على بُعد كيلومترات قليلة من العاصمة التونسية يقع الحي الشعبي "حي التضامن" في محافظة أريانة، ويمتد على مساحة لا تتعدى 3.2 كيلومتر مربع، يسكنها نحو 150 ألف نسمة.
حي ينبض بالحياة، لذلك يوصف محليًا بـ"الصين الشعبية"، فمساكنه المتراصة وشوارعه الضيقة تجعلك تبحث عن موطئ قدم في خطوتك المقبلة، بين المارّة الباحثين عن وسائل نقل، وبين الباعة المنتشرين في أركان الشوارع والطرقات.
ولأنه أحد أكبر الأحياء الشعبية في تونس من حيث الكثافة السكانية، فإنه مع كل استحقاق انتخابي تعيشه البلاد، يشكّل وجهة مغرية للسياسيين الباحثين عن دعم انتخابي بعد ثورة 2011، وفي المقابل، بقي سكان هذا الحي يعانون الفقر والتهميش، وفق رواية سكان "حي التضامن".
واقع أكبر حي شعبي في تونس يعيد إلى الواجهة أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء بقائه "مهمشًا" رغم ثقله السكاني وتأثيره في كل حراك احتجاجي يندلع في البلاد.
تهميش متواصل
"حتى أختزل الصورة، المؤسسات العمومية التي أنشأتها الدولة بحي التضامن أغلبها بات آيلاً للسقوط وصُدرت في شأنه قرارات بالإخلاء الفوري بسبب غياب العناية والصيانة، ومن ضمنها مقرات المعتمدية والبلدية والمكتبة العمومية، فضلًا عن افتقاد الحي لمؤسسات أخرى مهمة مثل دور الثقافة"، هكذا يشخّص الناشط بالمجتمع المدني حسن الهيشري واقع حي التضامن بعد 14 سنة من الثورة التونسية.
ويقول الهيشري، في حديثه لموقع "الحرة"، إن ثلث سكان هذا الحي هم من فئة الشباب، "لقد ثاروا في 2011 على الفقر والتهميش وطالبوا بالشغل، غير أن دار لقمان ظلت على حالها، فلا شيء تغير، تواصل البطالة وغياب التنمية دفع الكثير من أبناء هذا الحي إلى الهجرة غير النظامية".
ويتابع معلقًا على الأوضاع الاجتماعية: "أنظر إلى معاناة الناس في وسائل النقل المكتظة، أمعن النظر في مشاهد المقاهي المكتظة بلاعبي الورق وبالحرفاء الذين يسيطر على ملامح وجوههم اليأس والتجهّم، شباب عاطل عن العمل، وعائلات تعاني غلاء الأسعار وتدني القدرة الشرائية".
ويشير تقرير أعده المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي صدر سنة 2020 بعنوان "خارطة الفقر في تونس"، إلى أن نسبة الفقر في حي التضامن تبلغ 12.4 بالمائة، في حين تصل نسبة الانقطاع المدرسي في مستوى التعليم الثانوي 8.3 بالمائة حسب التقرير ذاته.
خزان انتخابي ووعود زائفة
وعلى مدار الاستحقاقات الانتخابية التي عاشتها تونس عقب ثورة 2011، خاصة التشريعية منها، سجل حي التضامن حضوره من خلال صعود نائب يمثله في البرلمان، كما يشهد في الرئاسيات حضورًا مكثفًا للطامحين في الوصول إلى قصر قرطاج.
وفي هذا الصدد، يؤكد الصحفي إسكندر العلواني وهو من سكان "التضامن"، أن هذا الحي الشعبي كان ولا يزال خزّانًا انتخابيًا يقصده السياسيون رغبة في الحصول على أصوات الناخبين مقابل "تقديم كم هائل من الوعود الزائفة لم يتحقق منها على أرض الواقع شيء".
ويضيف، في حديثه لـ"الحرة"، أنه منذ الثورة استغلت الأحزاب السياسية في تونس الوضع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه التونسيون لتقديم إعانات غذائية وإسناد بعض الرخص لبعث مشاريع صغرى من أجل تثبيت نفسها في السلطة وفي مراكز صنع القرار، غير أنها حلول أثبتت فشلها ليستمر الحال على ما هو عليه.
ويشدد العلواني على أن الحكومات المتعاقبة في تونس ظلت تراهن على الشعارات السياسية التي اكتست طابعًا اجتماعيًا دون أي أثر ملموس على الواقع المعيشي للتونسيين، الذي يزداد ترديًا سنة تلو أخرى، وفقه.
ويتفق النائب بالبرلمان التونسي عن معتمدية حي التضامن، طارق الربعي، مع الآراء المجمعة على تردي الأوضاع الاجتماعية بهذا الحي، فضلًا عن غياب التنمية والتشغيل، مؤكدًا أنها "نتاج سياسات عمومية قديمة متجددة".
تركة ثقيلة ووضعية مالية صعبة
ويرجع النائب الأسباب الكامنة وراء بقاء حي التضامن مهمشًا كغيره من الكثير من الأحياء الشعبية في تونس إلى ما يعتبرها تركة ثقيلة من الأزمات الاقتصادية والمالية التي خلّفتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة التونسية في 2011.
ويوضح مصرحًا لموقع "الحرة" أن المالية العمومية في تونس تعاني عجزًا متفاقمًا يحول دون تنفيذ المشاريع التنموية المعطّلة، كما يحول دون تحقيق آمال التونسيين الطامحين في ظروف عيش أفضل.
ويقول في هذا السياق: "نتفهم حالة الإحباط واليأس التي تخيم على السواد الأعظم من التونسيين، فنواب البرلمان أيضًا يشعرون بالإحباط، ومنهم من لم يزر جهته منذ أكثر من شهر نتيجة عدم قدرته على مواجهة ضغوط الناس ومعاتبتهم له كنائب شعب، فدورنا رقابي تشريعي وتبليغ مشاغل التونسيين للسلطة وليس دورًا تنفيذيًا".
وبخصوص سياسات الحكومات التونسية في النهوض بواقع التنمية في الجهات، يؤكد النائب طارق الربعي أنها "لم ترتقِ إلى مستوى انتظارات الشعب الذي ثار من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية"، مشددًا على أنه نتيجة لذلك يستمر الحراك الاحتجاجي في البلاد.
وتبلغ نسبة البطالة في تونس في 2024 نحو 16%، ولم يتجاوز النمو الاقتصادي مستوى 1.6% وفق إحصائيات رسمية، فيما تستمر السلطة في المراهنة على تجاوز الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد.