تونسيون في طريقهم للتصويت في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل
تونسيون في طريقهم للتصويت في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل

شهدت تونس الأحد اقتراعا رئاسيا مثيرا للجدل، حيث يتنافس ثلاثة مرشحين، أحدهم مسجون، في انتخابات تقول المعارضة إنها "ليست نزيهة".

القيادي في حركة "مواطنون ضد الانقلاب"، أحمد الغيلوفي، انتقد بشدة العملية الانتخابية، وقال في مقابلة مع قناة "الحرة" أن الجو السياسي الذي سبق الانتخابات كان "غير طبيعي" وأن سجن معظم القيادات المعارضة الفاعلة يثير الشكوك حول شرعية هذه الانتخابات.

وأشار الغيلوفي إلى أن الهيئة العليا للانتخابات، التي كان يجب أن تكون مستقلة، عين الرئيس قيس سعيد أعضاءها بنفسه، "وهو ما يعتبر سابقة خطيرة تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية".

وعشية اليوم المقرر للإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، أفاد التلفزيون التونسي أن استطلاعا للرأي أظهر فوز سعيد بنسبة 89.2 في المئة من الأصوات.

وفي تعليقه على نتائج الاستطلاع، اعتبر المحلل السياسي حاتم النفطي في تصريح لفرانس برس أن "شرعية الانتخابات مشوهة بعد أن تم استبعاد المرشحين البارزين".

وتابع النفطي "تعد هذه المشاركة الأسوأ منذ عام 2011. وبافتراض صحة النتائج، فهذا يعني أن سعيّد حافظ على نفس حجم القاعدة الانتخابية" منذ العام 2019.

عزوف الناخبين

وأشار الغيلوفي إلى أن عزوف الناخبين عن التصويت كان ملحوظا بشكل كبير، وأضاف أن "الكل يعلم أن النتيجة محسومة مسبقا خاصة بالإجراءات التي اتخذتها السلطة ووزارة العدل وقيس سعيد".

وبلغت نسبة المشاركة، وفقا للهيئة العليا للانتخابات، بعد إغلاق مراكز الاقتراع 27.7 في المئة وهي نسبة أقل بكثير من نسبة المشاركة التي شهدتها جولة إعادة الانتخابات الرئاسية في عام 2019، والتي بلغت 55 في المئة.

لجنة انتخابية تونسية

وقال الغيلوفي: "الشباب، الذين كانوا يشاركون بكثافة في الانتخابات السابقة، اليوم غابوا عن المشهد الانتخابي تماما".

وأضاف أن اليأس من التغيير عبر صناديق الاقتراع هو السبب الرئيسي لهذا العزوف، خاصة بعد الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد ابتداء من 2021، والتي أدت إلى تهميش الأحزاب السياسية وتقليص دور المعارضة، بحسب قوله.

التوترات السياسية تصاعدت في تونس منذ استبعاد لجنة الانتخابات التي عينها سعيد ثلاثة مرشحين بارزين آخرين
احتجاجات معارضة لسعيّد قبل يومين من انتخابات الرئاسة التونسية
تظاهر مئات التونسيين في العاصمة، الجمعة، مصعدين احتجاجاتهم ضد الرئيس، قيس سعيد، قبل يومين من الانتخابات الرئاسية التي يقولون إنها دون مصداقية وغير نزيهة استخدم فيها سعيد القضاء وهيئة الانتخابات لإقصاء منافسيه بهدف البقاء في السلطة.

"معارضة فاشلة"

في المقابل، قال المحامي القيادي في "حراك 25 يوليو"، أحمد ركروكي، إن الانتقادات الموجهة للانتخابات تأتي من المعارضة التي "فشلت في إدارة البلاد خلال السنوات الماضية".

وقال ركروكي في مقابلة مع قناة "الحرة" إن "قيس سعيد هو الإرادة التونسية الحقيقية التي جاءت لتصحيح مسار الثورة وإعادة البلاد إلى الطريق الصحيح بعد العشرية السوداء".

وأضاف أن نسبة المشاركة في الانتخابات تعتبر "جيدة"، إذ بلغت أكثر من 30 في المئة في الداخل و15 في المئة في الخارج، مما يعكس دعم الشعب للرئيس.

سجن المعارضين

تظل قضية سجن مرشحي المعارضة واستبعادهم من السباق الانتخابي واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل في هذه الانتخابات.

ويرى كثير من المراقبين أن سجن مرشحين بارزين مثل العياشي زمال واستبعاد آخرين يقلل من شرعية الانتخابات ويثير تساؤلات حول مدى نزاهتها.

وفي حديثه مع قناة "الحرة"، أكد الغيلوفي أن الانتخابات "لا يمكن اعتبارها نزيهة في ظل سجن المنافسين وتعديل القوانين الانتخابية قبل وقت قصير من إجراء الانتخابات".

خلال عملية فرز الأصوات في انتخابات تونس

وتقول جماعات حقوقية إن سعيد قد قوض العديد من المكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس بعد ثورة 2011.

وتتهم هذه الجماعات الرئيس بمحاولة تزوير الانتخابات من خلال توظيف القضاء والهيئة الانتخابية لخدمة مصالحه السياسية.

وبشأن سجن مرشحي المعارضة، أوضح ركروكي أن العياشي زمال، الذي يعتبر أحد المنافسين الجديين لسعيد، تم سجنه بتهمة تزوير التزكيات. وأضاف أن الجميع في تونس فوق القانون، مشددا على أن المعارضة بحاجة إلى تقديم مرشحين نزيهين وقادرين على جمع التزكيات بطرق قانونية.

وعن التعديلات التي أدخلها الرئيس على القانون الانتخابي، قال ركروكي إن هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة من خلال نقل النزاعات الانتخابية إلى القضاء العدلي، وذلك بعد ملاحظة تجاوزات في القضاء الإداري.

تأثير الوضع الاقتصادي على الانتخابات

وتعيش تونس أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، أثرت بشكل كبير على معيشة التونسيين. فقد شهدت البلاد نقصًا في السلع الغذائية المدعومة وانقطاعًا متكررًا في التيار الكهربائي والمياه، مما زاد من الاستياء الشعبي.

ورغم هذه الصعوبات، اعتمدت الحكومة التونسية بشكل كبير على عوائد السياحة والمساعدات المالية الأوروبية لتجنب الحاجة إلى قروض بشروط قاسية من صندوق النقد الدولي.

ويرى الغيلوفي غياب الشباب التونسي عن المشهد الانتخابي ليس مجرد تراجع سياسي، بل هو نتيجة مباشرة لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وأكد الغيلوفي أن "الطبقة الفقيرة والمتوسطة والعاطلين عن العمل لم يربحوا شيئا من الصراعات السياسية على مدى عشر سنوات"، مشيرا إلى أن "الانقلاب السياسي" الذي شهده عام 2021 أدى إلى "موت الحياة السياسية" وإقصاء الأحزاب من المشهد، مما أضعف الأمل في التغيير الاجتماعي عبر صناديق الاقتراع.

وقال الغيلوفي أن الهجرة غير الشرعية المتزايدة من تونس إلى أوروبا هي مؤشر آخر على انعدام الأمل لدى العديد من الشباب الذين يرون أن الفرص السياسية والاجتماعية قد تلاشت، وأن الحل الوحيد هو البحث عن مستقبل خارج البلاد.

وأضاف: "عندما يفقد الناس الثقة في المؤسسات والصناديق الانتخابية، وعندما يرون السياسيين يُزج بهم في السجون، فإنهم يتخلون عن الأمل في السياسة".

وتابع: "هذه الموجة من اليأس الاجتماعي والاقتصادي تزيد من حالة اللامبالاة بين المواطنين، وتجعلهم يشعرون بأن صناديق الاقتراع لم تعد وسيلة فعالة لتحقيق التغيير".

وبعد إعلان نتائج استطلاع الرأي، خرج مئات من أنصار الرئيس إلى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في تونس العاصمة للاحتفال بفوزه، ورددوا النشيد الوطني ورفعوا الأعلام وصورته أمام المسرح البلدي.

وهتف بعض المحتفلين "الشعب يريد قيس سعيّد من جديد".

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.