاق واسع يشمل مختلف محافظات البلاد وذلك لكسر الصمت حول العنف الاقتصادي الذي يمارس على النساء، وفقها.

يشار إلى أن عدد المشتغلين في تونس في سنة 2023 بلغ نحو 3 ملايين و400 ألف من ضمنهم ما يقارب 970 ألفا من الإناث أي ما يعادل 28% من مجموع السكان المشتغلين، وفق مؤشرات قدمها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) في فبراير 2024.