تونس تعاني أزمة مياه تضاف إلى أزمتها الاقتصادية والاجتماعية
تونس تعاني أزمة مياه تضاف إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية

قبل عقدين من الزمن، كانت تونس ناجحة في استغلال 86 في المئة من إجمالي موارد المياه التقليدية ووضعت خططا لتشجيع استخدام موارد المياه غير التقليدية، لكن هذا الطموح بدا أنه تبخر الآن بعد أن أعلنت البلاد أزمة غير مسبوقة تضطرها لاعتماد نظام الحصص لتوزيعها على السكان.

وبعد ثلاث سنوات من قلة الأمطار والجفاف تقلصت كميات المياه في البلاد، لكن خبراء تحدثوا لموقع "الحرة" أجمعوا أن الجفاف قد يكون سببا من أسباب أخرى متراكمة.

سنوات ما قبل الثورة

في عام 2003، كان لدى تونس 27 سدا و 600 بحيرة وأكثر من 4000 بئر عميق و150 ألف بئر سطحي، وفق تقرير من الخبير المائي التونسي، عامر الحرشاني.

وفي ورقة أكاديمية قبل سنوات، كتب كاتب الدولة الأسبق المكلف بالموارد المائية في تونس، أن الجفاف "يكون موسميا أو سنويا ويمكن أن يستمر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات متتالية، لكن مع ذلك نجحت تونس في التغلب على العديد من الصعوبات المرتبطة به بسبب برامج إدارة المياه القوية، وضوابط الري".

لكن الوضع تغير، وبعد ثلاث سنوات من الجفاف الحالي، بدأت تونس تعاني أزمة مياه خانقة.

مرحلة الفقر المائي

وبحسب  المدير المركزي للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، عبد السلام السعيدي، لوكالة تونس إفريقيا، في يناير الماضي، بات نصيب الفرد في تونس من المياه أقل من 450 متر مكعب، وهي نسبة أقل من عتبة "ندرة المياه"، والتي تصل إلى 1000 متر مكعب.

تقول خبيرة الموارد المائية، أميمة خليل الفن، إن أسباب ندرة الماء لها أسباب مرتبطة بتزايد التغيرات المناخية وحدّة الاحتباس الحراري الذي يؤثر سلبا على المياه، إضافة إلى شح تساقط الأمطار وعدم انتظامها.

لكن مع ذلك فهناك أسبابا بشرية مسؤولة عن ندرة المياه، بحسب ما ذكرته خليل الفن في حديثها لموقع "الحرة".

وتشير الخبيرة إلى أن الطلب على المياه أصبح مرتفعا، بحكم ما يشهده العالم من تطور تكنولوجي وثورة صناعية، بما في ذلك التقدم في القطاع الفلاحي.

والمياه مادة غير متجددة ومصادرها الباطنية، مثلا، تتطلب سنوات لكي تجدد، وهو ما يساهم في شحها في العالم وخاصة دول شرق المتوسط وشمال أفريقيا، بحسب خليل الفن.

تواجه تونس أزمة جفاف حادة مع تراجع نسبة تساقط الأمطار، ولم يتجاوز معدل امتلاء السدود، هذا العام، 31 في المئة وبعضهما أقل من 15 في المئة في بلد يعتمد اقتصاده أساسا على الزراعة، وفق ما نقلته فرانس برس.

وبدأت النقابات الزراعية في دق ناقوس الخطر للموسم الزراعي وخاصة فيما يتعلق بقطاع الحبوب.

وأفاد "الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري" في بيان بتضرر آلاف الهكتارات جراء نقص الأمطار وتدني مستوى السدود إلى جانب تضرر الأشجار المثمرة والخضراوات وغيرها.

وتهيمن الزراعة على نسبة كبيرة من المياه في تونس، إذ أن 80 في المئة من  الموارد المائية في تونس تستخدم لهذا القطاع ، بحسب ما ذكره حمادي حبيب، المدير العام لمكتب التخطيط والتوازنات المائية في وزارة الزراعة، في بيان صدر في يناير الماضي.

ضعف رقابة الدولة

ويقول المحلل،  بسام حمدي، إن ندرة الأمطار هي السبب الرئيس في ندرة المياه في تونس إضافة إلى غياب الحلول الاستراتيجية طيلة السنوات الماضية.

ويرى حمدي في حديث لموقع "الحرة" أن "السلطات التونسية لم تخطط لسنوات الجفاف ولم تضع برامج خاصة بمقاومة الجفاف".

ويؤكد حمدي أن هناك ضعفا في رقابة الدولة على المؤسسات التي تعتمد على مياه الشرب لاستغلالها في المصانع، وهو سبب رئيسي أيضا.

حلول لمواجهة الأزمة

ويشير حمدي إلى "أهمية الاهتمام بوعي الشعب التونسي تجاه ترشيد استعمال المياه" حتى بالمنازل، وأهمية استراتيجية "تحلية مياه البحر" رغم أن السلطات التونسية بدأت فيها بشكل متأخر.

ونصحت الأمم المتحدة تونس، في يوليو الماضي، بضرورة "تحسين إدارة شبكة المياه ووضع حد للاستغلال المفرط للمياه الجوفية في البلاد".

وفي زيارة لتونس يوليو الماضي، قال مقرر الأمم المتحدة الخاص، بيدرو أروجو أغودو، إن على الحكومة التونسية وضع حد للاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وإغلاق الآبار غير القانونية، وجعل استخدام عدادات المياه إلزاميا للتحكم في استهلاك المياه.

وفي خطوة لتجاوز الأزمة، أقرت السلطات التونسية، الجمعة، مجموعة من القيود على استعمال مياه الشرب، منها اعتماد نظام الحصص لتوزيعها على السكان لعدة أشهر إثر موجة جفاف تشهدها البلاد.

وأصدر وزير الزراعة قرارا بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب في الأغراض الزراعية ولري المساحات الخضراء ولتنظيف الشوارع والأماكن العامة ولغسيل السيارات.

كما سيتم اعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، حتى شهر سبتمبر القادم.

تتزامن هذه القرارات مع حلول شهر رمضان وتحدث سكان في مناطق مختلفة بالعاصمة التونسية عن انقطاع المياه ليلا حين ترتفع نسبة استهلاكها، وفق ما ذكرته فرانس برس.

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".