انعكست الانقسامات السياسية العميقة وانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة على رؤية التونسيين لمسار البلاد منذ ثورة "الياسمين" التي أسقطت نظام، زين العابدين بن علي، حتى استئثار، قيس سعيد، بالسلطات في البلاد.
وفي أحدث تقرير عن الوضع في تونس، كشف استطلاع للرأي أن ما يقرب من 70 في المئة من التونسيين يرون أن البلاد تسير في الطريق الخطأ.
وكشف الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "سيغما كونساي" التونسية أن 48 في المئة من التونسيين غير راضين على أداء الحكومة.
ويعزو محللون تراجع ثقة التونسيين في مسار البلاد إلى تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع البطالة والصراعات السياسية التي تحول الجهود عن الوضع الاجتماعي.
معارك ثانوية
وأدت الأزمتان السياسية والمالية في الأشهر الأخيرة إلى نقص في بعض المنتجات الأساسية، كالحليب والسكر والأرز والبن، وإلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب التضخم المتسارع.
يقول المحلل السياسي التونسي، عائد اعميرة، في حديث لموقع "الحرة" إنه "لا يمكن تحميل مسؤولية الأزمة في تونس إلى شخص واحد، وإن كان رئيس الدولة"، ولكن المشكلة، بحسب اعميرة، أن "الرئيس قيس سعيد لا يعترف بحجم الأزمة، ودائما يرفض الاعتراف بما تواجهه البلاد من مصاعب كبرى".
ويرى اعميرة أن الرئيس "يترك الأزمة الحقيقة، ولم يبحث في أسبابها، وإنما خلق معركة ثانوية مع من يعارضه الرأي، وهم كُثر، ظنا منه أنهم سبب ما وصلت له تونس، ما زاد في إرباك الوضع أكثر".
ويضيف أن مسؤولية الرئيس في الأزمة الحالية تظهر أيضا، في "مهاجمته المتكررة للصناديق المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني، ما عطل مفاوضات تونس للحصول على قروض لتمويل الموازنة العامة للدولة".
وتوصلت تونس المديونة بنسبة أكثر من 80 بالمئة من ناتجها الداخلي الإجمالي، إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي منتصف أكتوبر حول قرض جديد بقيمة حوالى ملياري دولار لمساعدتها في مواجهة صعوبات اقتصادية متفاقمة. لكن صندوق النقد الدولي أجل موافقته النهائية إلى تاريخ لم يحدده.
مسؤولية قيس سعيد
كما شهدت البلاد اضطرابات في الأشهر الأخيرة بسبب الإضرابات العديدة في قطاعَي النقل والتعليم للتنديد بالتأخير في دفع الرواتب وعدم صرف مكافأة نهاية العام للعاملين فيهما.
وتعليقا على نتائج الاستطلاع، تقول الإعلامية التونسية، نهلا الحبشي، إن "ما يتعلق بسبر الآراء والنتائج التي يقدمها كثيرا ما شابها الشك بخصوص مصدقيتها خاصة منذ الثورة وإلى اليوم و المطلعين على الشأن السياسي بالبلاد يعرفون جيدا أنها أجندات وغير بريئة "، بحسب تعبيرها.
وتشير الحبشي أن الرئيس قيس سعيد استلم القيادة في فترة صعبة وحرجة اقتصاديا بعد مرور سنوات من حكم النهضة وما رافقها من إنهاك للمؤسسات الدولة.
وتقر الحبشي في حديثها أن ما يترجم كذلك نسب استطلاع الرأي هي "بعض القرارات الخاطئة لقيس سعيد، ومنها عدم محاسبة من تسببوا في تدهور الوضع و من تورط في ذلك منذ توليه تعهد بالإصلاح والمحاسبة".
عزوف عن الانتخابات
وفي صورة أخرى عن الاستياء الشعبي للتونسيين من الطبقة السياسية، عزف حوالي 90 في المئة من الناخبين عن التصويت في الدورة الثانية للانتخابات النيابية التي جرت، الأحد.
وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات في تونس، الاثنين، أن نسبة الإقبال بلغت 11.4 بالمئة وفقا للأرقام النهائية.
وهذه أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديمقراطي في 2011 بعد سقوط نظام بن علي.
وتعتبر نسبة المشاركة الهزيلة هذه مؤشرا سلبيا لمشروع الرئيس سعيد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 2021.
يرى المحلل السياسي التونسي، باسم حمدي، أن نتائج الاستطلاع "لا تبتعد كثيرا عن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة وتتماهى معها".
ويضيف أن ضعف نسبة المشاركة هو بدوره يترجم "حالة الملل الشعبي من الحكومة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي".
ويقر حمدي أن نتائج الاستطلاع "توحي أن التونسيين بدأوا يفقدون الثقة في النظام الذي أقامه قيس سعيد".
ويلوم حمدي الرئيس سعيد "على انشغاله كثيرا بإدارة الشؤون الدستورية والسياسية أكثر من الملف الاجتماعي والاقتصادي"، مضيفا أنه "ربما منح الأولوية لتنزيل مشروعه السياسي على أرض الواقع بدءا من حل البرلمان ثم تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي".
وفي 20 مايو 2021 عين سعيد لجنة مهمتها إعداد "دستور للجمهورية الجديدة"، لكن وبعدما تسلم مشروع اللجنة أصدر نسخة أخرى للدستور وعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو تزامنا مع احتفال البلاد بعيد الجمهورية.
وجاء مشروع الدستور الجديد مخالفا لدستور 2014 الذي أقر إثر الثورة وضمن صلاحيات واسعة للرئيس بتعيين الحكومة وأضعف من سلطة البرلمان.
وفي 5 فبراير 2022، أعلن الرئيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مستقلة أنشئت عام 2016 للإشراف على الشؤون المهنية للقضاة، وذلك بعد أن اتهم أعضاء فيه بـ"الولاءات" وبالسقوط تحت تأثير غريمه حزب النهضة الإسلامي.
ولم تتوقف المعارضة التونسية عن التنديد بقرارات سعيد، ونظمت بشكل متواتر تظاهرات حاشدة دعته فيها إلى "الرحيل".