المنظمة كشفت استغلال مئات الأطفال في عمليات الصيد الخطيرة ـ صورة أرشيفية.
المنظمة كشفت استغلال مئات الأطفال في عمليات الصيد الخطيرة ـ صورة أرشيفية.

عادت قضية "عمالة الأطفال في صيد العقارب" لتتصدر واجهة النقاش العمومي بتونس، بعد أن أعلنت منظمة حقوقية إحالة الملف على القضاء، في أعقاب اتهامها لمعهد "باستور" التابع لوزارة الصحة بـ"التورط في استغلال أطفال" للقيام بهذا العمل الخطير.

وبعد تحذيرها من انتشار ظاهرة استغلال الأطفال في مهام صيد العقارب في عدد من المناطق النائية بالبلاد، قالت "المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط"، الخميس، إنها أحالت الملف على القضاء لفتح تحقيق وترتيب الجزاءات ضد جميع المتورطين في هذه الجريمة.

وفي تفاصيل الملف، كشفت المنظمة العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الأطفال، مطلع الشهر الجاري، أن سماسرة يستغلون "فقر أطفال وحاجة عائلاتهم للمال من أجل توظيفهم لصيد آلاف العقارب"، وببيعها لأطراف وجهات، من بينها معهد "باستور"، وهو ما ينفيه مدير هذه المؤسسة الحكومية.

"استغلال ممنهج"

رئيسة المنظمة، ريم بالخذيري، تقول إن عمالة الأطفال في صيد العقارب "ممارسة شائعة ومنتشرة بكثرة" بعدد من القرى والأرياف، خاصة بنواحي مدن تطاوين وقفصة ومدنين والقيروان والتي تظهر فيها العقارب والأفاعي، تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة، خلال فصل الصيف.

ويخاطر مئات الأطفال في أعمار بين 8 و13 سنة بحياتهم في اصطياد هذه الزواحف القاتلة بمناطق نائية في جنح الظلام ـ بين الواحدة والخامسة صباحاـ باستعمال تجهيزات ووسائل بدائية، لا تحميهم من أخطار لسعاتها السامة.

وتقول بالخذيري في تصريح لموقع "الحرة"، بعد عمليات الصيد يقوم الأطفال وأهاليهم ببيع هذه الزواحف لسماسرة ووسطاء مقابل أسعار زهيدة، لا تتعدى 200 فرنك تونسي (أقل من 0.1 دولار) مقابل كل عقرب، مشيرة إلى أن الأشخاص الأكبر سنا يبيعونها بمقابل أكبر (ما لا يقل عن 800 فرنك)، ما يفسر خلفيات الإقبال على استغلال الأطفال.

وتكشف المتحدثة أن هؤلاء السماسرة يتوصلون بالآلاف من هذه الزواحف التي يعيدون بيعها بدورهم لأطراف متعددة، ومن بينها معهد باستور، كاشفة أن تحريات ومعطيات، "تؤكد أن المعهد كان بين أكثر الجهات التي تقتني العقارب التي يصطادها قاصرون".

وفيما تنفي رئيسة المنظمة الحقوقية الإشارة تورط بشكل مباشر في توظيف الأطفال، تقول إن "المؤسسة المذكورة تتعامل وتقتني العقارب من وسطاء يستغلونهم في هذه العملية"، مما يجعلها "شريكة في هذه الجريمة".

نفي معهد "باستور"

ويعد معهد باستور مؤسسة عمومية ﻟﻟﺻﺣﺔ والبحث العلمي، وﯾﺧﺿﻊ ﻹﺷراف وزارة الصحة، ويتمثل دوره ﻓﻲ القيام ﺑبحوث ميدانية وتشخيصات بيولوجية وتصنيع اللقاحات والأدوية، وينتج أيضا الأمصال المضادة لسموم الأفاعي والعقارب التي تستعمل في مكافحة المضاعفات المحتملة بعد التعرض للدغات هذه الزواحف.

مدير المعهد، الهاشمي الوزير، يقول إنه يتأسف لأن المنظمة عوض أن تطلب المعطيات الصحيحة من المؤسسة، "تمضي في ترويج الإشاعات والأكاذيب على وسائل الإعلام".

ويؤكد المسؤول التونسي لموقع "الحرة" أن المعهد "يقتني العقارب التي يحتاجها لصناعة الأمصال في صفقات قانونية مع شركات حاصلة على تراخيص".

وينفي الهاشمي الوزير "عمل المؤسسة الصحية مع أي وسطاء أو سماسرة"، مشيرا إلى تنسيقه فقط "مع شركات قائمة الذات، وذلك وفق دفاتر تحملات واضحة تنص على احترام معايير السلامة للوقاية من الحوادث أو الأخطار التي قد ترتبط بعملية تجميع ونقل العقارب والأفاعي التي يحصل عليها من هذه الشركات".

ويؤكد مدير معهد "باستور"، أنه منذ شهر أغسطس من عام 2022، لم يقتن المعهد هذه الزواحف من الشركات المزودة، نظرا لتوفره على الكميات الكافية التي تغطي حاجيات العام الجاري، كاشفا أنه لن يبرم أي صفقات أخرى حتى هذا العام.

وفيما يقول الهاشمي الوزير إنه لا ينفي أن ظاهرة تشغيل الأطفال في مجال صيد العقارب موجودة ومنتشرة في مناطق بتونس"، يوضح أن "أطرافا أخرى قد تكون هي المستفيدة مما يصطدونه وليس المعهد، حيث يتم الاتجار بها واستعمالها في أنشطة سياحية وترفيهية".

الملف أمام القضاء

وأعلنت منظمة "أطفال المتوسط" عن لجوئها إلى القضاء من أجل فتح تحقيق في هذا الملف، لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات ضد جميع المتورطين في جرائم الاستغلال التي تمارس ضد هؤلاء الأطفال.

وتكشف الرئيسة للموقع، أنها سترفع شكاية أمام السلطات القضائية، الاثنين القادم، "ضد مختلف الجهات التي لها علاقة من قريب أو بعيد بتشغيل القاصرين"، موضحة أنها "ستقدم كل الدلائل والإثباتات التي حصلت عليها".

بالمقابل، جدد المسؤول الصحي التونسي تأكيده على أن مؤسسة "باستور" تلتزم بتقييم نزاهة المنظمة الحقوقية المذكورة، مشيرا إلى أنه "في حال وجود شكوك بشأن نوايا ضارة أو الإضرار بسمعتنا، فلن نتردد في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة للدفاع عن أنفسنا".

ويوضح المتحدث ذاته أن المعهد "يدين ويرفض عمالة الأطفال، سواء في مجال صيد العقارب أو أي مجال آخر، قد يشكل خطرا على سلامتهم الجسدية والنفسية".

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".