.البيان الجديد يأتي بعد نحو عام من إصدار "المرسوم 54" ـ صورة تعبيرية
.البيان الجديد يأتي بعد نحو عام من إصدار "المرسوم 54" ـ صورة تعبيرية

في تصعيد جديد ضد قوى المعارضة، منعت السلطات التونسية، الثلاثاء، الاجتماعات بكل مقرات حركة النهضة، كما أغلقت قوات الشرطة مقر اجتماعات "جبهة الخلاص" الائتلاف الرئيسي المعارض للرئيس قيس سعيد.

ونقلت رويترز عن مصادر حزبية ورسمية، إقدام الأمن التونسي على منع اجتماعات حركة النهضة، بعد أن قامت بمداهمة المقر الرئيسي للحزب في أعقاب اعتقال زعيمه، راشد الغنوشي، مساء الاثنين.

وخلف اعتقال زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، تنديدا واسعا من أطياف المعارضة التونسية، التي دانت تواصل "حملة القمع والاعتقالات" التي طالت خلال الأسابيع الأخيرة عددا من الشخصيات السياسية والحقوقية.

وأفادت حركة النهضة التونسية المعارضة في بيان، مساء أمس، بأن زعيمها الغنوشي اعتقل مساء الاثنين، واقتادته وحدة أمنية داهمت منزله "إلى جهة غير معلومة". 

ويعد الغنوشي، الذي مثل عدة مرات أمام القضاء في إطار تحقيقات بقضايا مرتبطة بالإرهاب والفساد، أحد أبرز  المعارضين لسعيّد، الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ العام 2021. وكان زعيم النهضة رئيسا للبرلمان الذي حلّه الرئيس في 2022.

وفيما لم تعلّق السلطات القضائية في تونس على أسباب التوقيف، قال مسؤول بوزارة الداخلية لرويترز، إن إحضار الغنوشي للاستجواب وتفتيش منزله، تم بأوامر من النيابة العامة للتحقيق في "تصريحات تحريضية".

وذكر محامو الغنوشي أنهم لا يعرفون مسار التحقيق معه، وأنهم منعوا من مقابلته حتى الآن.

وربط موقع إذاعة "موزاييك"، وصحف محلية أخرى، بين اعتقال الغنوشي، وتصريحات أدلى بها في اجتماع للمعارضة، السبت، قال فيها إن "تونس من دون النهضة.. بلا إسلام سياسي ولا يسار ولا أي مكون آخر هي مشروع حرب أهلية".

واعتبر حزب النهضة في بيانه أن توقيف زعيمه "تطور خطير جدا" مطالبة "بإطلاق سراحه فورا، والكف عن استباحة النشطاء السياسيين المعارضين"، كما دعا إلى "الوقوف صفا واحدا في وجه هذه الممارسات القمعية المنتهكة للحقوق والحريات ولأعراض السياسيين المعارضين".

"تغطية الفشل"

القيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، يشير إلى أن الرئيس التونسي يحاول التغطية على "فشله" في تدبير الأزمة السياسية والاقتصادية بمثل "هذه الاعتقالات والقرارات الاستعراضية" التي طالت عددا من النشطاء والفاعلين السياسيين بتهم "التآمر ضد أمن الدولة".

ومنذ بداية شهر فبراير الماضي، أوقفت السلطات التونسية ما لا يقل عن عشر شخصيات، معظمهم من المعارضين المنتمين إلى حزب النهضة وحلفائه، بالإضافة إلى نور الدين بوطار وهو مدير محطة إذاعية خاصة كبيرة ورجل أعمال نافذ.

ويتابع السياسي التونسي في تصريح لموقع "الحرة"، أن الاعتقالات الأخيرة كانت منتظرة للتغطية على الأزمة الاقتصادية الأخيرة، موضحا أن "أي حكم تسلطي، ليس لديه شرعية، يلجأ نحو قمع ومحاولة إخراس الأصوات المعارضة".

وقال العجبوني إن راشد الغنوشي "كان أحد المسؤولين الكبار عن تردي الوضع السياسي بتونس وارتكب أخطاء كبرى في حق تونس والتونسيين لكن المسؤولية السياسية شيء والمسؤولية الجزائية شيء"، مبديا رفض حزبه لتوجه سعيد لـ"تصفية الحسابات مع معارضيه بغض النظر عن اختلافاتنا معهم". 

وانتقد المتحدث "غياب ضمانات المحاكمة العادلة للمعتقلين بالسجون التونسية، في ظل تدخل الرئيس في السلطة القضائية التي فقدت استقلاليتها"، مشيرا إلى أن "أي محاكمة سياسية في ظل الظروف الراهنة ستكون باطلة".

"تصفية أم محاسبة؟"

واعتبرت منظمة العفو الدولية غير الحكومية أن حملة الاعتقالات التي لحقت نشطاء وسياسيين تونسيين "محاولة متعمّدة للتضييق على المعارضة ولا سيما الانتقادات الموجهة للرئيس"، داعية قيس سعيد إلى "وقف هذه الحملة ذات الاعتبارات السياسية".

المحلل السياسي، طارق السعيدي، يشير إلى أن القراءة موضوعية للاعتقالات الأخيرة، يجب أن تتم بعد أن تكشف الجهة التي قامت بها، عن خلفياتها والأدلة التي استندت إليها وكل المعطيات الضرورية لتنوير الرأي العام، موضحا أنه في ظل غيابها، "يظهر جليا أن السلطة القائمة متمثلة في الرئيس قيس سعيد، دخلت في مواجهة مع قوى المعارضة متعددة الأطراف".

ويوضح السعيدي في حديثه لموقع "الحرة"، أن الرئيس يتمسك في تبرير الاعتقالات الأخيرة بشعارات "المحاسبة" معتبرا أن المعتقلين أجرموا وعليهم أن يحاسبوا أو يشير إلى قضية "منع أخطار التآمر ضد أمن الدولة"، وفي المقابل يرى خصومه في القرارات الأخيرة "تصفيات سياسية لإفراغ الساحة السياسية من كل نفس معارض".

ويبرز المتحدث ذاته أنه، أمام هذه المعطيات المتضاربة يبقى الاستنتاج الوحيد، أن العلاقة بين المعارضة والسلطة وصلت مرحلة "قطيعة نهائية"، وخاصة مع المعارضة التي كانت إلى يوم قريب مشاركة في الحكم.

ويبرز المتحدث ذاته، أن الشعب التونسي يميل إلى السكون، مما يجعل أمام المعارضة هامش مناورة ضعيف على الصعيد السياسي المدني، بالنظر إلى عوامل ترتبط بفشلها في الحكم خلال مناسبات سابقة، بالإضافة إلى انهيار صورة العمل الحزبي المنظم وغياب ثقته في النخبة السياسية، ليبقى الأمر على مستوى موازين القوى محسوبا لصالح الرئيس.

وفي هذا السياق، يعتبر السعيدي أن الانعكاسات الحقيقية للأزمة السياسية ستظهر أساسا على المستوى الاقتصادي، حيث تلتقط هذه التوترات بعدم ترحاب من المؤسسات المالية الدولية ومن المستثمرين بقلق، وبالتالي تبرز دعوة عديد الأطراف إلى فتح حوار وطني لتخفيض حدة التوتر السياسي.

وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة، إذ تتعرض المالية العامة للدولة لضغوط بسبب واحدة من أعلى فواتير رواتب القطاع العام في العالم مقارنة بحجم الاقتصاد، والإنفاق الضخم على واردات الطاقة ودعم المواد الغذائية، بحسب رويترز.

شكلت الثورة التونسية محركا لثورات في دول عربية كثيرة

"الحال يُغني عن المقال"، يقول مواطن تونسي في الذكرى الـ14 لانهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وسط تدهور اقتصادي واجتماعي وحقوقي تشهده البلاد منذ سنوات.

ففي ليلة 14 يناير 2011، ألقى زين العابدين بن علي خطابه الأخير للشعب التونسي في محاولة منه لامتصاص غضب الشارع وكبح جماح الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في 17 ديسمبر 2010.

لكن هذا الخطاب لم يحل دون اتساع رقعة الاحتجاجات لتشمل مختلف محافظات تونس، مما دفع بن علي إلى الفرار إلى السعودية، مُعلناً بذلك سقوط نظامه الذي امتد لنحو 23 سنة.

ويُعبر النادل في إحدى مقاهي تونس العاصمة، عبد الباسط التليلي، عن استيائه من الأوضاع بمناسبة الذكرى الـ14 لانهيار نظام بن علي.

ويقول، لموقع "الحرة": "الحال يُغني عن المقال، لو كنا نعلم بما ستؤول إليه الأوضاع في تونس، لما خرجنا للمطالبة برحيل نظام بن علي وما كنا لنرفع شعار: شغل، حرية، كرامة وطنية".

ويضيف: "الأوضاع ازدادت سوءاً، والأحزاب هي من استفادت من الثورة، لا السواد الأعظم من التونسيين".

ويرى عبد الباسط أن "الفقر والبطالة واليأس في تونس كان ما قاد إلى الاحتجاجات التي أطاحت بنظام بن علي، لكن الأوضاع سارت بعد ذلك على نحو خابت فيه آمال التونسيين في تحسين معيشتهم، لذلك بتنا نشعر بالندم على اندلاع الثورة".

وتأتي الذكرى الـ14 لسقوط نظام "التجمع الدستوري الديمقراطي" (حزب الرئيس بن علي) في ظرف تشهد فيه البلاد أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، وسط إجماع على فشل الحكومات المتعاقبة في تحسين حياة التونسيين.

خيبة أمل

يقول المحلل السياسي خالد كرونة: "لا شك أن لفيفاً من التونسيين يساورهم الندم، وهو ما نعزوه إلى شعور عام بخيبة الأمل من الطبقة السياسية التي أدارت المرحلة اللاحقة لفراره. فتحطم أحلام التشغيل والكرامة واستفحال الأزمات وتنامي الإرهاب ترك انطباعاً لدى جزء من الشعب، وبخاصة المهمشين اقتصادياً وثقافياً، بأن البلد استجار من الرمضاء بالنار".

ويضيف لموقع "الحرة": "رغم وجاهة بعض الدفوعات، يظل هذا التشخيص قاصراً عن إدراك أن سقوط بن علي كان سببه ذات الأزمات التي استمرت، وأن تحولات دولية وإقليمية كبيرة تُفسر الخيبات اللاحقة".

ويردف قائلاً: "هناك من ينفخ في نار الالتفات إلى الماضي، متجاهلاً أنه لا يمكنه، في مطلق الأحوال، أن يصنع المستقبل".

وتعاقبت على تونس منذ الثورة في 2011 خمس عشرة حكومة، من بينها اثنتا عشرة حكومة تم تشكيلها قبل إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، وثلاث حكومات بعد هذا التاريخ.

غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي

ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن السبب الرئيسي لـ"تحسر التونسيين" على نظام بن علي هو غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد الثورة، مؤكداً أن النظام السابق اتسم بالاستقرار النسبي على امتداد عقود، وحتى اللحظات الأخيرة قبل انهياره.

ويوضح الجورشي، في حديثه لموقع "الحرة"، أن المستوى الاقتصادي والاجتماعي في تونس قبل الثورة كان أفضل بكثير مما هو عليه بعدها، وهو عامل أساسي يجعل شريحة واسعة من التونسيين تساورها "نوستالجيا" إلى تلك الفترة بالنظر إلى أهمية المستوى المعيشي آنذاك.

في السياق ذاته، يعتبر الجورشي أن الحنين إلى الماضي حالة طبيعية توجد في معظم الثورات التي حدثت، مؤكداً أنه بعد كل ثورة تأتي عملية اهتزاز وارتباك يحتاج فيها المجتمع إلى فترة طويلة للعودة إلى الاستقرار.

ويشير إلى أنه "ليس كل التونسيين يحنون إلى عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي".

وعلى امتداد 14 سنة، شهدت تونس عدة أزمات سياسية، من ضمنها تلك التي أعقبت اغتيال قياديين اثنين في أحزاب اليسار عام 2013، مروراً بالأزمة السياسية في 2016 التي أفضت إلى حوار في قصر قرطاج الرئاسي، ووصولاً إلى أزمة 2021 التي تلت إعلان الرئيس سعيد حل الحكومة والبرلمان والتأسيس لما سماها مرحلة "الجمهورية الجديدة".

فوارق شاسعة

وبالعودة إلى مقارنة المؤشرات الاقتصادية بين فترة ما قبل الثورة التونسية وما بعدها، وفقاً للإحصائيات الرسمية، فقد قفز الدين العام لتونس من 40.7% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 إلى ما يفوق 82% سنة 2024، فيما تراجعت نسبة النمو من أكثر من 4% إلى 1.6%.

أما نسبة البطالة، فقد كانت في حدود 13% قبل اندلاع الثورة، ووصلت إلى 16% خلال العام الماضي، فيما ارتفعت نسبة التضخم من 4.5% في ديسمبر 2010 إلى 6.2% في ديسمبر 2024.

وفي تحليله لواقع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تونس في فترة ما قبل الثورة وما بعدها، يقول الخبير الاقتصادي محمد صالح الجنادي لموقع "الحرة": "الفوارق شاسعة نتيجة تواصل الانهيار على هذين الصعيدين على امتداد 14 سنة".

ويشدد الجنادي على أن الحكومات المتعاقبة ركزت على الانتقال السياسي وأهملت الانتقال الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى إلى تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين وتراجع الاستثمار وارتفاع البطالة، فضلاً عن إثقال كاهل الاقتصاد بالاقتراض الموجه لسداد الأجور.

ويدعو الحكومة التونسية إلى ضرورة القيام بإصلاحات جذرية تشجع على الإنتاج ودفع الاستثمار، وتعيد للدولة دورها الاجتماعي في تحسين أوضاع التونسيين وحفظ كرامتهم.

وتتوقع الحكومة تحقيق نسبة نمو اقتصادي في حدود 3.2% في أفق 2025، وأن ينخفض الدين العام إلى 80.46% هذا العام، ويواصل الانخفاض إلى 76.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2027، مع توقع انخفاض عجز الميزانية أيضاً ليصل إلى 3.6% بحلول العام نفسه.