27 في المئة أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء على دستور "الجمهورية الجديدة" في تونس بحسب هيئة الانتخابات
27 في المئة أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء على دستور "الجمهورية الجديدة" في تونس بحسب هيئة الانتخابات

بعد استفتاء شارك فيه ربع الناخبين المسجلين، وافقت أغلبية كاسحة (94 بالمئة) على الدستور الجديد الذي اقترحه الرئيس التونسي قيس سعيّد حسب نتائج أولية.

ومع اتجاه البلاد إلى اعتماد الدستور الجديد، تثار تساؤلات عن شكل "الجمهورية الجديدة" في تونس في ظل نظام سياسي جديد يتمتع فيه الرئيس بسلطة شبه كاملة وبلا قيود ولا رقابة تذكر على سلطته، حسب مراقبين.

وكان سعيّد، قد أطلق وصف "دستور الجمهورية الجديدة"، معتبرا أن ذلك امتداد لعملية "تصحيح المسار"، التي بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 يونيو 2021، بإقالة رئيس الحكومة السابق وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقا، في إجراءات وصفها المعارضون وخاصة حركة النهضة الإسلامية التي كانت لها أكبر الكتل البرلمانية، بأنها "انقلاب على الدستور والثورة". 

الخبير القانوني ورئيس "منتدى تونس الحرة"، حازم القصوري، يرى في حديثه مع موقع "الحرة" أن "الدستور الجديد أعاد البلاد من نظام برلماني هجين لا علاقة له بالشعب، وقسم السلطات وأدى إلى تشتيت البلاد وإصدار قرارات مرتبكة لا تستجيب لمصالح الناس، إلى نظام أصبح لدينا فيه سلطة ممثلة في شخص رئيس الجمهورية، يٌسأل مباشرة من قبل الشعب التونسي"، معتبرا أنه "على نفس النمط السياسي الأميركي". 

ويرى مراقبون أن دستور 2014، كان سببا في نشوب خلافات وصلت حد الصراع على السلطة بين الرئيس والبرلمان والحكومة.

في المقابل، اعتبر أستاذ القانون العام بجامعة تونس المنار، الصغير الزاكراوي، في حديثه مع موقع "الحرة" أن الدستور الجديد، أسند إلى الرئيس "صلاحيات فرعونية" ليست موجودة في أي دستور فضلا إلى أنه لا يتحمل أي مسؤولية، وهو قطب الرحى ويملك جميع المفاتيح لإدارة الدولة والبقية مجرد مساعدين. 

ويجعل الدستور من رئيس البلاد قائدا للجيش، ويسمح له بتعيين حكومة دون موافقة برلمانية ويجعل عزله من منصبه شبه مستحيل، بالإضافة إلى أن له الكلمة العليا في تعيين القضاة.

ويوضح الزاكراوي أن "من معايير الدساتير، أن يقوم نظام الحكم على الفصل بين السلطات والتوازن فيما بينها، وهذا غير موجود في هذا الدستور لأن الرئيس استأثر بصلاحيات السلطة التنفيذية ورئيس الحكومة هو مجرد مساعد، وحتى أحكام لا نجدها في أي دستور، مثل الاستفتاء الدستوري الذي أصبح الرئيس يمكن أن يفعّله متى أراد وبدون شروط".  

نتائج الاستفتاء على دستور تونس الجديد

"بدون بيروقراطية"

لكن القصوري يدافع عن الدستور الجديد الذي ينقل البلاد من نظام يقسم السلطات بين ثلاثة رؤوس تتقاسم الصلاحيات فيما بينها، إلى نظام رئاسي، "حين ينتخب الشعب الرئيس فبالتأكيد يفوض له صلاحيات، وهي ليست لخاصة الرئيس وشخصه وإنما لتمكينه من ممارسة السلطة التنفيذية ودفع مسار التنمية والاستجابة إلى مطالب الشعب". 

ويوضح أنه على سبيل المثال، "حينما تخاطبنا الدول في معاهدة معينة، لا ننتظر بعض الإجراءات المعقدة من البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية، اليوم هناك قرار سيادي يمكن أن يترجم سريعا". 

ويضيف "مثلا أيضا، هناك شركة أجنبية تريد الاستثمار في تونس، القرار سيكون واضحا لدعم هذه الشركات للاستثمار دون التأخير في إجراءات بيروقراطية فاسدة عبر برلمان تمثله أطراف حزبية لها مصالح خاصة"، حسب تعبيره.

من جهته، يرى الزاكواري أن الدستور الجديد "يعبر عن مشروع قيس سعيد الشخصي الذي يمضي بدون توقف لترسيخه، بدون استشارة أي طرف"، موضحا أنه "لا يؤمن بالديمقطرانة التمثيلية، ولا يؤمن بالأحزاب، هو يقول إن علاقتي بربي مباشرة وكذلك بالشعب مباشرة لذلك يكرس ذلك في نظام الحكم، ويقول لا أحتاج إلى أحزاب وسيطة ولا ناطق رسمي، هو يعتبر نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الإنسانية وليس تونس وحدها"، وفقا لتعبيره.

وما "يعاب على الدستور"، بحسب الزاكراوي ، أنه "وضع لبنات لما يسمى بالنظام القاعدي، بما فيها سحب الوكالة عبر المجلس الوطني للجهات والأقاليم، إلى جانب ما سنراه كذلك في قانون الانتخابات القادم الذي سيكرس بالضرورة نظام الانتخاب على الأفراد". 

ومن المقرر أن تُنظم انتخابات نيابية في ديسمبر المقبل. 

محاسبة الرئيس

يمنح الدستور الجديد، الرئيس حصانة ويمنع محاسبته، ما يثير الكثير من المخاوف بين التونسيين.  

ويعتبر القصوري أن "هذا الدستور يحترم مركز رئاسة الجمهورية، وهي ليست مرتبطة بشخص قيس سعيد، سيتغير الرئيس يوما"، مشيرا إلى أن "هناك سلطة فعلية تراقب الرئيس ألا وهي "رقابة الشعب التونسي" باعتباره صاحب السيادة، ويمكنهم أن يصوتوا ضده بعد انتهاء مدته الخمس سنوات". 

وقال: "لا يمكن مراقبة الرئيس من قبل برلمانيين لهم مصالح خاصة، ونحن نفعل كما الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث لا يمكن مراقبة الرئيس دون المرور بالشعب الأميركي، كما أن لدينا مثل المحكمة العليا الأميركية، وهي المحكمة الدستورية". 

لكن الزاكراوي يرى أن فكرة وضع كل السلطات في يد شخص واحد، ليصبح هو المسؤول "تعود بنا لقرون إلى الوراء"، مضيفا "هذه فكرة قديمة للمسلمين في القرون السابقة ويسميها البعض بـ"المستبد العادل"، لكن هذا لم يعد يصلح والعالم يدعو للديمقراطية التشاركية ومحاولة إصلاح النظام التمثيلي بإدخال نوع من التشاركية، لكن أن نعطي جميع المفاتيح إلى شخص واحد، فهذا جنون لا يقبله أي عاقل". 

وردا على القصوري، قال إن "النظام الرئاسي الوحيد الموجود في العالم هو النظام الأميركي، ويقوم على الفصل الحاد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بمجلسيها، وهناك نوع من التفاعل بينهما وغالبا ما يكون تفاعلا سلبيا، لكن دستور 2022 الذي سيدخل حيز التطبيق خلال أيام، إن لم تكن هناك طعون، سيؤدي إلى نظام لا أقول إنه ديكتاتوري ولكن رئاسوي غير مسبوق ويمهد للاستبداد والتسلط، لأن كل الصلاحيات في يد الرئيس بما فيها جزء من السلطة التشريعية، كما أن الرئيس وضع يده على القضاء والذي لم يصبح سلطة ولا يتمتع بالاستقلالية". 

يشير القصوري إلى أنه إذا كانت هناك مآخذ خلال فترة حكم سعيد التي لن تمتد لأكثر من عشر سنوات على فترتين رئاسيتين، بحسب الدستور الجديد، فإنها تجمد إلى ما بعد خروجه من القصر الرئاسي. 

لكن الزاكراوي يقول: "محاسبته (سعيّد) بعد عشر سنوات تكون الدنيا قد خربت وقتها، وما الفائدة حينها، نحن نريد أن نحاسبه الآن لأنه في سنة كاملة لم يحقق شيئا، مشيرا إلى أنه "سيخضع للمحاسبة عاجلا أو آجلا لأنه أضاع سنة من عمر تونس لم يفعل فيها شيئا إلا خطابات جوفاء فارغة". 

ويرى أن عمر هذا الدستور سيكون بالعمر السياسي لقيس سعيد، ولن يعمِّر" واصفا إياه بأنه "بدعة"، ويعتبر أن "هذا الدستور لا يستجيب للمعايير الدنيا للدساتير في وضعه ومضمونه، كتبه الرئيس بنفسه ولنفسه". 

"الحريات ستكون حبرا على ورق"

يؤكد القصوري أن "الحريات مضمونة في الدستور الجديد، طبقا للقانون وليست شعارات مثلما كانت ترفعها حركة النهضة، بالرغم أن هناك العديد من الملفات القانونية في هذه العشرية السوداء، حيث وقعت انتهاكات لحقوق الناس والحريات والصحفيين وزج بهم في السجون". 

وأضاف "اليوم، الدستور يرجع الأمور إلى نصبها القانونية ويعيد هذه السلطة للشعب بعد أن استعملوا الدين في الوصول إلى السلطة". 

وتابع: "هذا الدستور يجعل القطيعة الفعلية مع الحركات الإسلامية التي تصل للسلطة باستعمال الدين، التي لا تقدم شيئا حين تكون في السلطة"، بحسب تعبيره. 

وأضاف أنه "لا يمكن تغيير باب حقوق الإنسان التي ضمنها هذا الدستور الذي يقطع الطريق مع دين الدولة التي هي محايدة في التعاطي مع الدين، وهو مسألة شخصية تهم الفرد وليس الدولة، بل دور الدولة في هذا الدستور حماية الناس ومعتقداتهم وطريقة تفكيرهم وممتلكاتهم". 

من جانبه يقر الزاكراوي بأن "باب الحريات موجود ومكرس"، ولكن يتوقع أن يكون مستقبلا "على الورق فقط"، مضيفا أن "من يضمن الحريات هي السلطة القضائية، والتي أصبحت خاضعة لإرادة رئيس الجمهورية وليست سلطة مستقلة". 

وعلى عكس القصوري، يرى الزاكراوي أن "الفصل الخامس الذي يتحدث عن علاقة الدولة بالدين، إشكالي وسيثير مشاكل كثيرة في الفترة المقبلة". 

ويرى القصوري أنه "دائما في الدساتير، إن ثبت فيها مطبات، فبالتأكيد فإنها قابلة للتغيير". 

 السياسي البارز منذر الزنايدي
خطوة المحكمة تأتي وسط تنامي التوتر السياسي في تونس | Source: social media

طالب رئيس المحكمة الإدارية في تونس، الهيئة المستقلة للانتخابات بإعادة الوزير الأسبق المنذر الزنايدي إلى قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية المقررة بداية الشهر المقبل، بعدما سبق للهيئة أن رفضت حكم القضاء الإداري بإعادته إلى السباق الرئاسي.

وقال الرئيس الأول للمحكمة  الإدارية عبد السلام المهدي في رسالة وجهها، السبت، إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن المحكمة الإدارية تطلب "إدراج المترشح المنذر الزنايدي في قائمة المقبولين المترشحين نهائيا" ولو تطلب الأمر مراجعة رزنامة المواعيد الانتخابية بما يتلاءم وتنفيذ قرار المحكمة الإدارية .

وكانت الهيئة العليا للانتخابات رفضت يوم الثاني من سبتمبر الحالي قرار المحكمة الإدارية القاضي بإعادة كل من الوزير السابق الزنايدي و الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي والناشط السياسي عماد الدايمي إلى سباق الرئاسة بعد رفض ترشحهم من قبل الهيئة عند الإعلان عن القائمة الأولى للمترشحين .

والمحكمة الإدارية هي أعلى سلطة تفصل في النزاعات الانتخابية.

ويهدد تصعيد الخلاف القانوني بنسف شرعية ومصداقية الانتخابات التي ستجري في السادس من أكتوبر.

وتأتي خطوة المحكمة وسط تنامي التوتر السياسي في تونس ومخاوف لدى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من إجراء انتخابات شكلية تقود لفوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية.

وخرج أمس آلاف التونسيين في مظاهرة حاشدة هي الأكبر منذ العام الماضي ضد سعيد، للاحتجاج على "التضييق على الحريات والمناخ الانتخابي غير الديمقراطي". ورفعوا شعارات "ارحل" ضد سعيد.

وتفاقم التوتر بعد أن رفضت هيئة الانتخابات هذا الشهر تنفيذ قرار للمحكمة بإعادة المرشحين الثلاثة البارزين الذين أقصتهم الهيئة في وقت سابق بدعوى نقص ملفاتهم، وهم الزنايدي والدايمي والمكي.

وأثار تحدي الهيئة للمحكمة والإبقاء فقط على ثلاثة مرشحين هم الرئيس المنتهية ولايته سعيد وزهير المغزاوي والعياشي زمال غضبا واسعا في أوساط الأحزاب والمنظمات وحتى أساتذة القانون.

وقالت أحزاب رئيسية ومنظمات إن هيئة الانتخابات، التي عين الرئيس أعضاءها بنفسه، لم تعد مستقلة ومحايدة واتهموها بأنها أصبحت أداة بيد الرئيس ضد خصومه.

ولكن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر نفى هذه الادعاءات وقال إن الهيئة ملتزمة بالحياد. وأضاف "الهيئة هي الجهة الدستورية الوحيدة المؤتمنة على نزاهة الانتخابات".

وأشارت المحكمة الإدارية، السبت، إلى أنها ملزمة بتنفيذ قرار الجلسة العامة القضائية وعند الاقتضاء مراجعة "الرزنامة"، أي المواعيد الانتخابية.

وحذرت من أن عدم فعل ذلك سيؤدي إلى "وضعية غير قانونية تتعارض مع القانون الانتخابي وشفافية المسار الانتخابي وسلامة إجراءاته".