عبو حذر من ضياع مكاسب "الثورة". رويترز

لخص وزير تونسي سابق واقع الحريات في تونس بأنها "تغيرت من السيئ إلى الأسوأ.."، ما يثير مخاوف من القضاء بشكل قطعي على "مكاسب الثورة التونسية"، التي أطاحت في 2011 نظام زين العابدين بن علي.

ويواجه عهد الرئيس التونسي قيس سعيد، منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، انتقادات واسعة بشأن وضع الحقوق والحريات في البلاد فضلا عن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها هذا البلد المغاربي طيلة الأعوام الفارطة.

وكانت السلطات الأمنية في تونس، قد شنت منذ مطلع العام 2023، حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات سياسية وحقوقية وإعلاميين ورجال أعمال، على خلفية قضايا مختلفة أهمها ما يعرف محليا بـ "التآمر على أمن الدولة".

وفي سبتمبر الماضي، انتقد تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية "تعرّض أكثر من 70 شخصا، من بينهم معارضون سياسيون، ومحامون، وصحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء للاحتجاز التعسفي أو الملاحقات القضائية أو كليهما منذ نهاية 2022".

ولفت إلى أن العشرات لايزالون رهن الاحتجاز التعسفي على خلفية ممارسة حقوقهم المكفولة دوليا، مثل الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.

وفي حديث لموقع "الحرة" عن واقع الحقوق والحريات في تونس والوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد، يؤكد السياسي التونسي الوزير السابق المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو، أن الأوضاع "تغيرت من السيئ إلى الأسوأ في عدة مجالات".

مساس بالحريات وبمكاسب الثورة

ويقول عبو معلقا عن فترة ما بعد 25 يوليو 2021، إن "الجدل في تونس قبل هذه الفترة كان يتعلق بحالة التسيب والفساد غير أنه بعد ذلك تحول إلى المساس بالحريات وبكل مكاسب الثورة التونسية في 2011 التي وقع استهدافها من خلال الزج بقيادات سياسية ومحامين وصحفيين ومدونين في السجن، والسيطرة الكلية على وسائل الإعلام، فضلا عن انتهاج سياسة فرض الذات في الانتخابية وضرب الخصوم.

وعن الاعتقالات في تونس، يقول إن بعض الذين تم إيقافهم تلاحقهم شبهات فساد غير أن شقا كبيرا من المعتقلين لا علاقة لهم بذلك أو بأي جريمة، مشيرا إلى ما اعتبره "غياب المحاكمات العادلة وسط خوف القضاة من العزل أو السجن".

ويتابع بأن الضغط على أعوان السجون يؤدي إلى انتهاكات وسوء معاملة والتضييق على المساجين والمحامين، مضيفا "رافعت في الكثير من القضايا السياسية في عهد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، غير أن التعامل مع المحامين أثناء لقاء السجناء لم تكن كما في عهد الرئيس قيس سعيد، الآن المحامي ينتظر ساعات للقاء منوّبه نتيجة خوف المسؤولين".

وفي رده على الانتقادات الموجهة إلى النظام بالتضييق على الحريات في تونس، أكد سعيد، في مايو الماضي، أن لا تراجع عن الحريات وأن حرية التعبير مضمونة بالدستور نافيا أن يكون قد تم تتبع أحد من أجل رأيه.

وقال الرئيس التونسي، خلال لقاء جمعه بوزيرة العدل، "نحن نرفض قطعيا أن يرمى بأحد في السجن من أجل فكره المضمون في الدستور".

أزمة اجتماعية في تصاعد
 

وفي ما يتعلق بحصيلة حكم سعيد اجتماعيا، يرى الوزير السابق محمد عبو، أن الأزمة الاجتماعية في تصاعد في ظل عدم قدرة البلاد على تشغيل العاطلين عن العمل وغياب مؤشرات دعم الاستثمار الذي بإمكانه امتصاص البطالة في البلاد.

ويوضح  أنه لا يمكن الانتداب في الوظيفة العمومية إلا بضعة آلاف من إجمالي 630 ألف عاطل عن العمل بسبب النقص الحاد في الحصول على تمويلات، وهو إشكال يتفاقم جراء عدم القدرة على الحصول على قروض خارجية ودفع الاستثمار.

ويلفت إلى أنه " في ظل الوضع السياسي المتأزم وعدم الثقة في الدولة وفي اقتصادها، لا يمكن التعويل على الخواص لبعث مشاريع جديدة مما يشير إلى أن تونس مقبلة على أزمة حقيقية".

وينبّه المتحدث من أن هذه الأزمة هي التي من الممكن أن تسقط منظومة الحكم الحالية بسبب ما يصفه بـ"الشعبوية والانتهاكات" التي تتواصل إلى اليوم.

وتقول المؤشرات الواردة بموقع العهد الوطني للإحصاء بتونس (مؤسسة حكومية) إن نسبة البطالة في البلاد بلغت خلال الثلاثي الثالث من سنة 2024 إلى 16٪ فيما بلغت نسبة التضخم إلى حدود نوفمبر الماضي 6.6٪.

مناخ لا يشجع على الاستثمار 
 

وفيما تشير إحصائيات رسمية إلى أن نسبة النمو الاقتصادي في تونس بلغت خلال الثلاثي الثالث من سنة 2024 نحو 1.8بالمئة، فإن الوزير السابق محمد عبو يرى أن المناخ العام في البلاد منذ الثورة وإلى حدود هذا العام لا يشجع على الاستثمار وخلق الثروة وقد ازداد سوء في فترة حكم الرئيس الحالي قيس سعيد.

ويبرز المتحدث أن هدف الكثير من أصحاب المؤسسات في تونس هو تهريب أموالهم إلى الخارج، بسبب مناخ الخوف الذي يخيم على البلاد، مشيرا إلى أنه لم يتم القيام بإصلاحات اقتصادية جذرية تتجاوز مرحلة الشعارات وتحفز على الاستثمار وتعيد هيكلة المؤسسات العمومية وتنهض بها.

وبخصوص سياسة التعويل على الذات التي تنتهجها الحكومة التونسية، يقول المتحدث إنها مجرد شعار لتخدير الناس يأتي كنتيجة للصعوبات التي تواجهها تونس في الحصول على تمويلات من الخارج، مشددا على أن الاقتراض من البنوك الخاصة سيمتص السيولة فيما يؤدي الاقتراض من البنك المركزي التونسي إلى ارتفاع نسبة التضخم.

ويتوقع المتحدث في ختام حديثه لموقع "الحرة" أن تكون سنة 2025 صعبة اقتصاديا، فيما يبقى الوضع السياسي رهين ردة فعل المعارضة في ظل تواصل ما يعتبرها "مرحلة العبث التي تضر بالبلاد".

يذكر أن تقديرات الحكومة التونسية لنسبة النمو لسنة 2025 تناهز 3.2% وتتوقع أن تصل مساهمة الاستثمار في هذا النمو الى 16.2% من الناتج الداخلي الخام.
 

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب فرع تونس تقاضي تونس أمام لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب فرع تونس تقاضي تونس أمام لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة

أعلنت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب فرع تونس، رفع شكاية ضد الدولة التونسية، إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في جنيف على خلفية ما اعتبرته "عدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في التحقيق مع مرتكبي جرائم التعذيب وسوء المعاملة وتتبعهم قضائيا والتعويض للضحايا".

وفي هذا الصدد، قالت المستشارة القانونية للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إيناس لملوم إن الشكوى ضد الدولة التونسية تتعلق بانتهاكها لحق رد الاعتبار لستّة من ضحايا التعذيب وسوء المعاملة في فترة الثمانينات والتسعينات، لافتة إلى أن منهم من توفّي جراء التعذيب فيما يزال آخرون على قيد الحياة.

وأضافت لملوم لموقع "الحرة" أنه منذ انبعاث الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في 2018، ما يزال ضحايا التعذيب ينتظرون صدور أحكام تنصفهم وتنصف عائلاتهم مشيرة إلى أنه رغم مرور أكثر من 6 سنوات على انتصاب هذه الدوائر ورغم تسجيل تقدم في بعض الملفات إلاّ أن عدم إصدار أحكام قضائية يعني عدم حصول العدالة المرجوة.

وأرجعت سبب عدم البتّ في ملفات الضحايا إلى ما اعتبرتها صعوبات تواجهها الدوائر الجنائية، أهمها حركة نقل القضاة وعدم اكتمال تركيبة هذه الدوائر بسبب عدم تلقي القضاة لتكوين خاص في العدالة الانتقالية وفق ما يقتضيه القانون.

وشددت على أن تأجيل الجلسات القضائية على امتداد السنوات الفارطة تعتبره المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب "تأجيلا ممنهجا الهدف منه عدم استصدار أحكام قضائية لفائدة ضحايا التعذيب في تونس فضلا عن تعمد مرتكبي الانتهاكات الغياب عن الجلسات وهو ما يعد ضربا لمسار العدالة الانتقالية القائمة أساسا على كشف الحقيقة والمحاسبة.

وبحسب تقارير حقوقية فإن حوالي مائتي ملف محال على 13 دائرة قضائية مختصة، فيما لم يتم بعد الفصل في أي من هذه الملفات، التي أحالتها "هيئة الحقيقة والكرامة" (هيئة مستقلة) على القضاء بعد أن أوكلت لها مهمة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في تونس بين عامي 1955 و2013. 

تعذيب وقتل

رشاد جعيدان، سجين سياسي سابق، تعرض للتعذيب وسوء المعاملة عند إيقافه سنة 1993 وكذلك عدة مرات خلال فترة سجنه حتى إطلاق سراحه سنة 2006، وهو أحد الستة المتقدمين بشكاية ضد الدولة التونسية لدى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في جنيف.

تحدث جعيدان لـ "الحرة" عن مراحل التعذيب التي تعرض لها في فترة التسعينات قائلا: تعرضت إلى شتى أنواع التعذيب عند اعتقالي في 1993، من ذلك الصعق بالكهرباء وقلع الأظافر والكي بالسجائر ووضع العصي في أماكن حساسة من جسمي (المؤخرة) كان مشهدا سرياليا مهينا لم تراع فيه حرمة الجسد والذات البشرية".

ويتابع في السياق ذاته بأنه رغم مرور أكثر من 6 سنوات على إيداع ملفه لدى القضاء إلا أنه مازال يترقب مآلاته مؤكدا بالقول" العدالة الانتقالية في تونس في حالة إنعاش والضحايا لم ينصفهم القضاء، الأمر الذي اضطرني إلى اللجوء إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب".

من جانبه، أكد رضا بركاتي أن شقيقه نبيل بركاتي توفي تحت التعذيب في مركز أمن تابع لمحافظة سليانة بالشمال الغربي لتونس في 8 مايو 1987 عقب اعتقاله في أبريل من نفس السنة.

ويوضح بركاتي لـ "الحرة" بأن ملف شقيقه تتابعه الدوائر القضائية المختصة في العدالة الانتقالية منذ يوليو 2018 ورغم انعقاد 22 جلسة قضائية في الغرض إلا أنه لم يصدر بعد أي حكم قضائي.

وبخصوص دوافع مقاضاة تونس في ملف ضحايا التعذيب، قال المتحدث، إن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية تسمح بمقاضاتها أمام المؤسسات القضائية الدولية مشيرا إلى أن السلطة الحالية تحاول بكل الطرق تعطيل مسار العدالة الانتقالية في البلاد وعدم إنصاف عائلات الضحايا.

وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن أرسى في 2022 "مؤسسة فداء" بهدف الإحاطة بضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة وبأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها في خطوة اعتبرها حقوقيون سعي إلى تجاهل ملف العدالة الانتقالية في البلاد.

"تهميش وضبابية"

في سياق متصل، يرى الكاتب العام لـ"لشبكة التونسية للعدالة الانتقالية" (حقوقية غير حكومية) حسين بوشيبة أن ملف العدالة الانتقالية وقع تهميشه وتجاهله من قبل السلطات التونسية وسط ضبابية في تعامل أصحاب القرار معه رغم شرعيته.

وقال بوشيبة في حديث لموقع "الحرة": للأسف السلطة تتغاضى عن هذا الملف جهلا أو تهميشا، وسعت إلى إرساء مؤسسات بديلة ليس لها أي أثر إيجابي في إنصاف عائلات ضحايا سوء المعاملة والتعذيب في البلاد مشددا على أن الضحايا باتوا يشعرون بالإحباط والخيبة تجاه قضاء بلادهم.

وأشار إلى أن هنالك نحو 204 ملف معروض على الدوائر القضائية المختصة في العدالة الانتقالية تتضمن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفساد مالي.

وطالب الحقوقي، رئاسة الدولة ووزارة العدل التونسية بالتحرك لمعالجة ملفات ضحايا الاستبداد في فترة ما قبل الثورة التونسية في 2011 معتبرا أن "الحسم في هذا الملف يفتح الباب لمصالحة وطنية حقيقية تدعم المسار الانتقالي الذي تعيشه تونس".

"تدليس التقرير الختامي"

رغم أن هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية) التي وقع إرساؤها عقب الثورة لمتابعة ملف العدالة الانتقالية بتونس قد أنهت أعمالها ونشرت تقريرها النهائي في الجريدة الرسمية التونسية في 2020، إلا أن رئيستها السابقة سهام بن سدرين تقبع في سجن النساء بمحافظة منوبة المحاذية لتونس العاصمة بتهمة "تدليس التقرير الختامي للهيئة." 

وكان قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بتونس قد أمر في أغسطس الماضي بالإيقاف التحفظي ضد بن سدرين التي ترأست الهيئة بين 2014 و2018 بعد أن تم التحقيق معها بناء على شكاية من عضو سابقة بهيئة الحقيقة والكرامة أفادت بأن التقرير النهائي، المنشور في الجريدة الرسمية، يختلف عن النسخة المقدمة إلى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

في المقابل، تندد منظمات حقوقية محلية ودولية بما تعتبره "مظلمة سياسية" تتعرض لها الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، والتي تخوض منذ نحو أسبوع إضرابا عن الطعام داخل السجن في قضية تعتبرها "كيدية".