مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء  يقيمون قرب مدينة جبنيانة التونسية
مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء يقيمون قرب مدينة جبنيانة التونسية

تُعوّل السلطات التونسية على برامج العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين لحل أزمة الهجرة التي باتت تعيش بلدات في محافظة صفاقس جنوب هذا البلد المغاربي على وقع تبعاتها.

وكمؤشر على أهمية هذه القضية لدى السلطات في هذا البلد، خصّص الرئيس التونسي قيس سعيد حيزا من أجندة مجلس الأمن القومي الذي انعقد الإثنين لبحث الملف.

وحسب بلاغ رئاسي، فإن سعيد أكد على "ضرورة مضاعفة العمل على المستوى الدبلوماسي لتأمين العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين المتواجدين على التراب التونسي إلى بلدانهم الأصلية في أقرب الأوقات".

واعتبر الرئيس سعيد أن بلاده "قدّمت كل ما يمكن تقديمه بناء على القيم الإنسانية وتحمّلت الكثير من الأعباء ولا يُمكن أن يتواصل الوضع على ما هو عليه".

أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ظهر يوم الاثنين 4 نوفمبر 2024 بقصر قرطاج، على اجتماع مجلس الأمن القومي. وأكّد رئيس...

Posted by ‎Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية‎ on Monday, November 4, 2024

وعقب يوم واحد من اجتماع مجلس الأمن القومي، التقى وزير الخارجية التونسي، محمد علي النفطي، برئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بتونس، للتداول بشأن "وضعية المهاجرين المقيمين بصفة غير نظامية والتي تستدعي تكثيف الجهود ومضاعفتها من أجل تطوير نسق التعاون القائم مع المنظمة الدولية للهجرة التي دأبت على تأمين العودة الطوعية لهؤلاء المهاجرين الى بلدانهم الأصلية"، حسب بيان للخارجية التونسية.

وذكر البيان أن وزير الخارجية أكد على "أهمية تعزيز برامج المنظمة الدولية للهجرة الهادفة الى إعادة إدماج المهاجرين في بلدانهم الأصلية ومضاعفة جهود التنسيق مع السلطات التونسية لتوفير الظروف الملائمة لتأمين العودة الطوعية لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين المتواجدين على التراب التونسي".

برامج العودة الطوعية

تقود المنظمة الدولية للهجرة عدة برامج للعودة الطوعية للمهاجرين الوافدين من عدة وجهات أهمها دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس أملا في الإبحار إلى أوروبا.

وحسب أرقام أصدرتها المنظمة في يوليو الفائت، فقد عاد 4100 مهاجر يتحدرون من 28 وجهة إلى بلدانهم وذلك خلال الأشهر السبع الأولى من العام الجاري.

وفي العام 2023، أمنت المنظمة عودة طوعية لـ2557 مهاجرا من تونس إلى بلدانهم الأصلية، على متن رحلات جوية، مما يمثل زيادة بنسبة 45 في المائة عن سنة 2022.

وقفة احتجاجية سابقة لعائلات المفقودين في هجرات غير نظامية بتونس العاصمة
الهجرة غير النظامية.. مآسي تونس وصداع أوروبا المزمن
فواجع الموت غرقا في عرض البحر تكاد تتصدر عناوين الأخبار بتونس، فعدّاد الهجرة غير النظامية نحو الفضاء الأوروبي لا يعرف التوقف، ومع كل فاجعة غرق مركب في عرض السواحل التونسية، يرتفع منسوب التوجس والخوف لدى العديد من العائلات عن مصير أبنائها ممن ينشدون الوصول إلى أوروبا عبر قوارب الموت.

وبعد عودتهم إلى ديارهم، تعمل المنظمة على تزويد المهاجرين بالمساعدة المخصصة لإعادة الإدماج من ذلك الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

Aujourd'hui marque un nouveau départ pour de nombreux migrants bloqués en Tunisie qui vont retrouver leurs proches. OIM...

Posted by ‎OIM Tunisie - IOM Tunisia - المنظمة الدولية للهجرة بتونس‎ on Tuesday, July 23, 2024

وكان الاتحاد الأوروبي قد أطلق، في يناير 2023، برنامجا لحماية المهاجرين والعودة وإعادة الإدماج في شمال إفريقيا، ويهدف للمساهمة في تعزيز حماية المهاجرين وأنظمة إعادة الإدماج المستدامة في شمال إفريقيا، مع تعزيز الدعم للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل وكذلك تعزيز أنظمة العودة وإعادة الإدماج الوطنية في جميع أنحاء منطقة شمال إفريقيا.

"جبنيانة والعامرة"

تعد بلدتا "العامرة" و"جبنيانة" التابعتان لمحافظة صفاقس بالجنوب التونسي، مركزا رئيسيا يجمع آلاف المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في طريق بحثهم عن فرصة للإبحار نحو الجزر الإيطالية القريبة على غرار "لامبيدوزا".

وعاشت المدينتين الصغيرتين في الأشهر الأخيرة توترات بعد حدوث "عمليات سرقة وسطو على المنازل"، نُسبت إلى مهاجرين مقيمين في المنطقة.

ويقيم جزء من المهاجرين في خيام نُصبت في غابات الزيتون القريبة، وكثيرا ما يشتكون من نقص الغذاء والخدمات الصحية في المنطقة.

وفي أبريل الفائت، نقلت وكالة فرانس برس عن مصادر محلية ل أن ثمة ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في حوالى 15 مخيما مؤقتا بالقرب من العامرة وجبنيانة 

وتعد تونس إلى جانب ليبيا، نقطة الانطلاق الرئيسية لآلاف المهاجرين الذين يحاولون عبور وسط البحر الأبيض المتوسط نحو سواحل إيطاليا.

اتفاق مثير للجدل 

في يوليو 2023، وقع الاتحاد الأوروبي وتونس مذكرة تفاهم من أجل "شراكة استراتيجية" تشمل عددا من المجالات من بينها مكافحة الهجرة غير النظامية مقابل مساعدات مالية.

وظل الاتفاق مثار جدل وانتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال الهجرة في تونس ونواب وسياسيين يساريين في أوروبا.

صفاقس أبرز نقطة انطلاق للمهاجرين غير النظاميين التونسيين ـ صورة أرشيفية.
الوجه الآخر لتراجع الهجرة.. مزاعم "تعذيب واغتصاب" ضد مهاجرين بتونس
كشف تحقيق لصحيفة "الغارديان" البريطانية عن واقع مأساوي يقاسيه آلاف المهاجرين في تونس، مسلطا الضوء على تبعات الاتفاقية المثيرة للجدل مع الاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية، لكنها تواجه انتقادات شديدة بسبب تغاضيها لما يعتبر "انتهاكات جسيمة" لحقوق الإنسان.

وفي سبتمبر الفائت، تحدث تحقيق لصحيفة "الغارديان" البريطانية عن واقع "مأساوي" يقاسيه آلاف المهاجرين في تونس، مسلطا الضوء على تبعات الاتفاقية المثيرة للجدل.

وسرعان ما ظهرت نتائج الاتفاقية التونسية مع الأوروبيين، إذ تشير أرقام وزارة الداخلية الإيطالية إلى أن تونس منعت دخول نحو 30 ألف مهاجر غير نظامي إلى إيطاليا وذلك إلى حدود سنة 2024.

 ودفع تزايد عمليات اعتراض زوارق المهاجرين في عرض البحر نشطاء إلى مطالبة تونس بعدم لعب دور "الشرطي"، وهو أمر ينفيه الرئيس التونسي باستمرار مؤكدا أن بلاده لن تكون لا مستقرا و لا ممرا للمهاجرين.

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.