مشاركة متدنية من التونسيين في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية
مشاركة متدنية من التونسيين في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية

دعت "جبهة الخلاص الوطني"، أكبر الكتل المعارضة في تونس، مساء الأحد، مختلف الأحزاب والمنظمات الاجتماعية إلى توحيد موقفها من أجل "رحيل" الرئيس قيس سعيد، وتنظيم انتخابات مبكرة، وذلك إثر تسجيل مشاركة ضعيفة في الدورة الثانية للانتخابات النيابية.

وقالت هيئة الانتخابات إن نحو 887 ألف ناخب أدلوا بأصواتهم من إجمالي 7.8 مليون. لكن النتائج النهائية قد تستغرق وقتا أطول لتجميعها. ومع مقاطعة معظم الأحزاب للانتخابات، من المتوقع أن تذهب معظم المقاعد إلى المستقلين.

وكانت نسبة المشاركة بلغت 11.22 بالمئة في الدورة الأولى، وهي أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديموقراطي عام 2011، بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وتعتبر نسبة المشاركة الهزيلة مؤشرا سلبيا لمشروع الرئيس قيس سعيد، الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ العام 2021.

وقال رئيس جبهة الخلاص الوطني، أحمد نجيب الشابي، في مؤتمر صحافي "أطلب من الحركة السياسية والمدنية ان نضع اليد في اليد لكي نحدث التغيير وهو رحيل قيس سعيّد والذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة".

وتضم الجبهة خمسة أحزاب هي "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"الأمل"، إضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، بالإضافة إلى شخصيات مستقلة.

ويرى مراقبون أن بصيص الأمل الوحيد لتجاوز الأزمة السياسية في تونس، يتمثل في "مبادرة الإنقاذ" التي أطلقها "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" و"الهيئة الوطنية للمحامين" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، الجمعة، من أجل تقديم مقترحات ستعرضها على سعيد للخروج من الأزمة.

وقال الشابي في هذا الصدد "اتوجه للاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان، وأقول لهم نحن في مركب واحد والحل يكون في قيادة سياسية جديدة".

"انتخابات المسخ"

ووصف الشابي الانتخابات البرلمانية الجارية "بالمسخ والفشل الذريع" لسعيد مضيفا "لن نعترف بها".

غير أن المعارضة لا تزال منقسمة إلى ثلاث كتل مختلفة التوجهات، هي "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعمها حزب النهضة، والحزب الدستوري الحرّ بقيادة عبير موسي التي تدافع عن خيارات نظام بن علي، والأحزاب اليساريّة.

ولم تشهد مكاتب الاقتراع الأحد  إقبالا على التصويت حتى اغلاقها عند الساعة السادسة مساء.

وفي مركز اقتراع بمنطقة باردو محاذ لمبنى البرلمان، صوت العشرات خلال الساعتين الأوليين من مجموع مسجلين يزيد عن ثمانية آلاف ناخب، وفقا لمراسل فرانس برس.

وقالت شريفة السيداني، 72 عاما، إنها أدلت بصوتها لأنها "تريد مستقبلا أفضل للشباب"، وهي شريحة عمرية لم تشارك نسبة كبيرة منها في الدورة الأولى. 

لكن محمد العبيدي (51 عاما) الذي يعمل نادلا بمقهى خالفها الرأي، وقال لفرانس برس "من المستحيل أن أصوت لرئيس لا يشرك بقية الاطراف السياسية في قراراته".

وتنافس 262 مرشحا على 131 مقعدا في البرلمان الجديد (من أصل 161)، خلال انتخابات تمثل المرحلة الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس قيس سعيد وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزّز على غرار ما كان عليه الوضع قبل الثورة التونسية.

ولم يختلف المشهد كثيرا في محافظات البلاد حيث خلت مكاتب الاقتراع من الطوابير التي عهدتها في انتخابات ما قبل العام 2021.

وفي محافظة قفصة، جنوب غرب البلاد، قام محمود تليجاني، 56 عاما، بانتخاب مرشح تربطه به قرابة عائلية. وقال "أنا هنا لمساندة ابن عمي المرشح، لهذا قمت بالتصويت".

وانفرد سعيد بالسلطة في 25 يوليو 2021 عبر تجميد أعمال البرلمان وحله لاحقا، وإقرار دستور جديد إثر استفتاء في الصيف الفائت أنهى النظام السياسي القائم منذ 2014.

وبرر الرئيس قراره آنذاك بتعطل عجلة الدولة على خلفية صراعات حادة بين الكتل السياسية في البرلمان.

الجولة الثانية من الانتخابات التونسية شهدت إقبالا ضعيفا
"هل يتبقى أمل"؟.. تونس بين جدل الانتخابات و"تردي" الأوضاع
في الوقت الذي غابت في الطوابير عن مراكز الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، كان التونسيون منشغلون بالوقوف أمام المتاجر القليلة التي لديها مخزون ضئيل من السكر والأرز والدقيق للحصول بالكاد على ما يكفي عائلاتهم. 

وسيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جدا من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس ولا مساءلته. ويتمتع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين.

ولا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يُعينها الرئيس ثقة البرلمان. 

قدّر الخبراء أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت مرتفعة، معربين عن مخاوف من أن تنحرف البلاد عن مسار الانتقال الديموقراطي بعد أن كانت مهدا لتجربة فريدة في المنطقة.

وشكك مراقبون مستقلون للانتخابات، بما في ذلك جماعة (مراقبون) المحلية، في الإحصاءات الرسمية لنسبة الإقبال واتهموا الهيئة بحجب البيانات التي يعتمدون عليها لمراقبة نزاهة الانتخابات.

ونفت هيئة الانتخابات حجب الأرقام، وقالت إن مسؤولي مراكز الاقتراع كانوا مشغولين للغاية بحيث لا يمكنهم التعاون مع المراقبين.

ورأى الباحث في "مركز كولومبيا" يوسف الشريف أنه "بالنظر إلى عدم الاهتمام التام للتونسيين" بالحياة السياسة، فإن "هذا البرلمان لن يتمتع بشرعية كبيرة. وبفضل دستور 2022 سيتمكن الرئيس القوي من الهيمنة عليه كما يشاء".

ودأبت أحزاب المعارضة على تنظيم تظاهرات للتنديد بقرارات سعيد منذ أن أقرها. ويلاحق القضاء العديد من نشطائها. 

ويترافق الغليان السياسي في تونس مع مأزق اقتصادي، فاقمه تعثر المفاوضات الحاسمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو ملياري دولار.

ورسم الخبير السياسي حمادي الرديسي في تصريح لوكالة فرانس برس صورة قاتمة عن حال تونس، قائلا إن "الوضع الاقتصادي مأسوي والبلاد على وشك الانهيار".

من مظاهر الأزمة الاقتصادية تباطؤ النمو إلى أقل من 3 بالمئة، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15 بالمئة، فيما تزداد مستويات الفقر الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحرًا نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.

سعيد رفقة زوجته في مركز تصويت يوم الانتخابات الرئاسية
سعيد رفقة زوجته في مركز تصويت يوم الانتخابات الرئاسية

أعاد الظهور الإعلامي الأخير لأفراد من عائلة الرئيس قيس سعيد، ومشاركتهم في الحملة الانتخابية الرئاسية، النقاش بشأن الأدوار التي طالما لعبتها أُسر حُكّام تونس، على امتداد عقود طويلة من تاريخ البلاد.

وفي معظم فترات تاريخ تونس الحديث، لم يكن التونسيون يكنّون الكثير من الود لعائلات الحكام بسبب اتهامات لاحقتها، بدءا بأُسر "البايات"، وصولا إلى الباجي قايد السبسي، مرورا بعهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

ولم تكن أسرة الرئيس قيس سعيد بمعزل عن هذا الجدل، فمنذ وصوله إلى قصر قرطاج رئيسا للجمهورية في 2019، أثُيرت تساؤلات كبيرة عن الدور المحتمل لشقيقه نوفل سعيد في رسم ملامح السياسات العامة، خاصة أنه كان قد اضطلع بمهام رئيسية في الحملة الانتخابية.

ورغم نجاح سعيد في تبديد تلك المخاوف، بإبعاد شقيقه عن دوائر صنع القرار طيلة الولاية الأولى، فإن ذلك لم يمنع عودة النقاشات بشأن "دور محتمل للعائلة"، خصوصا بعد الظهور الإعلامي الأخير لنوفل سعيد وعاتكة شبيل، شقيقة زوجة الرئيس، إشراف شبيل، عقب مشاركتهما الفعلية في إدارة فريق الحملة الانتخابية الرئاسية.

ظهور مثير

ووصف المحامي نوفل سعيد، شقيق الرئيس، مدير حملته الانتخابية، الفوز الذي حققه مرشحه في الرئاسيات بـ"الكبير"، مضيفا "بهذه النسبة الكبيرة، أصبح سعيد الرئيس الرمز.. ولا سبيل لبناء مستقبل جديد دون منسوب ثقة كبير".

وبدورها، اعتبرت عضوة الحملة الانتخابية لسعيّد، عاتكة شبيل، وهي شقيقة زوجته، أن ''مرور الرئيس (قيس سعيّد) من الدور الأول دليل على تواصل شعبيته على عكس ما يروّج".

وأضافت، في تصريح لإذاعة "موازييك" المحلية، أنّ "عدد الناخبين الذين صوّتوا له غير بعيد عن عدد الناخبين الذين اختاروه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019".

ويُعد هذا الظهور الإعلامي لشبيل نادرا للغاية، خاصة أنها لم تعلق في السابق على الكثير من الانتقادات والاتهامات التي طالتها، وبينها التأثير على قرارات وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين.

وتداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي جوانب من مشاركة عاتكة شبيل ونوفل سعيد في الحملة الانتخابية للرئيس، وسط تباين حاد في الآراء بشأن الدور الذي لعباه.

تجارب الماضي

ويزخر التاريخ التونسي بقصص عائلات الرؤساء التي لعبت أدوارا رئيسية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعي بهذا البلد المغاربي

ففي فترة الرئيس الحبيب بورقيبة، الذي يوصف بـ"أب الاستقلال"، دار جدل أكده مؤرخون عن "تدخل واسع النطاق" لزوجة الرئيس وسيلة بورقيبة، شمل تعيين وإزاحة المسؤولين الكبار بالدولة.

وخلال فترة زين العابدين بن علي، ازداد الأمر تعقيدا مع سيطرة أصهار الرئيس السابق، خصوصا أشقاء زوجته ليلى الطرابلسي، على قطاعات اقتصادية مهمة، ولا تزال اتهامات الفساد المالي تلاحقهم إلى الآن أمام المحاكم.

وانحسر الحديث عن "تأثير العائلة" خلال فترة الحكم المؤقت للمنصف المرزوقي، ليعود بقوة إلى الواجهة بعد صعود الرئيس الباجي قايد السبسي إلى سدة الحكم في 2014.

فطيلة عهدة السبسي، التي استمرت من 2014 حتى وفاته في 2019، دار جدل واسع بشأن "تأثير" نجله حافظ قايد السبسي، الذي اتهمه أصدقاؤه في "نداء تونس" بالاستيلاء على الحزب وتحويله إلى "منصة لمكافأة أو معاقبة المسؤولين".

هواجس النخبة

ويشير المحامي والناشط السياسي عبد الواحد اليحياوي إلى وجود "مخاوف حقيقية" لدى النخبة التونسية أن يتحول الظهور العلني لشخصيات من عائلة الرئيس إلى "نفوذ سياسي واقتصادي" في البلاد.

واعتبر أن "تدخل عائلات الحكام تعبير من تعبيرات الاستبداد، لأن هذه الشخصيات لا تحظى بشرعية انتخابية، على غرار ما فعلته عائلة بن علي التي حولت التأثير السياسي إلى نفوذ تجاري واقتصادي".

ويرى اليحياوي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن للتونسيين "تجربة مريرة" مع عائلات الحكام التي لعبت أدوارا مؤثرة، حتى قبل أن تتحول تونس إلى جمهورية، أي في عهد البايات ليستمر الأمر بعد عائلات قادة ما بعد الاستقلال.

وأشار اليحياوي إلى تقارير تحدثت عن "حضور خفي" لعبته شقيقة زوجة الرئيس في الشأن العام، من خلال إشرافها على ما يُسمى بـ"شق سوسة" في مشروع الرئيس، الذي يضم شخصيات عدة تم تكليف بعضها بحقائب وزارية خلال العهدة الأولى لسعيد.

"تشويه الرئيس"

وفي المقابل، يقول المحلل السياسي باسل الترجمان إن القانون لا يُجرم مشاركة عائلات المرشحين في الحملات الانتخابية، مستبعدا وجود أي دور رسمي لعائلة الرئيس سعيد في أجهزة الدولة.

وفند التقارير التي تتحدث عن تأثير مارسته شقيقة زوجة الرئيس على وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين، قائلا "لو كان لها تأثير لاستمر الرجل في منصبه".

ومن وجهة نظره، فإن "قيس سعيد شخص لا يسمح لأحد بمشاركته في اتخاذ القرارات بما في ذلك عائلته وأصهاره"، رافعا رهان التحدي بالقول "من يمتلك أدلة تثبت عكس هذا الأمر لنشرها وأطلع الرأي العام عليها".

وأدرج الترجمان "إقحام" المعارضة لعائلة الرئيس في النقاشات السياسية في إطار "رغبة هذه الأطراف السياسية في تشويه مسار الرئيس، في غياب أي ملفات فساد تُدينه".