موسي أوقفت أمام القصر الرئاسي في قرطاج

"ليالٍ بأكملها" تقضيها عبير موسي "بلا نوم" بسبب ألم جسدي بالإضافة إلى وجع معنوي ناجم عن استمرار سجنها منذ أكثر من سنة، وفق ما يكشف محامي رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض في تونس.

المحامي نافع العريبي تحدث لموقع "الحرة" عن الظروف الصعبة التي تعيشها موكلته القابعة منذ 3 أكتوبر 2023 في السجن، حيث تواجه قضايا عديدة، أخطرها التهمة المتعلقة بما يُعرف محليًا بـ"مكتب الضبط التابع لرئاسة الجمهورية" والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

ويقول العريبي: "لقد تعايشت مع الأوجاع التي تنتابها على مستوى الظهر والرقبة وصولًا للساق، وقضت ليالٍ بأكملها بلا نوم وسط مماطلة الإدارة السجنية وتأخرها في توفير مستلزمات الرعاية الصحية اللازمة"، قبل أن يضيف: "لقد وفّروا لها بعض المستلزمات، ولكن كان ذلك بعد عناء كبير وتذكير تلو التذكير".

وتُعد موسي واحدة من بين شخصيات سياسية معارضة اعتقلتها السلطات الأمنية التونسية في عام 2023، وبعضها يواجه تهمًا تتعلق بـ"التآمر على أمن الدولة".

ويقول العريبي إن موكلته تُحاكم حاليًا في نحو 10 قضايا أمام القضاء، حيث صدر ضدها حتى الآن حكمين، أحدهما أصدرته محكمة الاستئناف بتونس في يونيو الماضي ويقضي بتغريمها نحو 2300 دولار بتهمة خرق الصمت الانتخابي، والحكم الاستئنافي الآخر يقضي بسجنها 16 شهرًا وذلك بموجب المرسوم 54 المثير للجدل.

وكانت الدائرة الجناحية بمحكمة الاستئناف بتونس قد قضت في نوفمبر 2024 بتخفيض حكم سجنها من سنتين إلى 16 شهرًا، وذلك في القضية التي رفعتها ضدها الهيئة العليا للانتخابات بسبب تصريح إعلامي حول أداء الهيئة.

مكتب الضبط وعقوبة الإعدام

في أواخر ديسمبر المنقضي، قالت هيئة الدفاع عن موسي إن القضاء وجه إليها تهمة "الاعتداء المقصود لتبديل هيئة الدولة"، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام في قضية "مكتب الضبط برئاسة الجمهورية"، التي تعود إلى أكتوبر 2023.

قرارٌ أصدر إثره الحزب الدستوري الحر بيانًا عبّر فيه عن رفضه تعريض زعيمته عبير موسي لعقوبة الإعدام، معتبرًا أن "تهديد رئيسة الحزب (موسي) بعقوبة سالبة للحياة ليس إلا محاولة لتصفيتها جسديًا بطريقة مقنّعة ومغلفة بغطاء قضائي".

وبخصوص حيثيات هذه القضية، يؤكد المحامي نافع العريبي أن قاضي التحقيق قام في 30 يونيو الماضي بختم البحث في هذه القضية وقام بحفظ جريمة الفصل 72 من المجلة الجنائية، الذي ينص على أنه "يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود لتبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضًا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب في التراب التونسي".

ويتابع موضحًا أن القاضي اكتفى بـ"جنحتين بسيطتين" تصل أقصى عقوبة فيهما إلى 3 سنوات سجن، وقد أيدته محكمة الاستئناف قبل أن تقوم النيابة العمومية بالطعن في هذا القرار، مشددًا على أن هيئة الدفاع تعتبر هذا الطعن "مخالفًا للقانون".

ويعتبر العريبي أن إعادة إحالة عبير موسي بموجب الفصل 72 من المجلة الجنائية هو بمثابة "إمعان السلطة القضائية في التنكيل بعبير موسي والدفع بها نحو حبل المشنقة".

وشدد على أن قرار ختم البحث الجديد قدمت بشأنه هيئة الدفاع طلبًا للطعن بمحكمة التعقيب في انتظار ما ستسفر عنه الجلسات القضائية القادمة.

"تدويل القضية"

في مارس 2024، أعلنت هيئة الدفاع عن موسي توجيه عريضة إلى فريق العمل المتخصص في الاحتجاز القسري بمنظمة الأمم المتحدة، لحشد الدعم الدولي لقضيتها باعتبارها "محتجزة من قبل السلطات التونسية بصفة قسرية".

وفي هذا الصدد، يقول عضو هيئة الدفاع نافع العريبي إن فريق العمل نظر في نوفمبر الماضي بمقره في جنيف في الملف، في انتظار إصدار قرار بشأنه.

ويرى المحامي أن القضايا التي تُحاكم من أجلها موسي "اكتسبت طابعًا سياسيًا"، مؤكدًا أن الغرض من ذلك كان "إقصاؤها بغير وجه حق من السباق الرئاسي، باعتبارها كانت منافسًا بارزًا للرئيس قيس سعيد".

ولفت إلى أنه سيتم إصدار كتاب في الفترة القادمة يُفصّل مراحل هذا الإقصاء.

بشأن واقع الحريات في تونس

يعتبر العريبي أنه منذ 2022 أخذت السلطة "منحى تسلطيًا في تقويض كل ما هو حريات عامة"، وذلك باعتقال السياسيين والصحفيين والمحامين وغيرهم، وفرض مراسيم تحد من هذه الحريات، من بينها المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات.

ورغم الانتقادات التي توجهها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بشأن الاعتقالات وضرب الحريات في تونس، فإن الرئيس التونسي قيس سعيد يؤكد أنه "يرفض المساس بأي كان من أجل فكرة، فهو حر في اختياره وحر في التعبير".

وينفي "تتبع أي شخص من أجل رأي"، قائلًا عقب لقائه بوزيرة العدل ليلى جفال في مايو الماضي: "نرفض رفضًا قاطعًا أن يُرمى بأحد في السجن من أجل فكره، فهي مضمونة في الدستور".

في المقابل، يتهم سعيد المعارضة بتلقي الدعم من الخارج والتآمر على أمن البلاد، مشددًا على أن تونس "تخوض حرب تحرير وطني".

الهيئة وضعت شروطا وصفت بالصارمة للتشرح

قدمت مجموعة من أعضاء المجالس المحلية بتونس، مؤخرا، مقترح مبادرة إلى البرلمان تتعلق بتأجيل الانتخابات البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية تجمع بين "الكفاءات المنتخبة والمعينة"، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة بشأن قانونيتها وتداعياتها على الخدمات الموجهة للتونسيين.

ويتعلق نص المبادرة بحسب الوثيقة التي تحصلت "الحرة" على نسخة منها بطلب تأجيل الانتخابات البلدية المقررة إلى موعد لاحق وتعويضها بنيابات خصوصية تتكون من أعضاء من المجالس المحلية الحالية إلى جانب إطارات من الإدارات الجهوية ذات الاختصاص".

وتعد البلديات آخر استحقاق انتخابي وفق البرنامج الذي أعلن عنه الرئيس سعيد بعد إقراره الإجراءات الاستثنائية في يوليو 2021 وبعد حلّه لما يناهز 350 مجلس بلدي في تونس سنة 2023.

ورغم عدم تحديد موعد رسمي لإجراء الانتخابات البلدية، فإن المساعي لتأجيلها أثارت جدلا بشأن دوافعها، ومدى تماهيها مع دستور البلاد، وانعكاساتها على الخدمات المقدمة للتونسيين على مستوى المعتمديات.

"تخفيف الأعباء المالية "

في تعليقه على دوافع طلب تأجيل الانتخابات البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية، يؤكد رئيس المجلس المحلي بباردو بمحافظة تونس، فادي بن يونس، أن هذه الخطوة أتت على إثر تواتر التشكيات من المواطنين من تعطل الخدمات المتعلقة بحياتهم اليومية مثل صعوبة الحصول تراخيص عدادات المياه والكهرباء وغيرها من المشاغل التي لم يتمكن الكتاب العامون المكلفون بتسيير البلديات من تذليلها على اعتبار أنها من اختصاص المجلس البلدية.

ويوضح بن يونس في حديثه لموقع "الحرة" بأن إيداع مبادرة تشريعية في هذا الخصوص، إلى الغرفتين النيابتين يمثل حلا ظرفيا، المقصد منه تأجيل الانتخابات البلدية وليس إلغاؤها وتعويضها بنيابات خصوصية متكونة من أعضاء المجالس المحلية المنتخبة التي لها صفة الجماعات المحلية ومديري الإدارات المحلية، أي الجمع بين الكفاءات المنتخبة والكفاءات المعيّنة.

ويقول في السياق ذاته، إنه في ظل الوضع المادي المتردي واتباعا لسياسة الدولة كالاعتماد على مواردنا الذاتية وسياسة التقشف علينا ايجاد حلول للتنمية المحلية دون المزيد من الاعتماد على نفقات الدولة يرى عدد من أعضاء المجالس المحلية من خلال المبادرة سالفة الذكر، امكانية تحويل الاعتمادات المخصصة للانتخابات البلدية الى جمعيات تنموية تمول المشاريع المحلية الصغرى.

ويرى المتحدث "أن النيابات الخصوصية يمكن لها تمثيل كل العمادات (أصغر قسم إداري بالبلاد) الراجعة بالنظر إلى البلديات في حين أن الانتخابات البلدية يمكن أن تقصي بعض العمادات"، وفقه.

ومنذ توليه السلطة في أكتوبر 2019 لم يتردد الرئيس التونسي قيس سعيد في إعلان موقفه المنتقد للمجالس البلدية التمثيلية والمنتخبة والتي يرى فيها امتدادا لأحزاب سياسية معارضة ومنافسة له إلى جانب عدم اقتناعه بنجاعة مسار اللامركزية الذي تم إرساؤه عقب الثورة التونسية في 2011.

مخالفة الدستور

من جانبه، يؤكد الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن المبادرة التشريعية المتعلقة بتأجيل الانتخابات البلدية، مخالفة لأحكام الباب السادس من دستور البلاد لسنة 2022 والذي ينظم الجماعات المحلية والجهوية.

ويقول المنصري لـ "الحرة" إن الفصل 133 من الدستور ينص صراحة على أن المجالس البلدية هي جماعات محلية تمارس المصالح المحلية طبقا لما يقتضيه القانون، وعلى هذا الأساس فإن إقصاء هذه المجالس هو مخالف لما ورد في هذا الدستور.

وبخصوص إجراء الانتخابات البلدية، يشدد المتحدث على أن هيئة الانتخابات على استعداد لإجرائها وأن الإطار التشريعي جاهز، لافتا إلى ضرورة تنقيح مجلة الجماعات المحلية أو إصدار قانون أساسي جديد للبلديات كي يتماشى من النظام القانوني الجديد.

ويتفق رئيس "الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (رقابية وغير حكومية) بسام معطر، مع الآراء الداعية إلى ضرورة احترام الدستور الذي أقر الانتخابات البلدية كاستحقاق انتخابي وجب الالتزام به وإجراؤه، معتبرا أنه "من غير الصالح الدمج بين مجلسين محلي وجهوي".

تراجع الخدمات

وبشأن تداعيات هذا التوجه على الخدمات البلدية، يؤكد معطر لموقع "الحرة" أن التعويل على النيابات الخصوصية في تسيير البلديات بعد حل مجالسها المنتخبة في 2023، أثبت تراجعا في مستوى الخدمات المسداة للتونسيين وتقهقرا في أخذ القرارات المتعلقة بالتنمية في عديد المناطق.

ويرى أنه من الضروري إتمام كل القوانين المتعلقة بالمجالس المحلية وتنظيمها فضلا عن تحديد موعد رسمي لإجراء الانتخابات البلدية وتركيز مجالسها كي تستعيد أدوارها في إسداء الخدمات والنهوض بمشاغل التونسيين في مختلف ربوع البلاد.

في سياق متصل، يعتبر الخبير في الحوكمة المحلية محمد الضيفي في حديثه لـ"الحرة" أن حالة الشغور التي تعيش على وقعها البلديات في تونس في السنوات الأخيرة "خلقت فراغا كبيرا وتداخلا في المهام بين أعضاء المجالس المحلية والجهوية وكذلك نواب البرلمان في ما يتعلق بالمسائل الحياتية للمواطنين من ذلك مشاكل توفير الكهرباء وإنارة الشوارع ومياه الشرب وغيرها، والتي هي من صميم العمل البلدي". 

ويتابع في هذا الإطار بأن المجالس البلدية هي من تتداول في المخططات التنموية وتمرر مقترحاتها في هذا الخصوص إلى المجالس الجهوية كما أن لها صلاحيات اتخاذ القرارات في الجهات الراجعة لها بالنظر وتنفيذها وفق ما يتماشى مع الميزانيات المخصصة لها.

يشار إلى أن أول انتخابات بلدية في تونس بعد ثورة 2011 تم تنظيمها في 2018، قبل أن يقرر الرئيس قيس سعيد حل مجالسها المنتخبة بضعة أشهر قبل انتهاء عهدتها المحددة قانونا بخمس سنوات.