أثار تصريحٌ للرئيس التونسي، قيس سعيد، قال فيه إنه "ليس مستعدا لأن يسلّم الوطن لمن لا وطنية له"، انتقاد تونسيين، ممن رأوا فيه إقصاء لخصومه، بينما رأى آخرون أنه ينم عن ثقته بنفسه أمام "معارضي مشروعه".
وقال سعيّد لدى سؤاله عن نيته في الترشح لولاية ثانية "يهمني وطني، ولست مستعدا لأن أسلّم وطني لمن لا وطنية لهم".
لكنه عاد ليقول إن "القضية قضية مشروع، وليست قضية أشخاص.. القضية هي كيف نؤسّس لمرحلة جديدة في التاريخ التونسي".
ومضى مؤكدا أنه سيحترم المواعيد الانتخابية، مُردفا "أنا لا أشعر بأنني في منافسةِ أيٍّ كان، أشعر أنني أتحمل المسؤولية ولن أتخلى عن المسؤولية".
طمأنة للشعب؟
في قراءته لتصريح سعيد، يرى المحلل السياسي، بسام حمدي أن الرئيس بعث برسالة للشعب مفادها أنه لن يفرط في المسار السياسي الذي بدأه في 25 يوليو الماضي.
وفي حديث لموقع الحرة، لفت حمدي إلى أن التصريح جاء بعد غيابه عن الساحة بضعة أيام والذي أثار تساؤلات عديدة، إذ حاول سعيد طمأنة الشعب بأن المسار الذي بدأه "لديه ضمانات سياسية".
إلى ذلك، رجح حمدي أن يكون التصريح "ردا قويا على خصومه السياسيين" الذين تحدثوا عن حالة شغور المنصب بعد غيابه الأخير وقال "يريد أن يؤكد على أن الدستور يضمن استكمال الإجراءات التي بدأت في 25 يوليو، وعبر انتخابات تضمن صعود شخصية لها قدرة على إدارة الحكم".
وفي 25 يوليو 2021 انفرد الرئيس سعيّد بالسلطات كافة، إذ أقال رئيس الحكومة وجمّد نشاط البرلمان قبل أن يحلّه. ، ثم اقترح دستورا جديدا أُقرّ في استفتاء في يوليو 2022، وأنشأ نظاما رئاسيا معززا يمنح البرلمان صلاحيات محدودة.
يُذكر أن معارضي الرئيس التونسي، طالبوا الحكومة بالتصريح بشغور منصب الرئيس، عندما غاب قيس سعيد عن الأنظار، خلال الفترة السابقة.
وكانت جبهة الخلاص الوطني (تحالف المعارضة الرئيسي في البلاد) دعت الحكومة إلى الكشف عن أسباب "غياب" سعيّد (65 عاماً) عن المشهد السياسي في الأيام الأخيرة، مشيرة إلى تقارير بشأن "أسباب صحيّة".
وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي "نطالب الحكومة بأن تواجه الرأي العام وتواجه الشعب وتقول هل هناك أسباب صحيّة جعلت الرئيس يتغيّب عن الأنظار".
يُشار إلى أنه في حال عجز الرئيس التونسي عن أداء مهامه، أو وجود شغور دائم جراء وفاة أو مرض خطير يحول دون قدرته على قيادة البلد، فإن تونس ستواجه "فراغا خطيرا" نظرا لعدم تشكيل المحكمة الدستورية حتى الآن.
فبموجب أحكام الدستور الجديد الصادر في صيف 2022، يجب أن يتولّى رئيس المحكمة الدستورية رئاسة الدولة في حال عجز الرئيس حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
"تصريح خطير"
بينما يرى المحلل أيمن الزمالي أن تصريح سعيد ينم عن ثقة كبيرة في حظوظه بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024، وأنه "لا يرى وجود منافس له في هذه المرحلة"، يصف المحلل زياد الهاني تصريح سعيد بـ"الخطير".
الزمالي قال في اتصال مع موقع الحرة إن "شعبية الرئيس سعيد تتزايد بطريقة غير مسبوقة "، منوها بأن الدستور الساري يسمح له بالسعي لولاية ثانية.
أما عن حديثه بأنه لن يسلم السلطة إلا لرجل وطني فمرده، وفق الزمالي، إلى أن تونس تم تسييرها في المرحلة السابقة من قبل أحزاب خدمت مصالحها الضيقة.
وقال "النخبة السياسية التي كانت تحكم تونس سابقا، كانت تتعامل مع البلاد وكأنها غنيمة".
إلى ذلك، اتهم الزمالي معارضي قيس سعيد بكونهم "يحنون للعهد السابق، الذي قاطعه الشعب" وفق وصفه.
كل التحيه والتقدير سيادة الرئيس قيس سعيد قراراتك جريئه نابعه من ضمير وطني حر ثبتك الله وسدد خطاك وهذا من قلبي🌹
— اسامه شتات المحامي بالنقض (@AsamhBalnqd) April 7, 2023
لكن الهاني يرى أن تصريح سعيد يؤكد رؤيته السلبية لمعارضيه، وقال في حديث لموقع الحرة إن الرجل يعتبر جميع معارضيه "خونة".
وإذ يصف الهاني تصريح سعيد بـ"الخطير" يؤكد أن الرجل ليس مستعدا لمغادرة السلطة بطريقة ديمقراطية، حسب تعبيره.
وقال "التصريح خطير لأن انتقال السلطة لا يعتمد على مزاج أي أحد، حتى ولو كان الرئيس، بل يعتمد على الانتخابات".
يعود بسام حمدي ليؤكد في سياق آخر أن تصريح سعيد "إلى جانب كونه رسالة لخصومه، يعد تصريحا بنيته للترشح لولاية ثانية برسم الانتخابات المقبلة".
وقال "واضح جدا أنه سيتم احترام الموعد الانتخابي، لأن سعيد يشعر بأن له أسبقية أمام خصومه المحتملين".
لكن زياد الهاني، يؤكد من جانبه أن سعيد لا يعتبر معارضية خصوما سياسيين، يواجههم بالحجة من خلال المنافسة السياسية بل "خونة وغير وطنيين".
"أي معيار لديك لقياس الوطنية؟"
تساءل الهاني أيضا، حول المعايير التي يعتمد عليها سعيد لتحديد وطنية هذا الشخص أو ذاك، وقال "لما يأتي الرئيس ويقول إنه لن يسلم رئاسة الجمهورية إلا لمن هم وطنيون، نسأله أولا بأي حق تضع هذا الشرط، غير المنصوص عليه في القانون، وأي معيار لديك لقياس الوطنية؟".
وتابع "ما يمكن استخلاصه هو أن رئيس الجمهورية، يؤمن بأنه مكلف برسالة سماوية للإنسانية، كي يقدم لها بديلا ديمقراطيا يعوّض الديمقراطية التقليدية التي أفلست في نظره".
قال #قيس_سعيد اليوم:"لست مستعدا لتسليم وطني لمن لا وطنية لهم"!
— محمد الرفرافي RAFRAFI (@RAFRAFI_MED) April 7, 2023
أكيد، لا أحد مع تسليم الوطن إلى من لا وطنية لهم؛ لكن هل يمكن تسليمه إلى من لهم وطنية؟
أم أنّك أنت الوطني الوحيد في الوطن؟
إن كان كذلك فإن كل الذين أوصلوك إلى سدة الرئاسة هم غير وطنيين وبالتالي رئاستك باطلة وغير وطنية.
ولفت الهاني إلى أعداد معارضي سعيد الذين يقبعون في السجن بتهم مختلفة، أبرزها التعامل مع دول أجنبية، وهو ما يؤكد بأن الرئيس يرى في معارضته خيانة، وفق هذا المحلل.
وضرب الرجل مثالا عن حملة الاعتقالات التي طالت أسماء بارزة في المعارضة، ومن ضمنهم حقوقيون ورجال إعلام.
واعتُقل عشرات المعارضين معظمهم من حزب النهضة وحلفائه، بالإضافة إلى مدير محطة إذاعية خاصة كبيرة ورجل أعمال نافذ وناشطين سياسيين وقضاة.
وأثارت حملة الاعتقالات هذه، ردود فعل منددة من المعارضة ومن منظمات المجتمع المدني الحقوقية.
الهاني لفت إلى أن أي شيء يمكن أن يؤدي إلى الاعتقال في تونس، وضرب مثلا بما حدث للناشطة الحقوقية، شيماء عيسى، التي اعتقلت، وفقه، لمجرد أن المستشارة السياسية في السفارة الأميركية طلبت مساعدة شخص للاتصال بها، للتعرف عليها "في إطار عملها الدبلوماسي العادي" يؤكد الرجل.
ويضيف الهاني "لم تعتقل شيماء بسبب انتهاكها لأي قانون"

وختم حديثه بالقول "المحصّلة مما يجري، هي أن قيس سعيد لن يخرج من الحكم بطريقة ديمقراطية".