تونس

ارتفاع ضحايا "الذكورية المتأزمة" في تونس

زيد الزايدي - تونس
03 أكتوبر 2024

لم يمض على زواجها سوى بضعة أشهر حتى وجدت سالمة (اسم مستعار)، وهي من محافظة الكاف شمال غربي تونس، نفسها تواجه حياة زوجية مليئة بالعنف، حيث ينتهي كل خلاف مع زوجها بتعرضها للضرب والشتم، ولا تجد سبيلا أمامها سوى الفرار إلى بيت عائلتها.

تقول سالمة (27 سنة)، في حديثها لـ "أصوات مغاربية"، إن الحب الذي رفع سقف أحلامها بعيش حياة عائلية هادئة بعد الزواج سرعان ما تبخر بمجرد الوقوف على حقيقة زوجها.

فبسبب طباعه الحادة، تعطلت لغة الحوار بينهما وحل محلها العنف اللفظي والجسدي، وما ضاعف معاناتها هو أنها من بيئة محافظة ترفض اللجوء إلى القضاء لحل الخلافات الزوجية وتعتبر هذه الخطوة بمثابة عار سيلحق بالعائلة.

وتضيف سالمة أنها قررت مواجهة زوجها وأهلها بالذهاب إلى القضاء لطلب الطلاق ووضع حد لزواج تصفه بـ"الفاشل"، مشيرة إلى أن آثار العنف لاتزال بادية على جسدها.

وتشدد أن الطلاق هو الحل الوحيد للتخلص من كابوس العودة إلى بيت الزوجية، حتى وإن عارض الجميع هذه الخطوة.

ورغم القوانين التي سعت السلطات التونسية إلى إرسائها بهدف الحد من العنف المسلط على النساء فإن وتيرة التعنيف استمرت.

وكان تقرير صدر عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" صدر في أواخر سبتمبر 2024، كشف أن العنف النفسي هو أكثر انواع العنف المسلط على النساء في تونس.

وقد بلغت نسبته 44.4 % تلتها نسبة العنف اللفظي بـ26.7% ثم العنف الجنسي ب15.6 % والعنف الاقتصادي بـ11.4 % ثم العنف الجسدي بـ5.3 %، وفق تقرير المركز الحكومي.

وقدرت نسبة الزوجات المعنفات، وفق التقرير واستنادا إلى تصريحات المستجوبات، 41.8 % وهي نسبة مرتفعة يليها العنف في الأماكن العمومية بـ 28.1 %، فيما بلغت نسبة النساء المتعرضات للعنف في الوسطين العائلي والزوجي 58 % أي أكثر من النصف.

ارتفاع جرائم قتل النساء

في 9 سبتمبر 2024، أصدرت جمعية "أصوات نساء"(جمعية حقوقية نسوية) بيانا أكدت فيه تسجيل 20 جريمة قتل نساء منذ بداية 2024، مشيرة إلى أن ذلك "يعكس واقعا مأساويا يتفاقم يوما بعد يوم، حيث تزداد وتيرة هذه الجرائم بشكل يثير القلق".

وتؤكد الجمعية أنه تم تسجيل 25 جريمة قتل نساء على امتداد 2023، وأغلب ضحاياها من المتزوجات بنسبة تفوق 71٪.

في هذا الإطار، ترجع منسقة "مرصد الحق في الاختلاف" (جمعية حقوقية)، سلوى غريسة، أسباب تزايد وتيرة العنف المسلط على النساء إلى تنامي الفقر والبطالة في البلاد، وارتفاع الضغط الأسري في مجابهة تكاليف المعيشة، فضلا عن ازدياد خطاب الكراهية والتحريض على العنف داخل المجتمع وفي منصات التواصل الاجتماعي.

وتردف قائلة، لـ"أصوات مغاربية"، إن هناك عيوب عدة تشوب الإجراءات الأمنية والقضائية، وتتمثل في نقص الوسائل والإمكانيات لمجابهة الملفات المتعلقة بالعنف ضد المرأة.

وتلفت غريسة إلى أن الأرقام غير المعلنة عن حالات القتل والعنف ضد النساء أزيد من المعلنة، وذلك بالنظر إلى تحفظ بعض العائلات عن التبليغ عن مثل هذه الحالات.

وتتابع الناشطة الحقوقية، في سياق حديثها عن القوانين التي أقرتها تونس في هذا الخصوص، بأنه من الجيد إقرار قوانين لكن الإشكاليات تكمن في آليات التنفيذ، التي لاتزال دون المستوى المطلوب للحد من ظاهرة العنف ضد النساء.

وكان البرلمان التونسي قد تبنى في العام 2017 قانونا لمناهضة العنف ضد المرأة، وُصف بـ"الثوري" آنذاك، لكن طريقة تطبيقه تواجه انتقادات واسعة.

ففضلا عن العقوبات المادية والسجنية المشددة على المخالفين، يفرض هذا القانون على السلطات الحكومية تأمين الحماية للمعنفات، علاوة على توفير الرعاية الصحية والنفسية والقانونية في مواجهة ظاهرة العنف.

كما يلزم القانون السلطات بتوفير "الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف الممارس ضد المرأة بما يكفل أمنها وسلامتها وحرمتها الجسدية والنفسية".

غياب الإرادة السياسية في تفعيل القوانين

تقول الناشطة الحقوقية، سوسن الجعدي، إنه مقارنة ببقية الدول العربية تتمتع النساء في تونس بترسانة من القوانين التي من شأنها حمايتها من كل أشكال العنف وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين في ظل دولة مدنية تضمن الحقوق وتحمي الحريات، غير أن هذه القوانين تبقى غير ناجعة ومعطلة في غياب الإرادة السياسية.

وتضيف، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أنه لا جدوى من هذه الأطر القانونية والاستراتيجيات الرامية لمناهضة العنف المسلط على النساء، إن لم تُخصّص لها الميزانيات اللازمة وإن لم يقع توفير التكوين والمتابعة لمختلف المتدخلين.

وتتابع الحقوقية بأنه إن كان القانون 58 لسنة 2017 والذي يرمي إلى مناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي مكسبا ضمن عديد القوانين التي وقع سنها بعد الثورة التي عززت حقوق النساء، إلا أن ارتفاع منسوب العنف ضد النساء والفتيات يشي بإخلالات مؤسسات الدولة في تطبيقه، وفي صعوبة ولوج النساء للعدالة وضعف الحماية والتوجيه يظهر قصور القانون في حمايتهن.

وتبعا لذلك، توصي المتحدثة، بأهمية أن تكون البرامج التعليمية والمحتوى الثقافي والإعلامي مناهضا للعنف ولكل أشكال التمييز ومرسخا لثقافة المساواة، مشددة على أن القوانين وحدها لا تكفي لمعالجة علاقات الهيمنة لـ "ذكورية متأزمة" ولمجتمع لم يستوعب كفاية قيم الحداثة وحقوق الإنسان ولايزال يطبّع مع العنف ضد النساء ويبرره، ويحدث أن تطبّع النساء مع العنف وذاك الأخطر، وفقها.

وجاءت تونس في المركز 115 عالميا من بين 146 دولة في تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في يونيو 2024.

وخلال السنوات الأخيرة كثفت السلطات التونسية، عبر خطة لمكافحة تنامي العنف ضد المرأة، من إحداث مراكز مختصة لإيواء النساء ضحايا العنف والأطفال المرافقين وذلك بمختلف محافظات البلاد. 

زيد الزايدي

سفينتان حربيتان أميركيتان في البحر المتوسط - AFP
سفينتان حربيتان أميركيتان في البحر المتوسط - AFP

تستضيف تونس، بداية من الثلاثاء إلى غاية منتصف نوفبر، التمرين البحري "فينكيس إكسبرس 24"، بمشاركة نحو 1100 عسكري وملاحظ ينتمون إلى الولايات المتحدة والدول المغاربية الخمسة وبلدان إفريقية وأوروبية.

وتضم القائمة الكاملة للمشاركين في التمرين ممثلين عن جيوش 12 دولة هي تونس البلد المستضيف والولايات المتحدة والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا والسنغال وتركيا وإيطاليا ومالطا وبلجيكا وجورجيا.

وتشارك تونس في التمرين بتسع بواخر عسكرية ضمن هذا النشاط المشترك الذي "يهدف إلى تدعيم التعاون والتنسيق بين الطواقم البحريّة وتدريب الأفراد وتعزيز قدراتهم على حسن استعمال المنظومات والمعدّات والوسائل البحريّة وتطوير مهاراتهم في التصدّي للأعمال غير المشروعة بالبحر ولكلّ أشكال التهديدات والجرائم المنظمة كالتهريب والاتجار بالبشر، حفاظا على أمن المتوسّط واستقراره"، وفق بلاغ لوزارة الدفاع التونسية.

ما هو تدريب "فينيكس إكسبرس"؟

وفينيكس اكسبريس هو تمرين بحري متعدد الجنسيات برعاية القيادة الأفريقية الأميركية "أفريكوم".

ويُعد التمرين واحدًا من تمارين بحرية إقليمية تنفذها القوات البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا كجزء من إستراتيجية شاملة لتوفير فرص التعاون بين القوات الأفريقية والشركاء الدوليين لمواجهة المخاوف المتعلقة بالأمن البحري.

وأفادت الدفاع التونسية بأنه سيتم على هامش التمرين "تنظيم دروس نظرية وورشات عمل تطبيقية لفائدة المشاركين في عدّة مجالات بحرية، على غرار زيارة وتفتيش السفن وتقنيات الغوص والاستعلامات البحريّة ومقاومة الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة والإسناد الصحّي والمساعفة والقوانين المنظمة للأنشطة البحريّة".

وبحسب موقع القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا فإن التمرين  يركز على "التعاون الإقليمي، والوعي بالمجال البحري، وممارسات تبادل المعلومات، والقدرات التشغيلية لتعزيز الجهود التي تسهم في الأمن والسلامة في البحر الأبيض المتوسط والمياه الإقليمية للدول الإفريقية المشاركة".

ويسعى التمرين إلى "تنسيق أفضل والاستعداد للسيناريوهات الواقعية المحتملة"، وفق القيادة الأميركية بإفريقيا التي تشدد على أن الأمن البحري هو "عنصر حيوي لاستقرار إفريقيا"، موضحة أن 38 من أصل 54 دولة إفريقية هي دول ساحلية، في وقت تتم فيه  90 في المئة من التجارة العالمية عبر المحيطات، ويمر ما يقارب ثلث هذه التجارة عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث يجري التمرين.