انطلقت، السبت، عملية التصويت على مشروع الدستور الجديد في مكاتب الاقتراع خارج تونس.
وقالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، إن هذه الجولة بدأت في مدينة سيدني الأسترالية، وتمتد لـ3 أيام وهي 23 و24 و25 يوليو.
وأوضحت الهيئة أن نهاية عملية الاقتراع في الخارج تكون في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية.
وأكدت الهيئة أن عملية الاستفتاء ستتم في 46 دولة، وستكون غالبية مراكز الاقتراع في السفارات والقنصليات التونسية.
ومن جانب آخر، توقع تحليل جديد نشرته صحيفة "ذا إيكونوميست" أن يكون الإقبال على الاستفتاء الدستوري ضعيفا في تونس، بسبب عدة عوامل ومنها انخفاض نسب إقبال الناخبين عموما في انتخابات سابقة، وتراجع نسبة تأييد الرئيس قيس سعيد، وفقا لاستطلاعات حديثة.
وقالت الصحيفة إنه "في الخامس والعشرين من يوليو الحالي، سيشارك بعض التونسيين بالاستفتاء (...) في يوم بمنتصف صيف شديد الحرارة، وهو وقت لا يرغب فيه الكثيرون بالوقوف في طوابير أمام مراكز الاقتراع".
وعزت توقعاتها بضعف الإقبال إلى أن مشروع الدستور الجديد "سيحول النظام البرلماني التونسي إلى رئاسي. بعد نحو 12 عاما من إطاحة التونسيين بديكتاتور (بن علي) خلال الثورة الأولى للربيع العربي".
وتقول ذا إيكونوميست إن "الاستفتاء يأتي بعد نحو عام من قيام سعيد بتعليق عمل البرلمان (الذي حله لاحقا). ومنذ ذلك الحين، هدم بمطرقة ثقيلة المؤسسات الديمقراطية في تونس (...) وعزل الكثير من القضاة".
ويلفت التحليل إلى أن مشروع الدستور الجديد يقوي من صلاحيات الرئيس "ويسمح له، وليس لرئيس الوزراء، بتعيين الوزراء وإقالتهم وإعلان حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى. ولن يتمكن نواب البرلمان من استجواب الرئيس، وسيخسرون حصانتهم البرلمانية، وقد يكونون عرضة للمحاكمة في حال ارتكابهم أخطاء".
وأشار إلى وجود عدة مشاكل اقتصادية في تونس بحاجة إلى حل من قبل الرئيس والحكومة، ومنها البطالة التي وصلت إلى 16٪ والتضخم 8.1٪، والعجز المالي الذي قد يصل إلى 9.7٪ هذا العام، وذكر بوجود مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل مقابل بعض الإصلاحات.
وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمة شاقة لايجاد الحلول لذلك وخصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، التي زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أن بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع البلد المأزوم لمنحه برنامج مساعدات، مشيرا إلى أن المحادثات بين الجانبين حققت "تقدما جيدا".
وتتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن. ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية. ويقدر خبراء أن يبلغ حجم القرض نحو ملياري يورو.
وفي ما يلي أبرز "التطورات الرئيسية التي حدثت في تونس منذ تجميد الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو الماضي عمل البرلمان وإقالته رئيس الحكومة واحتكار السلطات"، وفقا لفرانس برس.
سلطات تنفيذية كاملة
في 25 يوليو 2021، أعلن سعيد تعليق عمل البرلمان لمدة 30 يوما وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوله اتخاذ تدابير استثنائية في حالة "خطر داهم مهدد لكيان الوطن".
وأكد أن خطوته تهدف إلى "إنقاذ" البلد الذي عانى من انسداد سياسي وشهد حينها ارتفاعا في عدد الوفيات جراء كورونا.
"انقلاب"
من جهته، ندد حزب النهضة الأكثر تمثيلا في البرلمان حينها بـ"انقلاب على الثورة والدستور"، ودعا أنصاره وعموم التونسيين إلى "الدفاع عن الثورة".
وفي 26 يوليو من العام نفسه، تبادل مئات من أنصار الرئيس سعيّد والنهضة التقاذف بالقوارير والحجارة أمام البرلمان.
من جهته، اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل الواسع النفوذ أن قرارات سعيّد جاءت "استجابة" للمطالب الشعبية و"وفق" الدستور.
أما فرنسا، فأعربت عن أملها في العودة "في أقرب وقت" إلى "العمل الطبيعي للمؤسسات". وأبدت الولايات المتحدة "قلقها"، داعية إلى احترام "المبادئ الديمقراطية".
حملة ضد الفساد
وفي 27 من الشهر نفسه، دعا حزب النهضة إلى إجراء "انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة ومتزامنة من أجل ضمان حماية المسار الديمقراطي وتجنب كل تأخير من شأنه أن يُستغل كعذر للتمسك بنظام استبدادي".
وفي 28 يوليو، أطلق سعيّد حملة لمكافحة "مَن نهبوا المال العام"، مطالبا 460 رجل أعمال متهمين باختلاس أموال خلال فترة حكم بن علي (1987-2011) بالاستثمار في المناطق الداخلية مقابل "صلح جزائي" معهم.
وفي 3 أغسطس، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل الرئيس إلى الإسراع بتعيين رئيس حكومة وتشكيل حكومة "إنقاذ مصغرة".
"ممارسات تعسفية"
في 26 أغسطس 2021، أعلنت منظمة العفو الدولية تسجيل خمسين حالة حظر سفر "غير قانوني وتعسفي" منذ 25 يوليو ضد قضاة ومسؤولين ورجال أعمال ونائب في البرلمان.
وفي 3 سبتمبر، دعت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب سعيّد إلى وضع حد لسلسلة "ممارسات تعسفية" أبرزها "تقييد الحريات".
وفي 10 سبتمبر، أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لسعيّد عن "مخاوف" ودعاه إلى استئناف عمل البرلمان والحفاظ على "مكتسبات الديمقراطية" في تونس.
غداة ذلك، أشار سعيّد إلى إمكان تعديل الدستور.
وفي 14 سبتمبر، شدد الرئيس التونسي على أن بلاده "تحكمها مافيا" وهاجم مسؤولين سياسيين اتهمهم بالفساد.
تعزيز الصلاحيات الرئاسية
وفي 20 سبتمبر 2021، أعلن قيس سعيّد أنه يعتزم تعيين رئيس حكومة جديد في إطار "أحكام انتقالية" مع إبقاء التدابير الاستثنائية التي اتخذها سابقا.
غداة ذلك، حذر حزب النهضة من أن تدابير الرئيس تهدد بـ"تفكيك الدولة".
في 22 سبتمبر، أصدر سعيّد أمرا رئاسيا يتضمن تدابير استثنائية أخرى تعزز صلاحياته على حساب الحكومة وكذلك البرلمان الذي يحل محله عبر "إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم".
كما أعلن أنه سيبقي العمل فقط "بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع أحكام هذا الأمر الرئاسي".
امرأة على رأس الحكومة
وفي 29 سبتمبر كلف الرئيس الجامعية والمتخصصة في الجيولوجيا نجلاء بودن (63 عاما) بتشكيل حكومة في أسرع وقت. وبودن غير معروفة لدى الطبقة السياسية وعامة التونسيين.
وهذه أول مرة في تاريخ البلد الرائد في مجال حقوق وحريات المرأة، يتم فيها تعيين امرأة على رأس السلطة التنفيذية.
انتخابات
في 10 ديسمبر 2021، دعا سفراء الدول الأعضاء في مجموعة السبع المعتمدون في تونس في بيان مشترك إلى عودة "سريعة" لعمل المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
في 13 ديسمبر، أعلن سعيّد تمديد تجميد أعمال البرلمان المعلق منذ 25 يوليو، إلى حين إجراء استفتاء حول إصلاحات دستورية الصيف المقبل وتنظيم انتخابات تشريعية نهاية 2022.
حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر "مؤقت"
وفي 23 ديسمبر، نددت منظمة هيومن رايتس ووتش بازدياد الملاحقات القانونية باستعمال قوانين "قمعية" ضد الأصوات المنتقدة لقرارات الرئيس، معتبرة أنها تشكل "خطرا" على الحريات.
وفي 14 يناير 2022، فرقت قوات الأمن بعنف تظاهرات نظمت ضد الرئيس رغم حظر التجمعات لأسباب صحية.
وفي 5 فبراير، أعلن الرئيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مستقلة أنشئت عام 2016 للإشراف على الشؤون المهنية للقضاة، وذلك بعد أن اتهم أعضاء فيه بـ"الولاءات" وبالسقوط تحت تأثير غريمه حزب النهضة الإسلامي.
في 13 فبراير، وقع الرئيس مرسوما يؤسس "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء"، ومنح نفسه صلاحية "طلب إعفاء كل قاض يخل بواجباته المهنية" كما منع القضاة من الإضراب عن العمل.
وفي 22 أبريل قام سعيّد بتغيير قانون هيئة الانتخابات وأصبح لديه سلطة تعيين رئيسها وأعضاء مجلسها.
حل البرلمان نهائيا
أعلن سعيّد في 30 مارس حل البرلمان نهائيا كرد فعل على تنظيم البرلمان المعلقة أعماله لجلسة افتراضية.
دستور جديد
وفي 20 مايو 2022 عين سعيد أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد على رأس لجنة مهمتها إعداد "دستور للجمهورية الجديدة".
ولكن الرئيس وبعد أن تسلم مشروع اللجنة أصدر نسخة أخرى للدستور وعرضها على الاستفتاء في 25 يوليو الحالي، والذي يوافق احتفال البلاد بعيد الجمهورية.
وجاء مشروع الدستور الجديد مخالفا لدستور 2014 الذي أقر إثر الثورة وضمنه صلاحيات واسعة للرئيس وأصبح هو من يعين الحكومة وأضعف من سلطة البرلمان، وفقا لفرانس برس.
اختلافات جذرية مقارنة بدستور 2014
وفي ما يأتي أهم النقاط التي نص عليها مشروع الدستور الجديد:
يتمثل التغيير الكبير الذي حصل على الدستور في إقرار واضح لنظام رئاسي ولم يعد للرئيس فيه صلاحيات الدفاع والخارجية كما نص عليها دستور 2014، بل توسعت لتشمل أبعد من ذلك اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان.
أصبح لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة كما يخول له الدستور إقالتها دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية "أولوية النظر" من قبل نواب البرلمان.
فضلا عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين "مجلس نواب الشعب" ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات و"المجلس الوطني للجهات" ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقا قانون يحدد مهامه.
ويندرج إرساء هذا المجلس في إطار تصور الرئيس قيس سعيّد بلامركزية القرار وأن الحلول للمناطق المهمشة والتي تفتقد للتنمية يجب أن تطرح من قبل الأهالي.
إلى ذلك، يقبل الرئيس استقالة الحكومة إثر تقديم لائحة لوم مصادق عليها بغالبية الثلثين للمجلسين مجتمعين، وهذا من الصعب تحقيقه ويفسح له المجال ليكون المقرر الأول لمصير أي حكومة.
لم يتضمن الدستور بنودا لإقالة الرئيس خلافا لما جاء في دستور عام 2014، وفي المقابل يمنح له الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
ويعين الرئيس القضاة إثر تقديم ترشحاتهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء ما اعتبره قضاة "تدخلا في استقلالية القضاء".
كما أن من بين الفصول التي تثير جدلا في تونس والتي تنتقدها بشدة المنظمات الحقوقية، ما يتعلق بالبندين الخامس والخامس والخمسين.
ينص الفصل الخامس على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".
وكانت منظمات حقوقية دولية انتقدت هذا الفصل، معتبرة أنه "يُتيح التمييز ضد الجماعات الدينية الأخرى".
وحافظ سعيّد على "حرية المعتقد والضمير" التي نص عليها دستور 2014.
أما الفصل الخامس والخمسون فينص على أن "لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية".
وأكدت أحزاب أن هذا الفصل يتيح للسلطات مجالا كبيرا للحد من الحريات، من دون رقابة.
رافق مسار صياغة الدستور الجديد انتقادات شديدة من المعارضة. فقد أوكل الرئيس المهام إلى أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد وقام هذا الأخير وفي إطار "حوار وطني" (غابت عنه المعارضة) بإعداد المسودة وتسليمها للرئيس. لكن سعيّد نشر مشروعا مختلفا جدا عن ما قام به بلعيد.
وسجلت هيئة الانتخابات أكثر من 9,3 ملايين ناخب، ولكن من غير المؤكد أن يتوجهوا، الاثنين، إلى صناديق الاستفتاء التي تفتح من الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش إلى الساعة 21:00، للإدلاء بأصواتهم.
ونقلت الوكالة عن خبراء قولهم إن "نسبة المشاركة ستكون ضعيفة على الأرجح نظرا للمسار المثير للجدل خلال إعداد مسودة الدستور الجديد".