بين النشطاء الستة الذين ستكرمهم وزارة الخارجية الأميركية نظير نضالهم في مجال مكافحة العنصرية، سعدية مصباح، السيدة التونسية المعروفة بدفاعها منذ عقود عن حقوق الأقلية من ذوي البشرة السوداء في بلادها.
من تكون سعدية مصباح؟
تنحدر مصباح من منطقة تبلبو، التي تتبع معتمدية قابس بالجنوب التونسي، لكنها تعيش الآن في مدينة باردو التي تقع على بعد 4 كم من العاصمة التونسية.
بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة من معهد بورقيبة النموذجي (Lycée Carnot de Tunis) التحقت بكلية الحقوق بتونس، حيث تخرجت منها بشهادة الليسانس في الحقوق.
والأربعاء، نوه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في تصريح صحفي، بنشاطها في مجال الحقوق قائلا إنها "قامت بالكثير من أجل تجريم التمييز العنصري في بلادها".
وكان بيان لوزارة الخارجية الأميركية، أعلن اسمها من ضمن آخرين لنيل جائزة جائزة وزير الخارجية لأبطال مكافحة العنصرية الدولية للعام 2023، ووصفها بأنها "ناشطة تونسية كرست حياتها لمحاربة التمييز العنصري والتعصب والدفاع عن حقوق التونسيين السود".
تجربتها ضد العنصرية، مريرة، إذ لم تعان وحدها من التمييز، بل تعدى ذلك لأفراد من أسرتها.
تقول عنها النائبة العامة لجمعية "منامتي"، ريم القرفي، إنها إنسانة مثقفة، وتتمتع بحس وطني كبير، ومسؤولية تجاه مواطنيها.
وفي اتصال مع موقع الحرة، شددت القرفي، التي قالت إنها عانت هي الأخرى من بعض مظاهر التمييز العنصري، في طفولتها، حيث أنها ابنة لسيدة سمراء البشرة، ووفق قولها، أنها كبرت على وقع نضال مصباح.
تقول في الصدد "منذ صغري لم أسمع أحدا ناضل بهذه القوة ضد التمييز العنصري في تونس".
وأضافت "سعدية مصباح تخاطر بسلامتها من أجل الضحايا، تضع نفسها في الواجهة وتنتقد الوضع رغم كل ما قد يهددها".
يذكر أن مصباح، وفي تصريح سابق لمنصة "أصوات مغاربية" قالت إن ما تعرض له أخوها الفنان التونسي المعروف، صلاح مصباح "طيلة مسيرته الفنية" وفق تعبيرها، صقل تجربتها النضالية.
"ما تعرض له أخي من عنصرية بسبب لون بشرته والمضايقات التي يتعرض لها اليوم ابني في المدرسة، كان لها أثر كبير في نفسي وجعلت مني امرأة فاعلة في المجتمع".
ويؤكد شقيقها في عدة تصريحات صحفية، أنه كثيرا ما تعرض لمضايقات بسبب لون بشرته.
نضالها
بعد عدة محاولات متعثرة لإطلاق مؤسسة تعنى بمكافحة التمييز العنصري خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أسست مصباح في 2013 جمعية "منامتي" (حلمي) الهادفة للتوعية بقيمة التنوع وأهمية المساواة وشجب العنصرية وضمان الحماية القانونية للجميع ورفع مكانة المواطنين السود في المجال الثقافي وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات التي يغلب عليها السود.
قبل خمس سنوات، أقر البرلمان التونسي قانونا رائدا في منطقة شمال أفريقيا وهو التشريع الذي يُجرم التمييز العنصري ويسمح للضحايا بالسعي لتحقيق العدالة في المحاكم.
هذا القانون، جاء بعد سنوات من نضال عديد النشطاء، وأبرزهم سعدية مصباح، التي تقوم الآن على رأس جمعية "منامتي" .
وألغت تونس تجارة الرقيق في عام 1841 والعبودية في عام 1846، وكانت أول دولة عربية تفعل ذلك، وكان ذلك قبل نحو عقدين من إعلان تحرير العبيد، الذي أمضاه الرئيس الأميركي، أبراهام لينكولن.
وقتها، برر باي تونس (حاكمها العثماني) أحمد بك، إنهاء العبودية بالقول إنها عززت انتهاكات حقوق الإنسان، وهددت الاستقرار السياسي، وشجعت على أسر المسلمين بشكل غير قانوني.
بيان وزارة الخارجية الأميركية، وصف نضال سعدية مصباح بالقول "ساهم نشاط سعدية والعديد من نشطاء حقوق الإنسان في اعتماد القانون التونسي الذي يجرم التمييز العنصري بتاريخ 9 أكتوبر 2018".
رغم ذلك تعتبر مصباح هذا القانون إنجازا غير مكتمل لأنه يفتقر إلى إعلان عالمي يدين كافة أشكال التمييز بحسب الديانة أو اللغة أو لون البشرة.
"منامتي"
منذ نشأتها في 2013، ساهمت جمعية "منامتي" في بث الوعي حول مشكلات التمييز التي عانى منها طويلا أصحاب البشرة السوداء في تونس.
الجمعية، وفق القرفي، تساهم قدر استطاعتها في تقديم الدعم لضحايا التمييز العنصري، من خلال توعيتهم بحقوقهم، ومساعدتهم على مواجهة واقعهم.
تؤكد القرفي أيضا أن الجمعية التي تنتمي إليها، لم تكتف بالدفع نحو إقرار "القانون 50" كما تصفه، بل ساهمت بشكل فعال في فتح فرص تطبيقه، وذلك من خلال تكوين القضاة، والأشخاص المعنيين به.
تقول "لدينا هيئة قانونية في الجمعية تعنى بمساعدة ضحايا التمييز، إذا طرد شخص من عمله مثلا، نتيجة تمييز عنصري، نحاول التكفل بحالته ومساعدته قانونيا".
وأضافت أن الجمعية تنشط أيضا في مجال البحث في قضايا التمييز العنصري، وتقديم أفكار تطبيقية للنهوض بجهود مواجهتها في الداخل.