أثار قرار الرئيس التونسي، قيس سعيد، جدلا كبيرا في البلاد ومخاوف حول نزاهة ومصداقية الانتخابات البرلمانية بعد إجراء تغييرات على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات واستبدال سبعة أعضاء.
وأصدر سعيّد الجمعة، أمرا رئاسيا يعطيه صلاحيات لتعيين رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات. ونشر القرار في الجريدة الرسمية وجاء فيه "يتركب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي" وكان عددهم في السابق تسعة أعضاء.
كما منح القرار الرئيس صلاحية تعيين رئيس الهيئة من بين أعضاء الهيئات العليا المستقلة للانتخابات السابقة وعضوين آخرين، على أن يعيّن المجلس الأعلى للقضاء الأعضاء الأربعة المتبقين.
واعتبر الرئيس لهيئة الانتخابات، نبيل بفون، أن قرارات سعيّد بحل البرلمان "احتكار للسلطات في البلاد، ولا تتطابق مع مبادئ دستور 2014". كما أكد أن أي تغيير لرئيس الهيئة أو لأعضائها سيكون "غير قانوني".
وقال بفون، لرويترز إن الهيئة لم تعد مستقلة بعد مرسوم الرئيس. وأضاف "أصبح واضحا أنها هيئة الرئيس".
"يشكك في نزاهة الانتخابات"
من جانبه، يرى المحلل السياسي الصغير الزكراوي أنه قرار "جيد"، وأرجع ذلك إلى أن "الهيئة كانت مخترقة من الأحزاب والقوى السياسية، وهو ما كان يؤثر على نزاهة الانتخابات".
لكنه اعترض اعترض على الطريقة التي تم بها تعديل الهيئة العليا للانتخابات، وقال الزكراوي في تصريحات لموقع "الحرة" إنه كان يجب أن يتم التوافق على قرار تعديلها خلال الحوار الوطني، وليس بقرار فردي من الرئيس سعيد.
وذكر الزكراوي أن الرئيس سعيد بهذا القرار "يمهد لحكم الفرد ويؤكد أنه لا يكترث للمؤسسات والأفراد والدولة". وأضاف أن القرار "ينزع أي مصداقية أو استقلالية للهيئة ويشكك في نزاهة الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى عدم نجاح عملية الاستفتاء والانتخابات برمتها".
تختلف الناشطة السياسية فاطمة جغام مع هذا الرأي، وتؤكد أن قرار تعديل الهيئة "مهم جدا، وجاء في الوقت المناسب"، مضيفة أنه يكمل قرارات 25 يوليو.
وقال جغام في حديثه مع موقع "الحرة" إن قرار سعيد "يمهد لمسار انتخابي وديمقراطي جديد في البلاد، ويؤكد على رغبته في تنظيم انتخابات نزيهة"، لكنه طالبت بتمثيل الشباب والمجتمع المدني في التشكيل الجديد للهيئة".
كان سعيد أصدر في 25 يوليو الماضي، قرارا بحل الحكومة، وتجميد عمل البرلمان، وهو ما اعتبره حزب النهضة، الذي كان له أكبر الكتل البرلمانية، "انقلابا على الدستور وعلى الثورة". بينما قال سعيد إن أفعاله "دستورية وضرورية لإنقاذ تونس من سنوات الشلل السياسي والركود الاقتصادي الذي تسببت فيه نخبة فاسدة تخدم مصالحها الخاصة".
وأعلن سعيّد نهاية العام 2021 عن خارطة طريق سياسية تضمنت استشارة وطنية الكترونية انطلقت مطلع العام الحالي وانتهت في مارس الفائت وشارك فيها أكثر من 500 ألف تونسي قدموا مقترحاتهم وأجوبة على أسئلة تتعلق بالنظام السياسي في البلاد ومواضيع أخرى تشمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي ووصفها الرئيس "بالناجحة".
ومن المنتظر أن تعمد لجنة إلى جمع مقترحات المواطنين ووضع الخطوط العريضة لاستفتاء على الدستور في 25 يوليو المقبل. وتنظم في 17 ديسمبر 2022 انتخابات نيابية جديدة تزامنا مع ذكرى ثورة 2011 التي أطاحت نظام الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.
"وأد الثورة"
وقال راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي التونسي، الجمعة، إن سيطرة الرئيس قيس سعيد على الهيئة المستقلة للانتخابات تعني أن الانتخابات المقبلة "ستفقد كل مصداقيتها".
وأضاف الغنوشي لرويترز عبر الهاتف أن قرار سعيد باستبدال أعضاء الهيئة يمثل "محاولة أخرى لوأد الثورة".
وأشرفت هيئة الانتخابات التي تم إقرارها في دستور 2014 على مختلف الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية التي شهدتها تونس منذ العام2011.
وكان في السابق رئيس الهيئة ينتخب مباشرة من قبل نواب البرلمان.
وستتكون الهيئة الجديدة وفقا لمرسوم الرئيس من سبعة أعضاء من بينهم ثلاثة من هيئات الانتخابات السابقة يختارهم الرئيس نفسه وثلاثة قضاة تقترحهم مجالس القضاء العدلي والإداري والمالي إضافة إلى مهندس تكنولوجيا يقترحه المركز الوطني للإعلامية (التكنولوجيات).
وقال سمير ديلو، النائب بالبرلمان "المنحل"، إن الرئيس سعيد "انتقل من العبث بالدستور إلى الجنون التشريعي، بحل المجلس الأعلى للقضاء، وتعديلات الهيئة المستقلة للانتخابات".
كان سعيد حل في فبراير، المجلس الأعلى للقضاء الذي حلت مكانه هيئة موقتة اختار أعضاءها، وهو إجراء وصفه منتقدوه بخطوة استبدادية جديدة ما أثار مخاوف بشأن استقلال القضاء.
وأضاف ديلو في تصريحات لموقع "الحرة" أن قرار سعيد "يلغي استقلالية هيئة الانتخابات ويجعلها تحت تصرف الرئيس، وهو ما قد يشكك في مصداقية ونزاهة الانتخابات، لأن سعيد سيصبح الخصم والحكم".
وأكد أن هذا القرار سيدفع الأحزاب والقوي السياسية إلى مقاطعة الانتخابات، بسبب التشكيك في نزاهتها.