تظاهرة منددة بالعنف ضد النساء في تونس ـ صورة أرشيفية
تظاهرة منددة بالعنف ضد النساء في تونس ـ صورة أرشيفية

تخطط السلطات التونسية لتعزيز آليات حماية النساء ضحايا العنف وأبنائهن في العام 2025، وذلك في  إطار مساعيها للحد من تداعيات استفحال هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة.

وأعلنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، أسماء الجابري، عن مشاريع تشييد 17 مركزا لإيواء النساء ضحايا العنف وأبنائهن، بطاقة استيعاب تفوق 220 سرير، ضمن القرارات التي تبنتها الوزارة في مشروع قانون الميزانية للعام المقبل.

كما تخطط الوزارة لتطوير مهام مراكز الإيواء والتعهد بالنساء ضحايا العنف والأطفال المرافقين لهنّ برصد اعتمادات مالية تقدر بنحو 200 ألف دولار لتسيير هذه المؤسسات خلال العام المقبل.

وعرفت تونس، خلال الشهور الأخيرة، تصاعدا كبيرا في حالات العنف ضد المرأة، إذ سجلت منظمات حقوقية 20 جريمة قتل راحت ضحيتها نساء منذ بداية 2024، وفق أرقام أصدرتها جمعية "أصوات نساء" في سبتمبر الفائت.

وفي العام 2023، تم تسجيل 25 جريمة قتل نساء، وأغلب ضحاياها من المتزوجات بنسبة تفوق 71 بالمئة.

وكان تقرير صادر عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" الحكومي، في أواخر سبتمبر الماضي، كشف أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف ضد النساء في تونس.

وقد بلغت نسبته 44.4  بالمئة، تلتها نسبة العنف اللفظي بـ26.7 بالمئة، ثم العنف الجنسي بـ15.6 بالمئة، والعنف الاقتصادي بـ11.4  بالمئة، ثم العنف الجسدي بـ5.3 بالمئة، وفق تقرير المركز الحكومي.

وقدرت نسبة الزوجات المعنفات، وفق التقرير واستنادا إلى تصريحات المستجوبات، بـ41.8 بالمئة، يليها العنف في الأماكن العمومية بـ28.1 بالمئة، فيما بلغت نسبة النساء المتعرضات للعنف في الوسطين العائلي والزوجي 58 بالمئة أي أكثر من النصف.

وارتفع عدد مراكز الإيواء، التي تسمى في تونس بـ"مراكز الأمان"، إلى 14 مركزا وطنيا بطاقة استيعاب إجمالية تقدر بـ221 سريرا، في خطوة من السلطات لحماية المعنفات.

وتؤمن مراكز الأمان إيواء النساء ضحايا العنف والتعهد بهن اجتماعيا ونفسيا وصحيا والإحاطة بهن ومرافقتهن للخروج من حلقة العنف وإدماجهن في الحياة الاقتصادية.

وكانت وزارة الأسرة والمرأة قد خصصت خلال العام 2024 نحو 300 ألف دولار لتسيير 14 مركزا بالشراكة مع 12 جمعيّة ناشطة في مجال مقاومة العنف ضد المرأة.

وفي العام 2023، استقبلت هذه المراكز 305 نساء ضحايا عنف و317 طفلا مرافقا لهنّ، بينما تم في السداسي الأول من العام الجاري إيواء 167 امرأة ضحية عنف و177 طفلا.

وتبنى البرلمان التونسي في العام 2017 قانونا لمناهضة العنف ضد المرأة وُصف بـ"الثوري" آنذاك، لتضمنه العديد من التدابير لحماية المعنفات.

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.