تونس- انتخابات

تعيش الساحة السياسية التونسية حالة من الجدل مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر المقبل، فبينما يتسابق عدد من الشخصيات السياسية والعامة لإعلان الترشح، تتصاعد الانتقادات الموجهة للسلطات بشأن ما يوصف بأنه "حملة تقييد" ضد المنافسين المحتملين للرئيس، قيس سعيد.

وتفاقمت هذه الحالة في ضوء قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بفرض شروط ترشح جديدة، إلى جانب استمرار اعتقال وسجن بعض المرشحين، ما يثير تساؤلات بشأن مدى نزاهة العملية الانتخابية المرتقبة وقدرتها على عكس إرادة التونسيين. 

مرشحون من خلف القضبان

وأعلن الناشط السياسي والوزير السابق، غازي الشواشي، الاثنين، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية من داخل السجن، وذلك بعد أيام من اعتقال الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، الذي أعلن أيضا ترشحه.

وإلى جانب الشواشي والمرايحي، تقبع عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحر والمرشحة البارزة بحسب استطلاعات رأي، أيضا في السجن منذ العام الماضي، بشبهة الإضرار بالأمن العام.

ويقول حزب موسي إنها سُجنت في محاولة لإخراجها من السباق الانتخابي وإبعادها باعتبار أنها مرشحة قوية للغاية. كما يواجه مرشحون آخرون، من بينهم، منذر الزنايدي، وسعيد الصافي، ونزار الشعري، وعبد اللطيف المكي، ملاحقات قضائية في قضايا مختلفة من بينها التدليس والفساد وتبييض الأموال.

وتقول المعارضة التونسية إنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية ما لم يتم إطلاق سراح السياسيين المسجونين والسماح لوسائل الإعلام بالقيام بعملها بحرية دون ضغوط من الحكومة، منتقدة إقرار هيئة الانتخابات لشروط جديدة تقف أمام حق المرشحين المتابعين في السعي للوصول إلى قصر قرطاج.

🔴 إعلان ترشح للانتخابات الرّئاسيّة 2024 🔶️️ المرناقية في 15 جويلية 2024 🔶️ من المحتجز قسرا رقم 302730، الأستاذ غازي...

Posted by Ghazi Chaouachi on Monday, July 15, 2024

أستاذ القانون والباحث في القانون الدستوري، الصغير الزكراوي، يقول إن المناخ العام في تونس "لا يوفر الظروف المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية"، لافتا إلى ما وصفها بـ"حالة الاحتقان التي تمرّ بها البلاد".

ويضيف الزكراوي في تصريح لموقع "الحرة"، أنه بـ"التضييق على المرشحين، بل وسجن بعضهم، يظهر أن السلطة تريد مرشحين على المقاس في ظل الشروط المجحفة التي فرضتها الهيئة للعليا للانتخابات"، والتي عدّها "غير دستورية".

وسيطر سعيد على جميع السلطات تقريبا في عام 2021 بعد أن حل البرلمان وبدأ الحكم بمراسيم في خطوة وصفتها المعارضة بأنها انقلاب، بينما يقول الرئيس إن خطواته كانت قانونية وضرورية لإنهاء سنوات من الفساد المستشري بين النخبة السياسية.

واعتقل الأمن التونسي معارضين بارزين منذ العام الماضي بتهمة التآمر على أمن الدولة في حملة شملت رجال أعمال وسياسيين.

جدل الشروط الجديدة

ومطلع شهر يوليو الحالي، دعا الرئيس التونسي، المواطنين إلى انتخابات رئاسية في 6 أكتوبر، قبل أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن أن تسجيل المرشحين للانتخابات ينطلق في 29 يوليو ويتواصل حتى 6 أغسطس.

وأقرت الهيئة تعديلات جديدة في شروط الانتخابات، قالت إنها تستند على دستور البلاد المعدّل في 2022.

كما ألزمت الهيئة ضمن شروطها الجديدة وجوب حصول المرشح على "بطاقة عدد 3" المتعلقة بالسوابق العدلية، لإثبات عدم وجود موانع قانونية لترشحه، بالإضافة إلى أن يكون المرشح أو المرشحة يوم تقديم ترشحه بالغا من العمر 40 سنة على الأقل، ومتمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية، وفقا للمادة 89 من الدستور.

وواجهت الشروط الجديدة انتقادات واسعة من طرف عدة فعاليات ومنظمات تونسية غير حكومية، بينها منظمة "أنا يقظ"، التي دعت، الثلاثاء، الهيئة إلى "العمل على تيسير حق الترشح للانتخابات الرئاسية عوض عرقلته".

واعتبرت المنظمة في بيان، أن "تتبع الهيئة لبعض المترشحين المحتملين وفق جرائم غير انتخابية ولمن ينتقد عملها، يشكك في حيادها في تعاملها مستقبلا مع المترشحين المتتبعين".

تونس في 16 جويلية 2024 بعد مرور أكثر من عشرة أيام على إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للرزنامة الانتخابية...

Posted by I WATCH Organization on Tuesday, July 16, 2024

بدوره يرى الجامعي التونسي، أن الهيئة بهذه القرارات "تنتصب مكان المشرّع بفرضها شرطا مثل بطاقة السوابق العدلية، وتمارس ولاية عامة على الانتخابات".

وقالت "أنا يقظ" إن "تركيبة هيئة الانتخابات غير دستورية، وتم تسمية أعضائها بطريقة أحادية من رئيس الجمهورية المترشّح المحتمل، وتعمدت منهج الضبابية وعدم نشر القواعد القانونية، ما يضع سلامة المسار الانتخابي على المحكّ".

في نفس السياق، يقول الزكراوي إن هذه الهيئة تتبع لرئاسة الجمهورية وليست مستقلة في عملها، بالتالي تغيب شروط إقامة "انتخابات حرة ونزيهة".

ويلفت إلى أن التضييق على حرية الإعلام وتوقيف بعض المرشحين والتضييق على آخرين، يكشف أن "المناخ لا يسمح بتنظيم انتخابات بالشكل الذي يريده التونسيون".

انتقادات ورد من الهيئة

في المقابل، يقول الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، إن الانتخابات المقبلة تشهد نفس الشروط والإجراءات التي طبقت في المسارات الانتخابية السابقة منذ 2014، وفقا للقانون الإنتخابي للسنة ذاتها.

ويضيف المنصري في تصريح لموقع "الحرة"، أنه جرى إقرار 3 شروط جديدة وردت بدستور البلاد الجديد، وهي شرط السن وشرط الجنسية وشرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك وفقا لمبدأ علوية الدستور.

ووصفت منظمة "أنا يقظ" هذه الإجراءات بـ"المعقّدة"، معتبرة أن وجوب تقديم توكيل خاص لسحب التزكيات خاصة في ما يتعلق بالمترشحين المحتملين القابعين بالسجن، ليس إلا تضييقا على الحق الكوني في الترشح وعرقلة واضحة لممارسة هذا الحق، وفق بلاغها.

وأضافت أن "غياب الشفافية المنتهج من قبل الهيئة وتعمدها عدم نشر القرار المنقح للشروط وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية طيلة اثني عشر يوما رغم تأكيدها أنّ هذا القرار ينفذ حالا منذ الإعلان عنه والانطلاق في العمل به دون نشره يعد مخالفة للمبادئ المتعلقة بسلامة المسار الانتخابي والأمان القانوني".

وأشارت إلى أن "إضفاء شروط شكلية جديدة، يخرج عما قد تعهدت به الهيئة سابقا في أن قرارها لن يتجاوز ما نص عليه دستور سنة 2022، ليس إلا تضييقا على المترشحين ومسا بالممارسات الفضلى في الانتخابات التي تقتضي عدم المساس بقواعد الانتخابات قبل سنة من إجرائها".

وردا على انتقادات غياب الاستقلالية، يقول الناطق الرسمي باسم الهيئة إن هذه الأخيرة كانت "عرضة للاتهامات منذ تأسيسها"، مشيرا إلى أن "الأهم هو وجود ضمانات كبرى لقبول النتائج وشفافية المسار، في ظل وجود منظمات المجتمع المدني والملاحظين وممثلي المترشحين والصحافة والإعلام".

وأكد المسؤول التونسي على أن "أهم ضمانة هي الرقابة القضائية على كامل المسار ورقابة المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات".

وتعليقا على الجدل الدائر بشأن الشروط الجديدة وإن كانت تمثل تضييقا على المرشحين، يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، إن "إقصاء أشخاص راغبين من الترشح والذين لم تصدر في حقهم أي إدانات أو متابعات نهائية من طرف القضاء يمكن أن يعتبر تضييقا سياسيا".

ويؤكد عبد الكبير في حديثه لموقع "الحرة"، أن المناخ السياسي بتونس في "وضع صعب"، في خضم النقاش الجاري بشأن أهلية الترشيح وما يعتبره البعض منعا لخوض الانتخابات.

من جانبه، يرى القيادي في حزب "التيار الشعبي"، جمال مارس، يرى أن القرارات الأخيرة تأتي لملاءمة الدستور الجديد للبلاد، مؤكدا أن خلو السجل العدلي من أي سوابق، "شرط لا بد منه" رغم ادعاء المعارضة بأنه جاء للتضييق على بعض المترشحين.

ويشدد مارس في تصريح لموقع "الحرة"، على أن هذا الشرط "يسري على مختلف الوظائف العمومية بالبلاد"، بالتالي فإن من الأساسي أن يكون يستوفيه أيضا الراغبون في الترشح لرئاسة الجمهورية.

وبشأن المؤاخذات المطروحة والتضييق على الحريات والإعلام وعدم استقلالية الهيئة العليا للانتخابات، يقول إن "تونس في خضم حملة كبيرة لمحاربة الفساد".

ويشير إلى أن السؤال الأساسي في تونس اليوم يتعلق بمدى استقلالية السلطة القضائية، معتبرا أنه من الأجدر الاطلاع على محتوى الملفات المعروضة أمام القضاء والمترشحين للانتخابات.

ويضيف أن نزاهة الانتخابات والمناخ العام يجب أن تتوفر فيه شروط ممارسة الحملة الانتخابية وحق المواطن في الاختيار والتصويت، ويؤكد على أن الانتقادات "تبقى مشروعة كون التجربة الديمقراطية في البلاد ما زالت حديثة".
 
وتابع "خلال فترة الإخوان لعب المال السياسي لعبه واليوم يطمح رئيس الجمهورية لتجاوز ممارسة الديمقراطية بذلك الشكل ومحاولة تنقية المناخ العام من خلال التضييق على المال الفاسد والأجنبي الذي يدخل تونس".

ويذكر المتحدث ذاته بتصريحات لسعيد خلال زيارته لقبر الرئيس السابق، الحبيب بورقيبة، في ذكرى وفاته، حيث أشار إلى أنه "لن يسلم السلطة إلا لمن يستحقها ولا يمكن لمن حكموا خلال العشرية السوداء أن يعودوا للسلطة".

ويضيف مارس أن هذا الكلام "قد يظهر من شق معين كتضييق، لكنه بحث عن تخليق الحياة السياسية بتونس"، مؤكدا "ألا خوف على مستقبل الديمقراطية في تونس في ظل حكم قيس سعيد الذي أثبت قربه من المواطن وحبه لهذا البلد".

أسماء أخرى

وإلى جانب الأسماء التي تقبع بالسجن أو المتابعة أمام القضاء، أعلن القاضي المعفى ورئيس جمعية القضاة التونسيين الشبان، مراد المسعودي، السبت، أنه ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، قائلا: "لدي نية الترشح وهذا من حقي كمواطن تونسي، لا تتعلق به موانع كالحرمان من الحقوق المدنية والسياسية".

من جهته، كشف الأميرال المتقاعد، كمال العكروت، عن تقديم ترشحه للانتخابات الرئاسية. وشغل العكروت منصب قائد سابق للقوات البحرية ومستشار الأمن القومي خلال فترة ولاية الرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، في 5 أكتوبر 2017.

بدوره، أعلن العميد السابق والناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية، هشام المدب، الترشح للانتخابات الرئاسية.

وكشف المسؤول الأمني السابق، في مارس الماضي عبر برنامج مع إذاعة "الجوهرة"، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبرا أن لديه معرفة وخبرة واسعة بالشأن الإداري والأمني، وهو ما قد يساعده كثيرا في إدارة الدولة.

كما كشف الإعلامي والناشط السياسي، نزار الشعري، أيضا أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية.

ونفس الأمر بالنسبة للسياسية، أولفا حمدي، الرئيسة السابقة للخطوط الجوية التونسية ومؤسسة "حزب الجمهورية الثالثة"، والتي يرتقب أن تحول الشروط الجديدة للهيئة ضد ترشحها أيضا، بسبب عدم استيفائها شرط السن، إذ أنها في الـ35 من عمرها.

وانتقدت الشابة التونسية القرار على منصة أكس، معتبرة أنه "غير دستوري، بل وغير قانوني وفقا لقانون الانتخابات الحالي".

وقالت حمدي في منشورها "بينما أشعر بالحزن على فقدان بلدي لنزاهة انتخاباته الرئاسية، لأن مؤسساتنا أصبحت الآن متواطئة في إضعاف سيادة القانون، إلا أنني ما زلت أصلي من أجل شعبي وبلدي وأعتقد أننا سنظل نجد طريقة لإحياء حريتنا وديمقراطيتنا".

من جهته، أكد أخصائي أمراض القلب و الشرايين في تونس، ذاكر الله الأهيذب، نيته للترشح للانتخابات الرئاسية. ونشر الدكتور التونسي، الاثنين، البيان الانتخابي وملخصا لبرنامجه، على صفحته على فيسبوك.

واعتبر الأهيذب أنه يتقدم بالترشح لمنصب الرئيس "من منطلق الغيرة على البلد، وإيمانا منه بحساسية اللحظة". 

بدوره، أعلن الباحث والكاتب والناشط السياسي، سامي الجلولي، اعتزامه الترشح في الانتخابات المقبلة.

تعليقا على هذه الترشيحات، يقول الزكراوي، إن عددا كبيرا من الأشخاص تقدموا بترشحهم للانتخابات الرئاسية، مشيرا إلى أن "حظوظهم في التنافس قائمة"، غير أنه يكشف أن  "أسماء أخرى مهمّة" ستخوض غمار هذه الانتخابات وستكشف عن ذلك خلال الأيام المقبلة.

مسلحون قرب سجن صيدنايا
مسلحون قرب سجن صيدنايا السوري (رويترز)

انهيار نظام الأسد في سوريا وما رافقه من "تحرير" للمعتقلين في عدة سجون، أطلق المخاوف في تونس من مغبة عودة عشرات المواطنين الذين قاتلوا بصفوف التنظيمات المتشددة في سوريا خلال الأعوام الأخيرة، ووقعوا في قبضة نظام بشار الأسد أو علقوا في المدن والمحافظات التي كانت تخضع لسيطرة قوى المعارضة بمختلف تشكيلاتها.

الباحث في معهد واشنطن، مؤلف كتاب "المقاتلون الأجانب التونسيون في العراق وسوريا"، هارون زيان، قدّر عام 2018 عدد التونسيين الملتحقين بصفوف التنظيمات المتشددة في مناطق النزاع السورية بـ 2900 شخص.

أما التقديرات الرسمية في تونس، فتشير إلى التحاق نحو ألف شخص، توجد أسماؤهم في سجلات وزارة الداخلية التونسية، ببؤر القتال في سوريا منذ عام 2012.

ويزيد تضارب الأرقام المتعلقة بالعدد الحقيقي للتونسيين الذين قاتلوا في سوريا، هواجس عدة أوساط في تونس بشأن احتمالات عودتهم، وذلك من خلال تسللهم عبر الحدود البرية من بلدان مجاورة، أو بهويات مزورة عبر المعابر الرسمية .

سوريا بعد فرار الأسد.. صراعات نفوذ ومخاوف كردية
أثار الانهيار السريع لنظام بشار الأسد، الذي أنهى أكثر من خمسين عامًا من حكم عائلة الأسد وحزب البعث في سوريا، مخاوف من اندلاع فوضى شاملة. في المقابل، تزايدت الدعوات إلى الإسراع بعملية انتقال سلسة وسلمية للسلطة، مع تأكيد تيارات كردية استعدادها للمشاركة الفعالة في الحكومة السورية الجديدة، بما يضمن حقوق المكون الكردي ويسهم في استقرار البلاد.

"من يعود مسلحا سيواجَه بسلاح الدولة"

المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة (منظمة غير حكومية)، أصدر بيانا حذر فيه من "العودة الكثيفة لآلاف الأشخاص الذين تم تسفيرهم إلى سوريا بمساعدة الإسلاميين المتطرفين التونسيين".

وأضاف: "الآن، وقد تم إطلاق سراحهم من السجون السورية، يدعو المرصد السلطات التونسية إلى توخي الحذر الشديد من عودتهم إلى البلاد ورسم الخطط الحكيمة للتعاطي معهم، ليس فقط لما يمثلونه من خطر تطرف عنيف على مدنية الدولة التونسية، بل أيضا لما يمكن أن يكونوا مكلفين به من قبل أطراف استعمارية متسلطة".

موقف المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، تسنده مواقف عدد من المختصين في شؤون الجماعات الدينية المتشددة، حيث أكد الخبير العسكري، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب (هيئة حكومية)، العميد مختار بن نصر، في تصريح للحرة، أن عودة المقاتلين المتشددين بعد الأحداث الأخيرة في سوريا "يشكل تهديدا خطيرا ليس على تونس فحسب، بل على المنطقة المغاربية ككل".

وأشار إلى أن "الأعداد المحتملة للمقاتلين التونسيين بالآلاف، بالنظر إلى وجود أسر كاملة لهؤلاء المقاتلين عالقة في سوريا، وقد توسعت خلال الأعوام الأخيرة".

روسيا لديها قوات في طرطوس- أ ب
الوجود العسكري الروسي في سوريا.. مؤشرات "حذر" وعدم يقين
لا يزال مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا غامضا بعد سقوط نظام حليفهم البارز بشار الأسد، حيث أوضح رئيس الحكومة السورية في النظام السابق، والمستمر في منصبه، أن السلطات السورية الجديدة هي من ستنظر في موقف تلك القواعد.

ويرجح بن نصر أن "تكون ليبيا البوابة الرئيسية لتسلل المقاتلين العائدين من سوريا إلى تونس، وذلك بالنظر إلى الوضع الأمني الهش في ليبيا، فضلا عن وجود حواضن تنظيمية للمقاتلين المتشددين، كتنظيم أنصار الشريعة التونسي، الذي احتمى عدد من قياداته بتنظيم أنصار الشريعة الليبي، إثر تصنيفه تنظيما إرهابيا في تونس".

كما حذر الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، من احتمال تسلل المتشددين العائدين من سوريا، عبر منطقة جنوبي الصحراء المتاخمة إلى تونس، والتي يتسلل منها مئات المهاجرين غير الشرعيين "تحت غطاء أجهزة إقليمية ودولية"، حسب قوله.

ونبه أيضا إلى وجود تنظيمات دينية متشددة استأنفت نشاطها في تونس خلال الفترة الأخيرة، والتي دعت إلى "إقامة دولة الخلافة"، معتبرا أنها "يمكن أن تكون حاضنة للمقاتلين المتشددين العائدين من الخارج" .

ولم تعلق السلطات في تونس رسميا على المخاوف من احتمال عودة المقاتلين التونسيين، إلا أن قوى داعمة للسلطة أكدت أن الأجهزة الأمنية والقضائية "ستكون بالمرصاد" لأي خطر يمكن أن يشكله "تحرير" المتشددين من السجون السورية وعودتهم إلى تونس.

وفي هذا السياق، قال المحامي أحمد الركروكي، القيادي في مسار 25 يوليو المؤيد للسلطة، في تصريح للحرة: "الدولة التونسية جاهزة ولا تخاف، فمن عاد عن طريق مطاراتها سيتم التحقيق معه والتأكد مما إذا كان متورطا في جرائم إرهابية، وسيتولى القضاء أمره في إطار محاكمة عادلة، أما من قدم متسللا عبر الحدود حاملا سلاحه، فسيُواجه بسلاح الدولة".

ويعزوا مراقبون عدم توفر بيانات واضحة حول هويات وأعداد المقاتلين التونسيين المتشددين في سوريا، إلى قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا الذي اتخذه الرئيس الأسبق منصف المرزوقي في فبراير 2012، وما تبع ذلك من توقف للتعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلدين.

وحتى بعد إعادة الرئيس قيس سعيد للعلاقة بين تونس وسوريا منذ بداية العام الماضي، فإن ذلك لم يثمر عن تسليم سوريا لتونس بعض المتشددين المطلوبين المحبوسين في سجونها، ولا تسليم قاعدة بيانات بهذا الشأن، حسب مقربين من السلطة.

انتقال "منفذي عمليات إرهابية كبرى" إلى سوريا 

وتفيد تحقيقات الأجهزة الأمنية والقضائية في تونس، أن عددا من المتورطين في تنفيذ عمليات إرهابية كبرى في تونس، منذ ثورة يناير عام 2011، التحقوا بعد تهريبهم بصفوف تنظيم "داعش" الذي كان يسيطر على بعض المدن السورية، مثل الرقة.

وكشفت تحقيقات رسمية عن هروب عدد من المشاركين في التخطيط للهجوم على متحف باردو وسط العاصمة تونس في مارس 2015، إلى سوريا، بالإضافة إلى عدد من المتورطين في الهجوم الدموي على نزل "الإمبريال" بمحافظة سوسة شرقي تونس في العام ذاته، والذي أسفر عن مقتل 40 شخصا جلهم من السياح البريطانيين.

وفي 2013، قتل مسلحون تابعون لتنظيم "أنصار الشريعة" الذي كان يدين بالولاء لتنظيم القاعدة، قبل أن تلتحق جل قياداته بتنظيم "داعش"، السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وكشفت التحقيقات أن عددا من مخططي ومنفذي الجريمتين ظهروا لاحقا في تسجيلات مصورة وهم يقاتلون إلى جانب التنظيمات الإرهابية في سوريا، من بينهم القيادي في التنظيم أبو بكر الحكيم، الذي قتل في غارة أميركية على مدينة الرقة في ديسمبر 2016.

أما الهجوم الذي نفذه مسلحون على مدينة بن قردان التونسية على الحدود مع ليبيا يوم 7 مارس 2016 انطلاقا من التراب الليبي، والذي يصنف كأكبر هجوم إرهابي تتعرض له تونس خلال العشرية الأخيرة، فحمل أيضا آثار المتشددين التونسيين الذين قاتلوا في صفوف داعش بسوريا، وفقا لما كشفته التحقيقات لاحقا.

وأكدت التحقيقات تلقي عدد من منفذي الهجوم تدريبات في معسكرات داخل سوريا قبل عودتهم إلى ليبيا، تزامنا مع تضييق الخناق على تنظيم داعش في عدد من المدن السورية منذ عام 2015.

أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام بعد سقوط الأسد
الجولاني و"هيئة تحرير الشام".. هل يمكن إزالتهما من "لائحة الإرهاب" الأميركية؟
باتت هيئة تحرير الشام، وزعيمها، أبو محمد الجولاني، في صدارة المشهد السوري، بعد أن قادت المعارضة التي أطاحت حكم الرئيس السوري، بشار الأسد، وفي ظل هذا الوضع، طرحت تساؤلات عن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الحركة، التي تصنفها واشنطن "إرهابية"، وكذلك زعيمها الذي وضعته من قبل على لائحة الإرهاب


ملف "تسفير الجهاديين" إلى سوريا

في سبتمبر 2022، أمرت النيابة العامة في تونس بفتح تحقيق في قضية "تسفير" التونسيين للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في الخارج.

وشملت التحقيقات في هذه القضية، نحو 100 شخصية سياسية وأمنية، على رأسهم القيادي في حزب النهضة الإسلامي علي العريض، الذي كان وزيرا للداخلية بين عامي 2011 و2012، قبل تكليفه برئاسة الحكومة حتى 2014، في ذروة فترة التحاق مئات التونسيين المتشددين للقتال في الخارج.

وتم اعتقال العريض وأصدر القضاء أمرا بسجنه على ذمة التحقيق في قضية "تسفير الجهاديين" إلى الخارج، في ديسمبر 2022.

كما شملت التحقيقات في قضية تسفير المقاتلين، رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي المعتقل على ذمة قضايا عدة منذ أبريل من العام الماضي، إلى جانب رئيس جهاز المخابرات الأسبق الأزهر لونغو، وعدد من القيادات الأمنية التي عملت طوال الأعوام التي قاد فيها حزب النهضة الإسلامي الحكم في البلاد.

ويجرم قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الصادر عام 2015، الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج، وارتكاب جرائم تصنف إرهابية.

وينص الفصل التاسع من هذا القانون على عقوبات تتراوح بين 20 عاما والسجن مدى الحياة والإعدام، لكل من ينتمي إلى تنظيم إرهابي ويرتكب جرائم إرهابية.

ويشمل التجريم في هذا القانون، كل من ينتمي أو يبايع أو يحمل راية التنظيمات الإرهابية، وكل من يقدم لها المساعدة والعون المادي والمعنوي، بما في ذلك تسفير المقاتلين .

وفي عام 2017، قضت محكمة تونسية بالسجن 20 سنة على أحد العائدين من سوريا بعد أن ثبت انتمائه لتنظيم داعش الإرهابي.