تضاعف استهلاك التلاميذ للمخدرات خمس مرات خلال العقد الأخير في تونس.

شهدت المؤسسات التربوية في تونس، خلال الأعوام الأخيرة، تفشي آفة ترويج وإدمان المخدرات، مما بات يهدد الناشئة في البلاد، حيث تثير هذه القضية تساؤلات في الأوساط التونسية بشأن أسباب تفاقمها وتداعياتها المحتملة على التلاميذ.

وكانت نتائج مسح للمعهد الوطني للصحة في عام 2023، كشفت أن أكثر من 16 بالمائة من التلاميذ المستجوبين يجدون سهولة في الحصول على مواد مخدرة، فيما تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة 8 بالمائة.

وبحسب نتائج هذا المسح الذي استهدف الشريحة العمرية بين 13 و 18 سنة ، فإنه تضاعف استهلاك التلاميذ للمخدرات خمس مرات خلال العقد الأخير، حيث قفز من 1.3٪ في 2013 إلى  8.9٪ في 2023.

وسبق للرئيس التونسي، قيس سعيد، أن اتهم، في وقت سابق، من وصفهم بـ "اللوبيات التي تريد تحطيم الدولة والمجتمع بالمخدرات"، وتعهد بوضع سياسة كاملة لمكافحة الظاهرة، متسائلا "كيف تصل المخدرات إلى التلاميذ والمدارس؟".

استدراج 

بخصوص تفشي آفة بيع واستهلاك المخدرات، يقول إسكندر العلواني، وهو أستاذ في مدرسة الابتدائية بتونس العاصمة، إن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على المؤسسات التربوية في الأحياء الشعبية، بل امتدت لتشمل كذلك المحيط المدرسي في الأحياء الراقية.

ويضيف لـ"أصوات مغاربية" أنه يكفي أن تتجول في بعض الوحدات الصحية في عدد من المؤسسات التربوية لترى آثار المواد المخدرة، مشددا على أن الإطارات التربوية بهذه المؤسسات غير قادرة لوحدها على مراقبة سلوكيات التلاميذ أو الحد من هذه الظاهرة التي تستهدف الناشئة.

ويتابع بخصوص تسرب ظاهرة ترويج المواد المخدرة إلى المحيط المدرسي، بأن بعض التلاميذ يؤكدون أنه يقع استدراج الطلاب عبر  مدهم بالمخدرات بالمجان، وعند الإدمان يصبح بعض التلاميذ بمثابة زبائن لدى المروجين، وفق قوله.

ويتفق رضا الزهروني، رئيس الجمعية التونسية لأولياء التلاميذ، وهي جمعية غير حكومية مهتمة بالشأن التربوي، مع إجماع المختصين، على أن شبكات ترويج المخدرات تجد مجالا واسعا للتحرك في الوسط المدرسي، خاصة في صفوف التلاميذ وذلك لسهولة اختراق هذه الفئة من المجتمع.

غياب المتابعة الأسرية

ويقول الزهروني، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن مسؤولية تسرب هذه الآفة إلى التلاميذ، يتحملها بدرجة أولى الأولياء لغياب الرقابة الأسرية و متابعة سلوكيات أبنائهم اعتقادا منهم بأنهم في مأمن من هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة.

ويشدد أن المنظومة التربوية في تونس تحتاج إلى مراجعة شاملة من ذلك الزمن المدرسي، الذي يتيح للتلاميذ الخروج أثناء فترات الراحة إلى محيط المؤسسات التربوية وتكثيف الأنشطة التوعوية بمخاطر استهلاك المواد المخدرة فضلا عن تشديد الرقابة الأمنية وعدم اقتصارها على المناسبات فقط كتأمين العودة المدرسية.

وكان سعيد قد أكد في سبتمبر الماضي، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، على مزيد تكثيف المجهودات الأمنية في محيط كل المؤسسات التربوية لحماية التلاميذ من كل المخاطر، سواء تلك المتعلقة باستهلاك المخدرات أو من العنف الذي يمكن أن يستهدفهم في تنقلهم.

الرقابة الأمنية لا تكفي

في المقابل، يؤكد مختصون أن اعتماد تونس على المقاربة الأمنية في مكافحة انتشار المواد المخدرة في المؤسسات التربوية لا تكفي، بل تتطلب تضافر جهود مختلف مؤسسات الدولة بالاشتراك مع المجتمع المدني للقضاء عليها.

وفي هذا الخصوص، يرى المحلل السياسي الخبير الأمني، خليفة الشيباني، أن هذه الآفة استفحلت بعد "انتفاضة 2011"، وتصاعدت أرقامها بشكل مخيف، حيث يتم حجز الآلاف من الأقراص المخدرة، وتحولت تونس من منطقة عبور قبل هذه الفترة إلى بلد ترويج.

ويؤكد لـ"أصوات مغاربية" أن تونس شهدت في السنوات العشر الماضية ارتفاع في "معدل الجريمة ومنسوب الانقطاع المبكر عن الدراسة".

وبخصوص الجهود الأمنية في مكافحة هذه الظاهرة داخل الوسط المدرسي، يقول الشيباني إن أسباب الآفة ليست فقط أمنية، بل ترتبط بعدة ظواهر أخرى، مثل العنف واستقالة بعض العائلات من دورها وتقصير وسائل الإعلام في التوعية من بمخاطرها".

ولفت الخبير الأمني إلى أن الحل الأمني يبقى قاصرا ولا يحل هذا الإشكال.

وفي 30 يونيو 2024، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن تفكيك شبكة دولية تنشط في مجال تهريب المخدرات وحجزت 1050 صفيحة من مخدّر القنب الهندي وحوالي 35 ألف قرصا مخدرا.

حوار مجتمعي

وبشأن الحلول الكفيلة بمكافحة السلوكيات المحفوفة بالمخاطر في تونس خاصة في الوسط المدرسي، يقترح رئيس الجمعية التونسية لطب الإدمان، نبيل بن صالح، ضرورة تحصين الناشئة من أخطار المخدرات بتمكين المربين داخل الفضاء التربوي من وسائل تحسيس الأطفال واليافعين بخطورة هذه الظاهرة.

ويشدد، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، على ضرورة العمل على بعث نواد علمية و القيام بورشات داخل المدارس والمعاهد التعليمية بهدف تنمية معارف التلاميذ وتطوير مهاراتهم في مختلف المجالات العلمية، لافتا إلى أهمية تقديم الرعاية الصحية والنفسية للمدمنين وذلك بتوفير مراكز معالجة الإدمان في مختلف محافظات البلاد.

كما دعا إلى ضرورة إجراء حوار مجتمعي تشاركي يضم الهيئات الحكومية وبالأساس وزارات الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني لمعالجة ظاهرة المخدرات من جذورها ورسم استراتيجية لمكافحتها.

في السياق ذاته، أعلنت وزارة الصحة التونسية، مطلع يوليو الماضي، شروعها في إعداد مشروع قانون يتضمن اعتبار الإدمان على المخدرات "مرضا مزمنا يجب معالجته، وليس جريمة تستوجب العقاب".

ويقر القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بمكافحة المخدرات في تونس عقوبات سجنية تتراوح بين عام والسجن مدى الحياة، وتختلف العقوبات باختلاف الجريمة المرتكبة، سواء استهلاك أو ترويج أو تكوين وإدارة عصابات.

سفينتان حربيتان أميركيتان في البحر المتوسط - AFP
سفينتان حربيتان أميركيتان في البحر المتوسط - AFP

تستضيف تونس، بداية من الثلاثاء إلى غاية منتصف نوفبر، التمرين البحري "فينكيس إكسبرس 24"، بمشاركة نحو 1100 عسكري وملاحظ ينتمون إلى الولايات المتحدة والدول المغاربية الخمسة وبلدان إفريقية وأوروبية.

وتضم القائمة الكاملة للمشاركين في التمرين ممثلين عن جيوش 12 دولة هي تونس البلد المستضيف والولايات المتحدة والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا والسنغال وتركيا وإيطاليا ومالطا وبلجيكا وجورجيا.

وتشارك تونس في التمرين بتسع بواخر عسكرية ضمن هذا النشاط المشترك الذي "يهدف إلى تدعيم التعاون والتنسيق بين الطواقم البحريّة وتدريب الأفراد وتعزيز قدراتهم على حسن استعمال المنظومات والمعدّات والوسائل البحريّة وتطوير مهاراتهم في التصدّي للأعمال غير المشروعة بالبحر ولكلّ أشكال التهديدات والجرائم المنظمة كالتهريب والاتجار بالبشر، حفاظا على أمن المتوسّط واستقراره"، وفق بلاغ لوزارة الدفاع التونسية.

ما هو تدريب "فينيكس إكسبرس"؟

وفينيكس اكسبريس هو تمرين بحري متعدد الجنسيات برعاية القيادة الأفريقية الأميركية "أفريكوم".

ويُعد التمرين واحدًا من تمارين بحرية إقليمية تنفذها القوات البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا كجزء من إستراتيجية شاملة لتوفير فرص التعاون بين القوات الأفريقية والشركاء الدوليين لمواجهة المخاوف المتعلقة بالأمن البحري.

وأفادت الدفاع التونسية بأنه سيتم على هامش التمرين "تنظيم دروس نظرية وورشات عمل تطبيقية لفائدة المشاركين في عدّة مجالات بحرية، على غرار زيارة وتفتيش السفن وتقنيات الغوص والاستعلامات البحريّة ومقاومة الأسلحة البيولوجيّة والكيميائيّة والإسناد الصحّي والمساعفة والقوانين المنظمة للأنشطة البحريّة".

وبحسب موقع القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا فإن التمرين  يركز على "التعاون الإقليمي، والوعي بالمجال البحري، وممارسات تبادل المعلومات، والقدرات التشغيلية لتعزيز الجهود التي تسهم في الأمن والسلامة في البحر الأبيض المتوسط والمياه الإقليمية للدول الإفريقية المشاركة".

ويسعى التمرين إلى "تنسيق أفضل والاستعداد للسيناريوهات الواقعية المحتملة"، وفق القيادة الأميركية بإفريقيا التي تشدد على أن الأمن البحري هو "عنصر حيوي لاستقرار إفريقيا"، موضحة أن 38 من أصل 54 دولة إفريقية هي دول ساحلية، في وقت تتم فيه  90 في المئة من التجارة العالمية عبر المحيطات، ويمر ما يقارب ثلث هذه التجارة عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث يجري التمرين.