انتخابات في تونس
قيس سعيد بفاز بنسبة 78 بالمئة من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية السابقة (أرشيف)

فتحت مراكز الاقتراع في تونس أبوابها عند الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي (7 بتوقيت غرينتش) أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها 3 مرشحين، هم الرئيس الحالي، قيس سعيّد، وأمين عام حركة الشعب القومية، زهير المغراوي، ورئيس حركة عازمون الليبيرالية، العياشي زمال.

ويخوض زمال الانتخابات من داخل السجن بعد اعتقاله بداية سبتمبر الماضي، بتهم تزوير التزكيات الشعبية الخاصة بالانتخابات.

ويقدر عدد الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي بـ 9 ملايين و753 ألف ناخب، من بينهم 642 ألف ناخب بالخارج شرعوا في التصويت منذ الجمعة.

ومن المتوقع أن تغلق مراكز الاقتراع أبوابها عند السادسة مساء بالتوقيت المحلي (الخامسة بتوقيت غرينتش).

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل. وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

احتجاجات معارضة لسعيّد قبل يومين من انتخابات الرئاسة التونسية
تظاهر مئات التونسيين في العاصمة، الجمعة، مصعدين احتجاجاتهم ضد الرئيس، قيس سعيد، قبل يومين من الانتخابات الرئاسية التي يقولون إنها دون مصداقية وغير نزيهة استخدم فيها سعيد القضاء وهيئة الانتخابات لإقصاء منافسيه بهدف البقاء في السلطة.

وحسب وكالة فرانس، لا يزال سعيّد الذي انتُخب بما يقرب من 73 بالمئة من أصوات الناخبين عام 2019، يتمتّع بشعبية حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحل البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور 5 سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لـ"تصفية الحسابات مع خصومه"، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ، الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الراحل، زين بن علي، عام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون، ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي"، من خلال "تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين"، حسب فرانس برس.

ورأى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري، أن نسبة المقاطعة "ستكون على ما يبدو كبيرة"، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية 2022 وبداية 2023، التي بلغت نسبة المشاركة خلالها 11,7بالمئة فقط.

وأضاف في حديثه لوكالة فرانس برس، أن "المواطنين ليسوا متحمسين للغاية لهذه الانتخابات، ويخشى الكثيرون من أن ولاية جديدة لسعيّد لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والانجراف الاستبدادي للنظام".

نورالدين الطبوبي يقود الاتحاد منذ 2017.
تونس.. أزمات داخلية وخارجية تعصف بالاتحاد العام للشغل
يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي لعب على امتداد سنوات ما بعد الثورة التونسية، بصفته أكبر منظمة نقابية في تونس، أدوارا بارزة في مراحل شهدت أزمات سياسية واجتماعية، على وقع صراعات داخلية بين نقابييه وخلافات خارجية مع الحكومة بشأن المطالب النقابية، وهو ما فتح النقاش بشأن مدى قدرته على التأثير في الشارع التونسي.

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا: "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

وفي الطرف المقابل، حذّر رمزي الجبابلي، مدير حملة زمال، "في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات" بمؤتمر صحفي، الجمعة، بالقول: "إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كان عليه الحال عام 2019.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد، حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.  

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس، الجمعة، للتنديد بـ"القمع المتزايد"، مطالبين بإنهاء حكم سعيّد.

وقال محمد، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل وبالغ من العمر 22 عاما، لوكالة فرانس برس، إن "لا فائدة من الانتخابات" في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وبالخصوص غلاء المعيشة.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية او لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.

وقفة احتجاجية لبعض المبلغين عن الفساد أمام مقر وزارة العدل بتونس
وقفة احتجاجية لبعض المبلغين عن الفساد أمام مقر وزارة العدل بتونس

لا شيء يمحو خيبة الأمل والشعور بالإحباط الذي يساورني الآن، فقد بلّغت عن فساد وسوء تصرف في الأراضي الدولية (تحتكر الدولة حق ملكيتها) بمحافظة سليانة (شمال غربي تونس)، فوجدت نفسي ملاحقا قضائيا و محكوما بالسجن" هكذا تحدث أكرم الأبيض (41 سنة) لـ"الحرة "عن تجربته كمبلّغ عن الفساد في تونس. 

ويعد أكرم واحدا من بين كثيرين اعتصموا أمام مقر وزارة العدل بتونس، للتنديد بأعمال "الهرسلة والتنكيل" التي طالتهم عقب تبليغهم عن الفساد وللمطالبة بتفعيل قانون يحميهم والنظر في ملفات تقدموا بها إلى السلطات التونسية لتتبع المخالفين.

وأحدثت تونس في أعقاب ثورة 2011، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (هيئة دستورية) مهمتها التحقيق وجمع المعلومات عن الرشوة والفساد في جميع أجهزة الدولة، غير أن تعليق نشاطها في أغسطس 2021 بعد التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد، رفع وتيرة تشكيات شق واسع من المبلّغين عن الفساد مما يعتبرونه مضايقات وتتبعات قضائية فضلا عن فصل بعضهم عن العمل.

أكرم الابيض مبلّغ عن الفساد خلال تنفيذه لاعتصام أمام مقر وزارة العدل بتونس

تنكيل بالمبلغين

ورغم أن القانون التونسي لسنة 2017 ينص على ضرورة الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين، ويوفر للمبلّغ عن الفساد الحماية "من أيّ شكل من أشكال الانتقام، أو التمييز أو الترهيب أو القمع، كما تتم حمايته من أي ملاحقة جزائية أو مدنية أو إدارية"، فإن عددا من المبلغين باتوا عرضة للتنكيل والمحاكمة، وفق ما كشف عنه أكرم الأبيض.

ويوضح قائلا: من منطلق غيرتي على الوطن ومناهضة الفساد، تقدمت سنة 2021 بملف حول فساد وسوء تصرف بعض المستثمرين في الأراضي الدولية مدعوما بالحجج والوثائق، ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني من تتبعات قضائية وصلت حد الحكم علي بالسجن، ورغم أني تلقيت وعودا من وزيرة العدل وعدد من المسؤولين بحماية المبلغين وإعادة فتح الملف من جديد غير أنه لم يتغير شيء".

ويشدد المتحدث على أنه رفقة مجموعة من شباب محافظة سليانة يواجهون أحكاما "جائرة وظالمة" نتيجة التبليغ عن الفساد داعيا رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة للتدخل ومحاسبة كل المخالفين.

قصة أكرم الأبيض ورفاقه لا تختلف كثيرا عن حكاية حاتم الرصايصي (57 سنة) وهو إطار سابق بمحكمة المحاسبات بتونس، حيث تم تجميد نشاطه، ثم طرده من العمل جراء تبليغه في 2011 عن "تجاوزات وإخلالات" بهذه المحكمة.

حاتم الرصايصي أحد المبلّغين عن الفساد خلال وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة العدل

يتحدث الرصايصي لـ "الحرة" فيقول: قمت بالتبليغ عن تقارير رقابية داخلية تتعلق بتجاوزات وجرائم حق عام لم يتم إرسالها إلى النيابة العمومية فتم هرسلتي والتشهير بي وتجميد نشاطي، لتقرر الإدارة إيقافي عن العمل في 2013 بعد مسيرة مهنية ناهزت 30 سنة".

ويتابع في السياق ذاته، أنه نتيجة لهذا الإجراء الإداري لم يحصل على راتبه الشهري منذ ما يزيد عن 11 سنة، مضيفا أن التحركات الاحتجاجية التي ينفذها عدد من المبلغين عن الفساد تأتي للمطالبة بتسوية وضعيات الموقوفين عن العمل وانصافهم وفتح ملفات الفساد التي تم التبليغ عنها.

ويقر الرئيس قيس سعيّد بأن المبلغين عن الفساد  يدفعون "ثمنا باهظا" إذ سبق وأن أكد خلال لقاء جمعه بوزيرة العدل ليلى جفال في 8 ماي 2023، "أن عديد القرائن تفيد بأن المبلّغين عن الفساد يدفعون الثمن باهظا نتيجة فضحهم ممارسات عدد من الأشخاص الذين يعتقدون أنهم فوق القانون".

استشراء الفساد

ولا تقتصر مطالب المبلغين عن الفساد على توفير الحماية القانونية والأمنية لهم، بل تشمل أيضا إحياء دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وسن تشريعات جديدة لمجابهة الفاسدين في مختلف أجهزة الدولة.

وفي هذا الخصوص، يقول رئيس الجمعية التونسية للمبلغين عن الفساد (جمعية رقابية غير حكومية) أشرف بن عائشة: "إن تتالي الاحتجاجات يعكس حجم الإبادة التي يتعرض لها المبلغون عن الفساد بسبب عدم تقديم الحماية اللازمة لهم ومتابعة القضايا الكيدية المرفوعة ضدهم".

ويضيف لـ"الحرة" بأن تعليق نشاط الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رغم الأخطاء التي ارتكبها بعض أعضائها رفع في منسوب الخوف من تبعات التبليغ عن الفساد مؤكدا أن عدد المبلغين في تونس في السنوات الأخيرة يقدر بنحو 600 مبلغ، في حين بلغ عدد الملفات التي تم تقديمها لهيئة مكافحة الفساد ما يناهز 3 آلاف ملف.

ويحذر أشرف بن عائشة من أن تكريس سياسة الإفلات من العقاب وتضييق الخناق على المبلغين سيدفع فئة كبيرة من التونسيين للتراجع عن دورهم في مكافحة الفساد، داعيا لسن تشريعات إضافية وتوفير الآليات لتحقيق النجاعة في مجابهة هذه الظاهرة.

وكان الرئيس قيس سعيّد قد تعهد أثناء أدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان يوم 21 أكتوبر الماضي، تمهيدا لعهدة رئاسية ثانية، بمواصلة ما يصفها بالحرب على الفساد والتي لطالما ضمنها في أغلب تصريحاته وخطاباته خلال عهدته الرئاسية الأولى.

وفي ديسمبر 2023 قال الرئيس سعيّد إنه يتلقى يوميا عشرات ملفات الفساد وتشمل عدة قطاعات كالنقل والصحة والأدوية وأملاك الدولة والصفقات العمومية والمواد الأساسية، منتقدا في المقابل ما يعتبره بطء القضاء في البتّ فيها.

مبادرة تشريعية

ورغم ترسانة التشريعات المتعلقة بالحوكمة ومكافحة الفساد والتصريح بالمكاسب والمصالح وتبييض الأموال والنفاذ إلى المعلومة والقطب القضائي الاقتصادي والمالي التي تم سنها سابقا، فإن هذه القوانين تحتاج إلى التفعيل على أرض الواقع، وفق ما يراه عضو لجنة تنظيم الإدارة والحوكمة ومكافحة الفساد بالبرلمان التونسي صابر المصمودي.

ويؤكد المصمودي لـ"الحرة" أنه عقب لقاء لجنة تنظيم الإدارة بممثلي جمعيات ومبلغين عن الفساد في ماي الماضي، يعكف مجموعة من النواب على صياغة مبادرة تشريعية جديدة تتعلق بتنقيح القانون عدد 10 لسنة 2017 المتعلق التبليغ عن الفساد وحماية المبلغين.

ويتابع بأن مقترح القانون الجديد الذي سيتم عرضه خلال الأسابيع القادمة على مكتب البرلمان يتضمن المطالبة بإحداث هيكل في رئاسة الحكومة يعنى بآليات سياسة مكافحة الفساد وحماية المبلغين، فضلا عن ترشيد عملية التبليغ وتوعية المبلغين بهدف حثهم على ضرورة الاستظهار بكل المؤيدات التي تدعم جدية الملف المقدم.

كما سيتم العمل على مراجعة الإجراء المتعلق بالطعن في توفير حماية للمبلغين الذي كان من اختصاص المحكمة الإدارية وإسناد هذا الاختصاص إلى الهيكل الجديد إلى جانب التنصيص على تمكين المبلّغ عن الفساد من مكافأة ماليّة وفق ما كان تقتضيه المادة 28 من القانون المتعلق بحماية المبلغين عن الفساد.

يشار إلى أن تونس حلت في المرتبة 87 عالميا من أصل 180 دولة متحصلة بذلك على 40 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد، بحسب تقرير أنجزته منظمة "أنا يقظ" (رقابية غير حكومية) بالشراكة مع منظمة الشفافية الدولية في عام 2023.

المصدر: الحرة