مظاهرة ضد الرئيس التونسي قيس سعيد في تونس العاصمة في 15 مايو 2022
مظاهرة ضد الرئيس التونسي قيس سعيد في تونس العاصمة في 15 مايو 2022

أطلقت أربع منظمات تونسية، الجمعة، مبادرة "الإنقاذ الوطني" الرامية إلى إعداد تصورات ومقترحات حلول لتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد خلال السنوات الأخيرة.

وتهدف المبادرة الجديدة التي يقودها "الاتحاد العام التونسي للشغل" بتنسيق مع هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى فتح مشاورات وتقديم تصورات وحلول لإخراج البلاد من الأوضاع الصعبة.

وخلال الاجتماع الأول لمبادرة "الإنقاذ الوطني" الذي انعقد الجمعة، أعلن الائتلاف الرباعي عن تشكيل ثلاث لجان ستعمل على تقديم مقترحات وحلول تعرض لاحقا على الحكومة وعلى الرئيس قيس سعيد، وهي: لجنة الإصلاحات السياسية ولجنة الإصلاحات الاقتصادية ولجنة الإصلاحات الاجتماعية، وتضم خبراء في مجالات القانون الدستوري والاقتصاد والشؤون الاجتماعية الثقافية.

"لا حل سوى الحوار"

وأكد الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، في كلمته الافتتاحية خلال الاجتماع، "ألا مجال أمام التونسيين في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد سوى الجلوس على طاولة الحوار"، مضيفا: "نحن مع الإنقاذ، كفانا عبثا بهذه البلاد، علينا التوجه نحو خيارات وطنية".

وأضاف الطبوبي :"ننظم المبادرة الوطنية للإنقاذ الوطني للتشاور" من أجل صياغة برنامج متكامل وعقلاني حول كيفية انقاذ البلاد"، مبرزا أن هدفها "الخروج من الوضع الذي تعيشه تونس منذ 12 عاما وليست ضد أي طرف."

وتعيش تونس على وقع أزمات سياسية متلاحقة منذ "ثورة الياسمين"، احتدت مع وصول الرئيس قيس سعيد إلى السلطة وإقراره في 25 يوليو من عام 2021، مجموعة من التدابير الاستثنائية التي بدأها بإقالة حكومة هشام المشيشي، وتعويضها بأخرى وحل مجلسي القضاء والبرلمان ثم وضع دستور جديد، قبل الإعلان عن تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، تجرى غدا الأحد جولتها الثانية.

وسجلت الجولة الأولى من الانتخابات مقاطعة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات التونسية، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 11.22 بالمئة، ما عدته أحزاب المعارضة "فشلا لمسار قيس سعيد وفقدانه للشرعية"، داعية إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

وإلى جانب المشاكل السياسية، تشهد البلاد أوضاعا اقتصادية صعبة، مع ارتفاع التضخم والبطالة، ومعاناة فئات واسعة من التونسيين من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية ونقص في الوقود ومجموعة من المواد الأساسية الأخرى.

"وضع لا يحتمل"

وتسعى منظمات الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2015،  إلى تكرار تجربة عام 2013، عندما قامت بدور الوساطة في عملية الانتقال الديمقراطي التي أسهمت في حل أزمة سياسية حادة عاشتها البلاد آنذاك.

رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمان الهذيلي، يوضح أن الهدف العام الذي تضعه المبادرة، تقديم تصور لإنقاذ البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإخراج البلاد من  وضعها الحالي.

ويتابع الهذيلي في تصريح لموقع قناة الحرة أن الائتلاف الرباعي المشكّل للمبادرة، وضع شهرا كأقصى تقدير لعمل اللجان الثلاثة لوضع تصوراتها ومقترحاتها، مشيرا إلى أهمية هذه الخطوة في ظل الأزمة الخانقة التي تمر منها البلاد والأوضاع التي "لم تعد تحتمل".

وفي جوابه على سؤال حول ما إن لقيت المبادرة الجديدة ترحيبا من قبل باقي المنظمات والفعاليات المدنية، يوضح المتحدث ذاته، أن المشاورات في الوقت الراهن ما تزال منحصرة على الأطراف الأربعة فقط، غير أنه يشير إلى أنه بعد وضع التصورات ستكون مفتوحة في وجه الجميع للمشاركة وإغناء الحوار، مبرزا أنها ستقدم أيضا إلى رئيس الجمهورية.

"لا أزمة للخروج منها"

بالمقابل، يقلل عضو مبادرة "لينتصر الشعب"، محمد علي غديري، من أهمية هذه المبادرة، مشيرا إلى أن في البلاد رئيس منتخب بأغلبية ساحقة وهيئات دستورية، وبرلمان سيتم غدا استكمال مراحل انتخابه، بالتالي "لا ينبغي تجاوز كل هذه المؤسسات أو محاولة أي طرف أن يحل محلها".

ويبرز السياسي التونسي في تصريح لموقع "الحرة"، أن على "مبادرة الإنقاذ" التركيز على الشأن الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية، واقتراح حلول في هذا السياق، لافتا إلى أن "الوضع السياسي مستقر بالبلاد ولا يعيش أي أزمة".

وشهر أكتوبر الماضي، أطلق مجموعة من السياسيين والنشطاء المدنيين مبادرة "لينتصر الشعب" لـ"استكمال مسار ثورة 17 ديسمبر 2010، ودعما مسار 25 يوليو 2021 الذي أعلنه الرئيس قيس سعيد".

ودعت مبادرة "لينتصر الشعب" الأربعاء، التونسيين إلى المشاركة بكثافة في الدور الثاني للانتخابات البرلمانية لـ"منح زخم" للهيئة التشريعية المقبلة، وسط توقعات بنسبة اقبال ضعيفة مع مقاطعة غالبية الأحزاب السياسية لهها.

وتحدث غديري، عن أن الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد ترتبط بـ"أسباب موضوعية" بعد أزمة جائحة كورونا وبعدها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أثرت على جميع دول العالم مع ارتفاع نسب التضخم والغاز، وتونس لم تكن استثناء على حد قوله.

ويبرز غديري، النائب السابق الرئيس السابق للاتحاد العام للشغل، أنه على الرغم من هذا الوضع، تقوم البلاد بواجباتها والتزاماتها، سواء من خلال الالتزام بصرف أجور العاملين في القطاعين العام والخاص، وحتى صرف الديون الخارجية.

وبالعودة إلى موضوع المبادرة، يلفت غديري إلى أن كل الأفكار من المنظمات الوطنية مرحب بها، خاصة في  الشقين الاجتماعي والاقتصادي "شرط أن تنبني على النوايا الحسنة والطيبة"، مؤكدا أنه على المستوى السياسي هناك "المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي ضم مجموعة من الهيئات إلى جانب الحكومة، والذي يمكن أن يفتح حوارا سياسيا إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك".

"الأزمة الحقيقية"

من جهته، يرى المحلل السياسي التونسي، بلحسن اليحياوي، أن المبادرة تركز في جانبها الأكبر على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ولا تمس الجانب السياسي إلا بـ"صورة سطحية"، في وقت يشير فيه إلى أن "أزمة البلاد الحقيقية بالبلاد سياسية".

ويوضح اليحياوي في تصريح لموقع "الحرة"، أن المعارضة وأنصار الرئيس قيس سعيد، "ينطلقان من مقدمات مختلفة تماما"؛ حيث تعتبر المعارضة مسار 25 يوليوز "انقلابا"، في حين يراه الرئيس "مسارا تصحيحيا وإصلاحيا"، وهو ما يعقد من إمكانية الجمع بين هاذين النقيضين تحت سقف أي مبادرة، رغم الاحترام والثقة التي يحظى بها الاتحاد العام للشغل، وامتداداته القاعدية المؤثرة في أوساط الشعب.

ويشير المتحدث ذاته إلى أن هذه المنظمة النقابية "كانت مستهدفة من أطراف سياسية خلال العشر سنوات الأخيرة، بالتالي ينظر إلى مبادرتها على أنها "لا تخدم سوى مصلحة الاتحاد في حد ذاته".

ويعتبر اليحياوي أن توقيت إطلاق هذه المبادرة جاء "متأخرا"، خاصة وأن الإعلان عنها لأول مرة يعود إلى سبتمبر من عام 2021 وكان من الممكن نجاحها في ذلك الوقت، لكن في الفترة الحالية التي تعرف وضعية تقاطب حاد بين مختلف الأطراف السياسية، يبقى من الصعب القبول بأي مبادرة من هذا النوع.

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".