ينتظر مئات اللاجئين وضمنهم سودانيون تسوية أوضاعهم في تونس

"قدمتُ إلى تونس منذ ما يزيد عن سنة فارّا من ويلات الحرب في السودان وبحثا عن الاستقرار في بلد آمن، وها أنا ذا أترقب مصير طلب اللجوء الذي تقدمت به إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس منذ نحو عام، دون أن أتلقى ردا نهائيا سواء بالسلب أو بالإيجاب".

هكذا يشخص المهاجر السوداني إدريس البشير (اسم مستعار) وضعه كطالب لجوء في هذا البلد المغاربي.

ويقدم المهاجرون الفارون من مناطق النزاع طلباتهم لمفوضية اللاجئين التي تتولى دراسة وضعياتهم والمصادقة على منحهم صفة اللجوء أو رفضها.

ويعترف الدستور التونسي بحق اللجوء السياسي تبعا لمصادقة هذا البلد المغاربي على اتفاقية جنيف لعام 1951.

وأدت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، منذ أبريل 2023، إلى مقتل عشرات الآلاف من السودانيين ونزوح أكثر من 11 مليونا، منهم 3.1 ملايين لجأوا إلى خارج البلاد، وفق الأمم المتحدة.

ويقول المهاجر السوداني في حديثه لـ"الحرة": "يبدو أن المفوضية السامية لشؤن اللاجئين لم تصادق بعد على طلبات اللجوء المودعة لديها، وهو ما يزيد في معاناة المهاجرين بسبب عدم تسوية وضعيتهم القانونية حول وجودهم على التراب التونسي.

أوضاع اجتماعية صعبة

وفيما تشير إحصائيات مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس في يناير الماضي إلى أن العدد الإجمالي للاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لديها بلغ أكثر من 13 ألف شخص، يمثل السودانيون 40 في المئة منهم، يرجح المهاجر السوداني إدريس البشير أن يصل عدد السودانيين في محافظة مدنين، جنوب البلاد، وحدها إلى 5 آلاف.

ويتابع في سياق الحديث عن أحوال لاجئي السودان الاجتماعية "الوضع صعب للغاية، فالجميع يعول على ما يقدم من مساعدات إنسانية ولا يسمح لنا بالعمل لتوفير المال وسد احتياجاتنا، فسكان المنطقة يخشون التتبعات القضائية".

ويضيف بالقول "حاولت فتح مقهى في بلدة جرجيس، لكن سرعان ما أغلقها الأمن واكتشفت أنني كنت عرضة للتحايل والنصب، كانت غايتي أن أوفر المال لنفسي وأساعد عائلتي في شمال السودان، فالمجاعة مستشرية هناك والموت يترصدهم في كل حين، لكن كما ترون أنا أيضا أواجه مصيرا مجهولا ولست قادرا حتى على توفير الغذاء لنفسي".

ملايين السودانيين لجؤوا إلى بلدان مجاورة هربا من الحرب
"وضع على شفا الانهيار".. تقرير: لاجئو السودان بمصر وليبيا وتونس يتعرضون لانتهاكات
تستمر معاناة المهاجرين السودانيين في دول شمال إفريقيا، سيما ليبيا وتونس ومصر، وسط تصاعد الدعوات لزيادة الدعم للدول المضيفة وتحسين سياسات اللجوء. وكشف تقرير صادر عن المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب وشبكة مكافحة التعذيب الليبية، الإثنين، عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان يواجهها السودانيون المهجرون قسرا.

وكانت السلطات الأمنية التونسية قد فككت في أبريل 2024 مخيمات عدد من المهاجرين السودانيين بالقرب من بلدة جبنيانة من محافظة صفاقس جنوب شرق البلاد، ما دفعهم إلى التنقل إلى المحافظات المحاذية الأخرى من ضمنهم محافظة مدنين.

في المقابل، فإن مفوضية اللاجئين استقبلت العام الفارط نحو 7831 طالب لجوء جديد، بينهم 4676 سودانيا. في حين لم يتجاوز عدد هؤلاء 868 سنة 2022.

تعليق طلبات اللجوء

من جانبه، يؤكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، تعليق النظر في طلبات اللجوء منذ شهر مايو 2024، عقب اعتقال السلطات الأمنية لبعض القائمين على أعمال "المجلس التونسي للاجئين" (غير حكومي) والذي كان يعمل بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على دعم طالبي اللجوء.

ويوضح عبد الكبير لـ "الحرة" أن مفوضية اللاجئين جمدت مؤقتا عملية إسناد بطاقات طالبي اللجوء واللاجئين إلى حين التوصل إلى اتفاق مع السلطات التونسية بشأن الطرف الذي سيتولى مستقبلا دراسة طلبات اللجوء.

ويرجح المتحدث أن تعيد السلطات التونسية النظر في ملف مطالب اللجوء إلى الهلال الأحمر التونسي (حكومي) أو أن تقوم هي بنفسها عبر إداراتها المركزية والمحلية والجهوية بإدارة هذا الملف، لافتا إلى أن وضعية اللاجئين أصبحت أكثر تعقيدا عقب هذه الخطوة.

مهاجرون سودانيون بإحدى الساحات العامة بمحافظة صفاقس التونسية في 2023

وفي مطلع مايو الماضي، اعتقل الأمن التونسي رئيس المجلس التونسي للاجئين ونائبه، وأودعا السجن على خلفية نشر الجمعية طلب عروض موجه لفائدة النزل التونسية بهدف تأمين إيواء مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

ويواجه الموقوفان، وفق ما صرح به الناطق باسم المحكمة الابتدائية بتونس، محمد زيتونة، آنذاك تهمة "تكوين وفاق قصد مساعدة شخص على دخول التراب التونسي".

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن انتقد عمل عدد من الجمعيات الحقوقية في تونس، متهما إياها بـ"تلقي أموالا مشبوهة من الخارج"، في خطوة أعقبتها حملة اعتقالات لعدد من ممثلي جمعيات ومنظمات وناشطين حقوقيين.

مراجعة القوانين

وفي خضم الجدل القائم حول وضعية المهاجرين غير النظاميين في تونس، ومن ضمنهم المهاجرين السودانيين، يرى رئيس جمعية "الأرض للجميع" (حقوقية غير حكومية)، عماد السلطاني، أنه "يتوجب على الدولة التونسية الالتزام بالمعاهدات الدولية المتعلقة بالاعتراف بحق اللجوء من ضمنها اتفاقية جنيف لعام 1951 فضلا عن القيام بمراجعة قوانينها التي تعنى بوضعية المهاجرين من ذلك قانون العمل وتسهيل الاندماج".

ويضيف في تصريح لـ"الحرة": "من غير المعقول أن يتم الزج بكل مهاجر غير نظامي في السجن بتهمة اجتياز الحدود التونسية خلسة والحال أن الآلاف قد فروا من بلدانهم نتيجة الحروب والنزاعات القائمة هناك".

ويشير السلطاني إلى ضرورة معالجة ملفات اللجوء عبر السلطات التونسية، حيث لا يمكن أن تتوقف هذه العملية بمجرد غلق مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في البلاد.

وينتقد الحقوقي ما يعتبره "غياب الإرادة السياسية" في معالجة ملف المهاجرين والانخراط في مسارات يمليها الجانب الأوروبي على تونس عبر الاتفاقيات في خصوص ملف المهاجرين غير النظاميين.

مخيمات مهاجرين غير نظاميين بجانب مقر مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس -2023

وسعت الحكومة التونسيّة إلى صياغة مشروع قانون خاص بحماية اللاجئين بإشراف وزارة العدل وحقوق الإنسان، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمعهد العربي لحقوق الإنسان، بهدف وضع إطار قانوني يحدّد صفة اللاجئ وحقوقه في الاندماج في البلد المستضيف وكيفية التعامل مع مسألة اللجوء في البلاد.

وسبق لتونس أن وقعت في سبتمبر 1989 على اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية حول النواحي الخاصة بمشاكل اللاجئين في إفريقيا.

كما أعلنت في 2017 عن انتهائها من صياغة قانون وطني خاص اللجوء وذلك بمبادرة من وزارة العدل التونسية وبالتعاون مع أطراف دولية ووطنية ودعم فني من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

احتجاجات أمام  المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات  محاكمة المعتقلين السياسيين
احتجاجات أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تزامنا مع انطلاق جلسات محاكمة المعتقلين السياسيين

تزامنا مع انطلاق الجلسة الثانية لمحاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، نفذ أنصار جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) وقفة احتجاجية، الجمعة، أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بقرار القضاء التونسي إجراء المحاكمة عن بعد وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وردّد المحتجون هتافات مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد وللسلطة القضائية في البلاد، من ضمنها "عبّي عبّي (إملأ) الحبوسات (السجون) يا قضاء التعليمات" و "لا خوف لا رعب، السلطة بيد الشعب" و "الحرية الحرية للمعارضة التونسية".

وقبل يومين، أعلن 6 من المعتقلين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة" من بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد.

وندد المعتقلون، في بيان وجهوه إلى الرأي العام في البلاد نشرته تنسيقية عائلات المتعقلين السياسيين على صفحتها بـ "فيسبوك" بما اعتبروه " إصرار السّلطة على مواصلة سياسة التّعتيم على الملف إخفاءً للفبركة وطمسا للحقيقة".

بدورهما، أعلن كل من رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحزب حركة النهضة رياض الشعيبي مقاطعة جلسات المحاكمة في هذه القضية، احتجاجا على " الغياب الكامل للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة".

اعتداء على حقوق المعتقلين

وعن أسباب مقاطعة جلسات المحاكمة عن بعد في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لموقع "الحرة" أن هذا القرار يعود إلى "غياب شروط المحاكمة العادلة".

وشدّد على أن هذا الشكل من المحاكمات "يحرم المتهمين من حقهم في الدفاع حضورياً والتفاعل المباشر مع القاضي وهيئة المحكمة".

وقال الشابي: "إن قرار المحكمة يعد اعتداءً على الحقوق الشرعية للمعتقلين لا يمكن المشاركة فيه، وهو مدخل لمحاكمة صورية لا يجب أن نكون جزءاً منها".

وأضاف أنّ من بين دوافع المقاطعة "الطبيعة الواهية للتهم الموجهة إلى المعتقلين، من قبيل الانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

واعتبر  أنّ هذه الاتهامات "تفتقر لأي معطى واقعي، وقد تم بناؤها فقط على شهادات أدلى بها شخصان مجهولا الهوية، دون تقديم أي دليل ملموس".

كما أشار الشابي إلى أنّ هذه المحاكمات تندرج ضمن "مسار سياسي هدفه ضرب المعارضة وتكميم الأفواه"، مؤكداً تمسّكه برفض الانخراط في ما اعتبره "انحرافاً خطيراً عن دولة القانون".

وبخصوص إعلان عدد من المعتقلين السياسيين الدخول في إضراب جوع، قالت الناشطة السياسية شيماء عيسى، في تصريح لموقع "الحرة"، إن الوضع الصحي للمضربين عن الطعام بدأ يسوء مقابل تمسك قضاة التحقيق في المحكمة بأن تكون المحاكمة لا حضورية للمتهمين، وهي سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ القضاء".

وأعربت عيسى عن تمسّك هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين وكذلك عائلاتهم بأن تكون جلسات المحاكمة حضورية وكشف الحقيقة وتمكين المتهمين من حقهم في مواجهة القضاء والإجابة عن أسئلتهم بكل "شجاعة" دفاعا عن أنفسهم.

وختمت بالقول" اليوم وللمرة الثانية سندخل إلى قاعة المحكمة ونجدد مطالبنا بأننا مستعدّون للمحاكمة شرط أن تكون عادلة ووفق المعايير القانونية".

وتعود قضية "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير 2023، إذ شنت قوات الأمن في تونس حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات سياسية معارضة للنظام ورجال أعمال وأمنيين.

"تهمة حاضرة ودليل مفقود"

من جانبها، أعربت منظمة العفو الدولية تونس عن بالغ قلقها إزاء استمرار محاكمة مجموعة من المعارضين والفاعلين في المجالين السياسي والمدني، فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، مندّدة بما اعتبرته " خرق واضح لضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع".

وجاء في بيان المنظمة أصدرته الخميس، بعنوان " قضية تآمر؟ التهمة حاضرة والدليل مفقود" أنه تم الزج بناشطين ومعارضين في السجون " دون أي سند قانوني واضح، وفي غياب تام لأدلة جدّية".

ودعا البيان في المقابل، إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن المعتقلين، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وتحميل السلطات التونسية مسؤولية صحة المعتقلين وضمان حقوقهم الإنسانية.

في السياق ذاته، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، لموقع "الحرة"، إن متابعة أطوار قضية التآمر على أمن الدولة تؤكد أن هذا الملف سياسي بامتياز وقد تضمن إخلالات إجرائية فضلا عن نسفه كل مقومات المحاكمة العادلة.

وتابع بأن هذه القضية " لم تعد خاضعة لمرفق العدالة، بل أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية وهي حقيقة ثابته يعلمها كل التونسيون".

وتبعا لذلك، طالب المتحدث بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وإيقاف ما وصفها بـ "المسرحية السياسية" التي تستهدف رموز المعارضة في تونس.

"خطر حقيقي"

في أواخر مارس الماضي، قررت رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس عقد الجلسات المعينة خلال شهر أبريل الحالي، والمتعلقة بالقضايا الجنائية الابتدائية المنشورة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب، وفق إجراءات المحاكمة عن بعد.

واعتبرت رئاسة المحكمة أنه تم اتخاذ هذا الإجراء، نظرًا لوجود "خطر حقيقي"، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات سوف تتواصل إلى أن يقع البت في القضايا المنشورة (حوالي 150 قضية)، ومن بينها ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وذكرت المحكمة ذاتها، أنها اتخذت قرار المحاكمة عن بعد استنادًا إلى الفصل 73 من القانون عدد 16 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

وسبق لسعيد أن أكد خلال زيارة أداها إلى بعض الأحياء والأسواق بالعاصمة تونس، مطلع مارس المنقضي، أنه " لا يتدخل أبدا في القضاء وأن المسائل القضائية مكانها فقط في قصور العدالة".