صحافيون يحملون لافتات خلال احتجاج خارج النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين
صحافيون يطالبون بحرية الإعلام في تونس

كشف تقرير لوحدة الرصد التابعة لنقابة الصحفيين التونسيين عن تصاعد وتيرة ما اعتبرتها اعتداءات على الصحفيين في تونس بتسجيله 13 اعتداء من أصل 15 إشعار بحالة وردت شهر ديسمبر 2024، مقابل 6 اعتداءات في نوفمبر من نفس السنة.

وطالت الوقائع، بحسب التقرير الصادر الاثنين الماضي، 23 ضحية، توزعوا بين 4 إناث و19 ذكور، وبينهم 14صحفيا وصحفية و7 مصور ومصورة صحفية ومعلق وحيد ومدير تقني وحيد.

كما طالت الصحفيين ضحايا ما قال التقرير إنها اعتداءات خلال الشهر الماضي "4 حالات منع من العمل و3 حالات مضايقة و3 حالات متابعة قضائية".

وتعرض الصحفيون إلى "التحريض في حالتين وللاعتداءات الجسدية في حالة وحيد، فيما يمثل ضحايا الاعتداءات 13 مؤسسة إعلامية من بينها مؤسستين أجنبيتين و11 مؤسسة تونسية"، وفق التقرير.

وأبرز تقرير وحدة الرصد التابعة لنقابة الصحفيين التونسيين أن من ضمن المسؤولين عن هذه "الاعتداءات" يوجد "أمنيون وجهات قضائية ومواطنون ومكلفون بالاتصال بمؤسسات حكومية".


يأتي ذلك في ظرف تزايدت فيه حدة الانتقادات الموجهة للسلطة بـ"التضييق" على حرية الصحافة والتعبير وملاحقة الصحفيين قضائيا، ووسط تساؤلات بشأن تداعيات تصاعد وتيرة الاعتداءات على الصحفيين على الوضع الحقوقي في البلاد والسبل الكفيلة لوضع حد لهذه الظاهرة.

"خوف وترهيب"

تعليقا على هذا الموضوع، ترى عضوة نقابة الصحفيين التونسيين، جيهان اللواتي، أن تونس شهدت تراجعا كبيرا في حرية التعبير والصحافة، حيث عمدت السلطة إلى مضايقة واعتقال ومحاكمة الصحفيين والنشطاء والمعارضين السياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق بحرية التعبير. 

وأشارت إلى أن السلطة التنفيذية "لا تعترف بالدور المدني والديمقراطي للصحافة وترى أن وظيفتها فقط نقل الخبر وحفظ للذاكرة."

وتقول اللواتي، في حديثها لموقع "الحرة"، إنّ الواقع الصحفي "يعيش تحت تهديد الملاحقات القضائية ما تسبب في خلق حالة من الخوف في غرف التحرير وحالة من الرقابة الذاتية لدى عدد من الصحفيات والصحفيين ومحاولات متكررة لوضع اليد على الإعلام العمومي"، فضلا عن "هشاشة التشغيل في القطاع من أجور متدنية وغياب التغطية الاجتماعية وتفاقم حالات الطرد والإحالة القسرية على البطالة للصحفيين وعدم صرف الأجور".

وتتابع في تقييمها لواقع الإعلام في تونس بأن "الفوضى تعم المشهد الإعلامي في البلاد" جراء ما اعتبرته "تغييبا مقصودا ومتعمدا للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هيئة مستقلة) باعتبارها الجهة العاملة على التعديل الذاتي مما أضر بمصداقية الإعلام لدى الرأي العام".

وتبعا لذلك، تشدد المتحدثة على أن "واقع الحريات لا يمكن أن يتعزز في مناخ يسوده الفقر والتهميش وحجب المعلومات والتضييق على النفاذ إليها وغياب النقاش العام في البلاد وتغييب البرامج السياسية في وسائل الإعلام العمومية الممولة من دافعي الضرائب مما يحرمهم من حقهم في فهم كيفية إدارة دواليب الدولة وسياساتها العامة".

وتلفت، في هذا السياق، إلى أن الصحفيين التونسيين وهياكلهم المهنية "باتوا على قناعـة بأن هدف السلطة واضح وهو التشفي والتنكيل بكل من يسمح لنفسه بالخوض في مواضيع حارقة تشغل الرأي العام أو انتقاد أداء أي مسؤول في الدولة".

وقد تم خلال العامين الأخيرين إحالة العشرات من الصحفيين على القضاء على معنى المرسوم 54 المثير للجدل والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات، ومن ضمنهم أربعة صحفيين يقبعون في السجن.

وفي مقابل الانتقادات الموجهة إلى السلطة في هذا الخصوص، يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن "حرية التعبير مضمونة بالدستور"، نافيا "تتبع أيّ كان من أجل فكره وهو حر في التعبير عنه".

مراجعة التشريعات

وشهدت تونس تراجعا لافتا في السنوات الأخيرة على مستوى التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن "مراسلون بلا حدود"، لتحل في الرتبة 118 عالميا من بين 180 بلدا شمله هذا التصنيف.

وكانت البلاد في العام 2020 تحتل الرتبة 72 عالميا، قبل إعلان الرئيس قيس سعيد "الإجراءات الاستثنائية" في 25 يوليو 2021.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان (غير حكومي) مصطفى عبد الكبير إن "تراجع واقع الحريات الصحفية مردّه استعمال السلطة لقوانين وتشريعات غير دستورية على غرار المرسوم 54 الذي عمّق الرقابة الذاتية وكان بمثابة سيف مسلط على رقاب الصحفيين".

ويضيف عبد الكبير لـ"الحرة" أن حرية الصحافة في تونس "تقتضي إلغاء المرسوم 54 وكل المناشير الحكومية التي من شأنها تعطيل عمل الصحفيين وتحول دون وصولهم للمعلومة، فضلا عن ضرورة رفع التجميد على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري "الهايكا" لتقوم بدورها في مراقبة الإعلام وتعديله وفق المعايير الدولية".

كما يدعو السلطة إلى مراجعة ما يصفها بالقوانين والتشريعات السالبة للحرية، و"حماية الصحفيين من التهميش وذلك دعما لاستقلاليتهم وضمانا لإعلام مهني قوي يقوم بأدواره الحقيقية".

وشدد الحقوقي على "أهمية انفتاح النظام على وسائل الإعلام والأحزاب والمنظمات وإطلاق سراح سجناء الرأي من ضمنهم الصحفيين الذين تمت محاكمتهم على معنى المرسوم 54".

يشار إلى أن عددا من نواب البرلمان في تونس قدموا العام الماضي مبادرة تشريعية تهدف إلى تعديل فصول هذا المرسوم وذلك بمراجعة الفصول التي تضمنت أحكاما سجنية مشددة.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.