مظاهرة سابقة في تونس مطالبة بالحريات السياسية

باستثناء بعض البيانات السياسية، لم تشهد الساحة التونسية تحركا لافتا للأحزاب المعارضة أو الموالية للسلطة، منذ انتخابات السادس من أكتوبر التي أفضت إلى فوز الرئيس قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية. 

ويناهز عدد التنظيمات السياسية في تونس نحو 240 حزبا، بعضها أعلن مساندته وانخراطه الكامل في مسار 25 يوليو 2021 الذي أعلن الرئيس سعيد بموجب قرارات زكت سلطته الرئاسية وتضمنت حل الحكومة والبرلمان وعدد من الهيئات الدستورية. أما البعض الآخر فقد اختار طريق المعارضة التي تحولت في ما بعد إلى ائتلافات حزبية تناهض توجهات السلطة وقراراتها.

ورغم الحركية التي اتسم بها نشاط هذه الأحزاب في الأشهر الأولى التي أعقبت إجراءات 25 يوليو، فإن تراجع أدائها بشكل لافت بات يثير الجدل في الأوساط التونسية، وسط تساؤلات عن أسباب "حالة العطالة" التي باتت تعيشها، بعدما كانت في السابق فاعلا مؤثرا في المشهد العام في البلاد. 

تأثير المحاكمات 

ويؤكد عضو الشبكة التونسية للحقوق والحريات، حسام الحامي، أن المناخ العام في تونس يشهد تأثرا بـ"قمع الحريات وتواتر الاعتقالات والمحاكمات لقيادات سياسية"، فضلا عن "تقلص الفضاء العام بفعل استحواذ السلطة عليه".

وسبق للسلطات التونسية أن شنت مطلع العام 2023 حملة اعتقالات واسعة طالت عددا من القيادات الحزبية ورجال الأعمال، ووجهت لهم تهما أبرزها "التآمر على أمن الدولة".

وتواصلت الاعتقالات لتشمل شخصيات أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية التي جرت في 6 أكتوبر المنقضي.

ويوضح الحامي في حديثه لـ"الحرة" أن دور الفضاء الإعلامي في البلاد، والذي كان يؤمّن الرأي والرأي المخالف، قد تقلص بشكل لافت، إلى جانب تحويل وجهة الإعلام العمومي ليكون حكوميا نتيجة الرقابة التي تفرضها السلطة عليه في توجه يعكس الرغبة في إسكات صوت المعارضة".

فائزة راهم عقيلة المعتقل السياسي عضام الشابي بتونس
معتقل في قضية التآمر بتونس.. زوجة عصام الشابي: إنه يتعرض للتنكيل بالسجن
ككل عائلات السجناء في تونس، دأبت فايزة راهم، زوجة الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض، عصام الشابي، كل يوم إثنين وخميس على إعداد الطعام بنفسها وحمله إلى زوجها الموقوف في سجن المرناقية منذ نحو 21 شهرا في قضية ما يعرف محليا بـ "التآمر على أمن الدولة".

ويتابع عضو الشبكة التي تضم  أحزابا ومنظمات تونسية، موضحا أن "غلق المجال" أمام المشاركة السياسية الواسعة في الاستحقاقات الانتخابية في البلاد، فضلا عن ما رافق المسار الانتخابي المتعلق بالرئاسيات من "تجاوزات وإخلالات"، دفع الأحزاب السياسية إلى "الانعكاف والقيام بمراجعات" الغرض منها إعادة ترتيب بيتها الداخلي.

ولا يتفق حسام الحامي كليا مع ما يصفها مراقبون بـ"حالة عطالة" تعيشها الأحزاب المعارضة والموالية، إذ  يرى أن نشاط الأحزاب "متواصل، وغالبيته غير معلن" لاقتصاره على لقاءات تشاورية داخلية لتقييم الوضع السياسي في البلاد.

مطالب للرئيس

رغم تقاطع المطالب السياسية لأحزاب المعارضة والأحزاب الموالية في عدد من المسائل، من بينها المطالبة بإرساء المحكمة الدستورية، أعلى هيكل قضائي في البلاد، وإلغاء المرسوم 54 المثير للجدل والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات، وإنهاء العمل بالمراسيم، فإن هذه المطالب "لا تجد صداها الآن" عند الرئيس قيس سعيد.

وفي هذا الصدد، يرجع الأمين العام لحزب "مسار 25 جولية/يوليو" الداعم للسلطة، محمود بن مبروك، الأسباب إلى "انشغال" سعيد بأولويات عهدته الرئاسية الجديدة، فضلا عن اهتمام الحكومة والبرلمان التونسي خلال هذه الفترة بقانون ميزانية الدولة للعام المقبل.

ويبرر بن مبروك، في حديثه لـ"الحرة"، عدم إرساء المحكمة الدستورية بتركيز وزارة العدل التونسية خلال هذه المرحلة على إجراء الحركة القضائية وسد الشغورات في المحاكم بالإضافة إلى المجلس الأعلى للقضاء. 

من جانب آخر، يعتبر المتحدث أن "حالة الركود السياسي" التي تعيشها الأحزاب الموالية للسلطة ناجمة عن الانتهاء من المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، ومن بينها الانتخابات الرئاسية الفارطة، مشددا على أن هذه الأحزاب ستستأنف نشاطها في الأشهر القادمة.

كما يؤكد أن حزب "مسار 25 جولية/يوليو" سيعقد خلال الأسابيع القادمة ندوات صحفية يسلط فيها الضوء على هذه الملفات ويطالب فيها السلطة بضرورة متابعتها.

ورغم أن دستور تونس لسنة 2022 حدد تركيبة المحكمة الدستورية واختصاصاتها، إلا أن عدم تركيزها إلى الآن ظل محل تجاذبات سياسية وحقوقية باعتبارها المخول الرئيسي للبتّ في دستورية القوانين وتنظيم الحكم في البلاد.

عزوف عن الاهتمام بالأحزاب

وفي تقييمه لدور الأحزاب وفترة الحكم في تونس بعد ثورة 2011، يرى المحلل السياسي خليفة الشيباني أن هذه التجربة قامت على "تجاهل المطالب الشعبية" التي تدعو بالأساس إلى العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف عيش التونسيين، وتركزت حول "المحاصصات الحزبية في الحكم والتعيينات المشبوهة في مراكز صنع القرار وتفشي المال السياسي الفاسد وتكريس الفساد".

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد ركز في جل خطاباته على اتهام خصومه السياسيين بالفساد و بالسعي إلى "تفجير الأوضاع الداخلية للبلاد عبر الاستعانة بالخارج"، وذلك في سياق رده على الانتقادات الموجهة للسلطة بالتضييق على عمل الأحزاب والحد من الحريات في تونس.

ويضيف الشيباني لـ"الحرة" قائلا "هذا الإسهال الحزبي سعى إلى توظيف الدولة لخدمة مصالحه وهي تجربة أدت إلى شعور التونسيين بالخذلان وعزوفهم عن الاهتمام بالأحزاب وبالشأن السياسي في البلاد، فالثورة كانت بالأساس حول الاستحقاقات الاجتماعية".

نفى الرئيس التونسي التضييق على ترشح منافسيه في الانتخابات المقبلة - صورة أرشيفية.
بعد "فوز" قيس سعيد.. ماذا تعني نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية؟
أظهرت النتائج التقديرية لسبر آراء قدمته مؤسسة "سيغما كونساي"، مساء الأحد، فوز الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية، بنسبة تخطت 89 بالمئة متقدما على منافسيه، العياشي زمال (6.9 بالمئة) وزهير المغزاوي (3.9 بالمئة).

ويلفت، في السياق، إلى أن "الحياة السياسية في البلاد تحتاج إلى تجديد يقوم على ديمقراطية تحترم القيم وتكرس الشفافية وتنبذ البرامج الانتخابية الجوفاء المبنية على الوعود الزائفة وتحقق في المقابل النهوض الاجتماعي والاقتصادي لتونس تمام مثلما دأبت عليه التجارب الديمقراطية في البلدان الغربية".

ويختم المتحدث تصريحه بالقول "يبقى وجود الأحزاب عاملا مهما لتأثيث المشهد السياسي في تونس، غير أن هذا الوجود يقتضي برامج واقعية تلامس واقع التونسيين وتلبي احتياجاتهم وترقى إلى مستوى انتظاراتهم في الشغل والحرية والكرامة".

قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.