Jewish pilgrims light candles in the Ghriba synagogue, the oldest Jewish monument built in Africa more than 2,500 years ago, as…
يُنظَّم الحج إلى كنيس الغريبة كل عام في اليوم الثالث والثلاثين بعد عيد الفصح اليهودي (أرشيف)

يُعدّ كنيس الغريبة في تونس، الذي تعرض لهجوم دام، الثلاثاء، أبرز معلم في أفريقيا، يحج إليه اليهود من مختلف البلدان.

ويعتقد خبراء أن الكنيس موجود منذ ألفي عام، ومنهم من يرجع تاريخ بنائه لحوالي 500 سنة قبل الميلاد، من قبل يهود فروا بعد التدمير الروماني للمعبد الأول في القدس.

ودأب اليهود على ممارسة طقوسهم الدينية في كنيس الغريبة، خصوصا عندما كبر حجم المجتمع اليهودي في تونس، وذلك خلال الفترة التي عرفت إنشاء محاكم التفتيش الإسبانية.

وعاش حوالي 100 ألف يهودي في تونس، قبل استقلاها عن فرنسا عام 1956.

ومحاكم التفتيش الإسبانية (1478 - 1834) أنشئت من قبل الملوك الكاثوليك "لمحاربة البدع" وفق زعمهم، لكنها كانت تضايق بشكل خاص، اليهود والمسلمين لحملهم على مغادرة التراب الإسباني.

وكانت جربة من بين المناطق التي احتضنت، على وجه التحديد، اليهود الفارين بدينهم.

يهود تونس وكنيس الغريبة

لا يتعدى عدد اليهود في تونس اليوم 1200، وأغلبهم متمركزون حول كنيس الغريبة في جربة، كما أن هناك بعض اليهود في تونس العاصمة.

خلال فترات سابقة، كان الآلاف يحجون لمعبد الغريبة المكسو بالبلاط الأزرق، لكن عددهم عرف تراجعا كبيرا بسبب التهديد الأمني الذي أضحى يهددهم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

ولليهود في جربة، مدارس تلمودية خاصة بهم يعلّمون فيها أبناءهم اللغة العبرية والديانة اليهودية.

لكن الهجمات الإرهابية التي هزت تونس عدة مرات، أثرت على الإقبال على هذه الزيارة في السنوات القليلة الماضية.

رغم ذلك، يصر بعضهم على الحج لهذا المعلم الديني، ويمارسون الطقوس التي توارثوها جيلا بعد جيل "منذ 2600 سنة" وفق قول القائم على حراسة الكنيس، خضير حنية.

حنية قال في اتصال مع موقع الحرة إن عدد الضيوف الذين يأتون إلى الكنيس عاود منحاه التصاعدي، بعد أن تراجع خلال السنوات الماضية، مبديا رغبته في أن تظل وتيرة الارتفاع كما هي، بعد أن تعرض اثنان من الزائرين للقتل، أول أمس الثلاثاء.

استهداف كنيس الغربية

تعرض كنيس الغريبة لهجمات في ثلاثة مناسبات، الأولى كانت في 1985 حين قتل شرطي العديد من الأشخاص، أما الثانية فكانت في إبريل 2002 حيث قتل متطرف 21 شخصا أغلبهم من الألمان في هجوم تبناه لاحقا تنظيم القاعدة.

والثلاثاء، تعرض الكنيس مرة أخرى لهجوم دموي راح ضحيته، ثلاثة شرطيين، وزائرين اثنين، بينما حيّد رجال الأمن، المهاجم الذي كان يعمل شرطيا في الحرس البحري.

وذكر وزير السياحة التونسي السابق رينيه الطرابلسي، لوكالة فرانس برس والذي كان موجودا في الكنيس حين وقع الهجوم، أن القتيلين من الزائرين، تربطهما قرابة عائلية به، وهما أفييل حداد، يهودي تونسي يبلغ من العمر 30 عاما، وبنيامين حداد (42 عاما) ويعيش في فرنسا وكان في جربة للمشاركة في الحج.

ووفقا للمنظمين، أتى هذا العام أكثر من 5 آلاف يهودي، معظمهم من الخارج، للمشاركة في "حج الغريبة" الذي استؤنف السنة المنصرمة بعد انقطاع دام عامين بسبب كورونا. وكان يشارك سنويا قرابة 8 آلاف يهودي  في حج الغريبة.

ولا تزال حالة الطوارئ سارية في تونس منذ أن أعلنت في 2015 بعد سلسلة من الاعتداءات استهدفت سياحا وأمنيين.

ما هو حج الغريبة؟

يُنظَّم الحج إلى كنيس الغريبة كل عام في اليوم الثالث والثلاثين بعد عيد الفصح اليهودي، وهو في صميم تقاليد اليهود التونسيين.  

بحسب المعتقدات، توجد في الكنيس الذي استُخدِمت في بنائه قطع حجارة من هيكل سليمان الأول، واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم.

وتقول لافتة معلقة داخل الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية) "يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الأفرنجي أي منذ خراب الهيكل الأول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر، ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور".

وخلال حديثه عن الطقوس التي يمارسها الحجاج في كنيس الغريبة، قال حنية إن الزوار يعمدون إلى تلاوة التوراة والتلموذ، بينما يجتهد البعض في تلقين أبنائهم تعاليم الدين اليهودي، والحديث إليهم عن رمزية المكان.

وقال إن الحجاج يشعلون الشموع ويضعون أمنياتهم المكتوبة بخط اليد على البيض في ركن من الكنيس، حيث يوجد حجر يعتقد أن يكون قادما من معبد القدس الأول. 

أندري شاؤول، وهو زائر للكنيس، قال لقناة الحرة "تمنيت اليوم أن يسود السلام في كل العالم لنستطيع التنقل في أمان، وننام هانئين ونترك أبواب منازلنا مفتوحة دون أن يسرقها أحد".

من جانبه، قال راؤول ليفي، وهو رجل ديني يهودي، وواحد من بين آلاف الحجاج الذين توافدوا على الكنيس، إن هناك تعايشا جميلا بين الأقليات اليهودية وبين المسلمين في تونس. وتابع "هذا شيء استثنائي في العالم العربي".

رئيس هيئة كنيس الغريبة، بيريز الطرابلسي، قال إن هذه السنة كانت أفضل من التي قبلها لأن الكنيس استضاف أعدادا أكبر مشيرا إلى أن العدد ارتفع بنحو 4 في المائة.

ويشير حنية من جانبه، أن الزيارة فرصة كذلك للاستمتاع بأكل الحلوى التي يحضرها الزوار  للتعبير عن فرحة اكتمال رحلة يتمناها يهود كثيرون عبر العالم.

ويتواصل الاحتفال مع عزف الموسيقى وتناول أطباق تونسية مثل الكسكس والسمك المطهي على الطريقة التقليدية، ويستمتعون بشرب نبيذ التين القوي الذي تنفرد به تونس.

ويعتبر الحج إلى جربة، عامل فخر في تونس، إذ يؤكد التعايش في الجزيرة التي تضم إلى جانب المساجد، كنائس ومعابد يهودية عمرها قرون. 

ورغم هذا التعايش الفريد بين المسلمين واليهود في جربة التونسية، يشعر بعض أبناء الطائفة اليهودية أن حياتهم المريحة في هذه الجزيرة أدت بالمقابل إلى عزلهم عن بقية البلاد وضيقت عليهم آفاق المستقبل، وفق ما نقلت عنهمم وكالة فرانس برس في تقرير سابق.

هذا العام، أعلنت البلاد عن نيتها التقدم بطلب لمنظمة اليونسكو لتسجيل جزيرة جربة، ضمن الموروث الثقافي العالمي، تتويجا لها على احترامها بالتميز الثقافي للبلاد.

وتم إلغاء الحدث في عام 2011 أثناء الثورة التونسية، ثم أعيد لاحقا. 

دافوس

تتجه الأنظار في تونس إلى مخرجات مشاركة الوفد التونسي في فعاليات الدورة الـ55 للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، الذي يأتي في ظل أزمة مالية واقتصادية خانقة تعيشها البلاد، وارتفع معها نسق الحراك الاجتماعي المطالب بالتنمية والتشغيل.

ويُعقد الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 في مدينة دافوس السويسرية، بحضور قادة العالم تحت عنوان "التعاون من أجل العصر الذكي".

سيناقش المؤتمر قضايا عدم اليقين الجغرافي الاقتصادي، والاستقطاب الثقافي، والتوترات التجارية، والقلق المناخي.

وضم الوفد التونسي المشارك كلًا من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، ووزير الاقتصاد والتخطيط، سمير عبد الحفيظ، وفق بيان صادر عن وزارة الاقتصاد التونسية.

وتشير إحصائيات رسمية إلى حاجة تونس إلى تسديد ديون داخلية وخارجية هذا العام تناهز 6 مليارات دولار.

كما تحتاج إلى خفض حجم المديونية التي فاقت 82% من إجمالي الناتج المحلي الخام سنة 2024، فضلًا عن عجز في ميزانية الدولة يزيد عن 6% من الناتج الإجمالي المحلي العام الماضي.

وقد أثارت مشاركة تونس في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس هذا العام نقاشًا حول مدى أهمية هذه المشاركة وأبرز الرهانات والانتظارات المرجوة منها.

الترويج لدفع الاستثمار

ورأى الرئيس السابق للهيئة التونسية للاستثمار، خليل العبيدي، أن تونس تواظب باستمرار على المشاركة في منتدى دافوس باعتباره أحد أكبر المنتديات العالمية التي تضم قادة كبارًا ومسؤولين في مراكز صنع القرار.

واعتبر أن تونس بحاجة إلى تقديم لمحة عن مختلف الإصلاحات في الاقتصاد التونسي ومميزاته، فضلًا عن القطاعات الواعدة التي توليها الدولة اهتمامًا.

وقال العبيدي لموقع "الحرة" إن هذا المنتدى يشكل فرصة للاطلاع على برامج التمويل الدولية وتفاصيل المساعدة الفنية المتوفرة، إلى جانب الاطلاع على التوجهات العالمية في المجالات الحيوية مثل التحول الرقمي، والاقتصاد الأخضر، والطاقات المتجددة.

وأضاف أن الحكومة التونسية مطالبة بالترويج لتونس كوجهة استثمارية جيدة في العديد من القطاعات مثل قطاع مكونات السيارات والصناعات الصيدلانية وغيرها.

وأشار إلى أهمية تقديم صورة جديدة تُبرز الاستقرار السياسي والتنوع الاقتصادي، واستمرار نطاق الإصلاحات التي يحتاج الرأي الدولي إلى سماعها في الفترة الحالية، خاصة في ظل تدني أرقام التصنيف الائتماني للبلاد.

وكانت مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني قد رفعت في سبتمبر الماضي تصنيف تونس إلى مستوى CCC+، مشيرة إلى أن هذا الإجراء يعكس الثقة المتزايدة في قدرة الحكومة على تلبية احتياجاتها التمويلية الكبيرة.

وشهد تصنيف تونس الائتماني تراجعًا مستمرًا في السنوات الأخيرة بسبب حجم الدين الخارجي، والبطالة، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

الاستفادة من الكفاءات التونسية

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي ماهر بلحاج أن الدورة الـ55 للمنتدى الاقتصادي العالمي ركزت في عنوانها على الذكاء الاصطناعي الذي فرض نفسه كتحول رقمي وتكنولوجي. وهو ما يستوجب مراهنة الحكومة التونسية على الترويج لما تزخر به البلاد من كفاءات عالية في هذا المجال.

وقال بلحاج، لموقع "الحرة"، إن تونس قادرة على أن تكون وجهة ومنصة عالمية للاستثمار في المجال الرقمي من خلال التسويق لكل ميزاتها التفاضلية، وخاصة مواردها البشرية. وأبرز أن تونس تمتلك القدرة على دفع الاقتصاد الرقمي عبر تطوير الخدمات المالية الرقمية، والدفع الإلكتروني، وغيرها من الوسائل التي تحقق الاندماج المالي والاجتماعي.

وشدد على أن هذا البلد المغاربي بدأ في الأعوام الأخيرة وضع أطر تشريعية وترتيبية محفزة لبعث وتطوير مؤسسات ناشئة تقوم على الابتكار والتجديد واعتماد التكنولوجيات الحديثة، فضلًا عن توجهه لـ"رقمنة" الخدمات الإدارية وتعصيرها، بما يساهم في تقليص التعقيدات المرتبطة ببعث مشاريع تنموية في تونس.

وأشار بلحاج إلى أن اللافت في مشاركة تونس في منتدى دافوس هذا العام هو اقتصار الوفد التونسي على وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير الخارجية، ما يعني أن الحكومة تُعوّل على إبراز احتياجاتها الاقتصادية بالأساس.

ولفت إلى أن المشاركات السابقة تضمنت حضور وزارة المالية بهدف التفاوض مع ممثلي الصناديق الدولية المانحة.

لقاءات مكثفة

وبمناسبة مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، التقى وزير الخارجية التونسي، محمد علي النفطي، الثلاثاء، وزير العدل والشرطة بسويسرا، بيت يانس.

وتمحور اللقاء حول استرجاع الأموال المنهوبة وتسهيل إجراءات إقامة الجالية التونسية بسويسرا، وفق بيان للخارجية التونسية.

كما تناولت آليات تمويل تونس لتسهيل مسارات اندماجها في الاقتصاد العالمي، وذلك خلال لقاء النفطي بالمديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نجوزي أوكونجو إيويالا.

وأجرى وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي، سمير عبد الحفيظ، سلسلة لقاءات مع نائبة رئيس البنك الأفريقي للتنمية ورئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

وخلال هذه اللقاءات، قدم عبد الحفيظ "فكرة حول المؤشرات الاقتصادية في تونس مثل نسب التضخم والنمو، والتحكم في التوازنات الكبرى".

كما أبرز أولويات تونس التنموية وبرامجها الإصلاحية، خاصة على مستوى تحسين مناخ الاستثمار والأعمال، وتطوير منظومته، ومجابهة تداعيات التغيرات المناخية، والتقدم في مسار الانتقال الطاقي والرقمي، وفق بيان صدر الثلاثاء عن وزارة الاقتصاد والتخطيط.