صورة من داخل أحد المحلات التجارية بتونس
صورة من داخل أحد المحلات التجارية بتونس

انطلق موسم التخفيضات الشتوية أو ما يعرف ب "الصولد"، الأربعاء، بصفة استثنائية ليتواصل إلى غاية 1 مارس 2025 وفق ما أقرته وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية مؤخرا.

وتشارك في موسم التخفيضات عدة قطاعات أهمها تلك المتعلقة بالملابس والأحذية والأكسسوارات وبعض التجهيزات المنزلية، فيما تراوحت التخفيضات بين 20 و70بالمائة.

ورغم أن "الصولد" يهدف إلى تنشيط الحركة التجارية بأهم المدن التونسية وخاصة تونس العاصمة، فإن اليوم الافتتاحي الذي عرف تخفيضات تتراوح بين 20 ٪ و50٪ لم يشهد الإقبال المنتظر وفق ما يؤكده تجار، الأمر الذي يعزوه مواطنون إلى ارتفاع الأسعار في مقابل ضعف قدرتهم الشرائية.

تتزين واجهة العديد من المحلات بإعلانات تخص موسم التخفيضات

ارتفاع العرض وانخفاض الطلب

ومع انطلاق موسم التخفيضات، توشحت أغلب الواجهات البلورية للمحلات التجارية المنتصبة في الشوارع الرئيسية بتونس العاصمة، بملصقات مزينة باللون الأحمر تبرز نسبة التخفيضات وأخرى اختلفت ألوانها تحدد ثمن كل نوع من الملابس، لجذب اهتمام التونسيين، فيما كان الاقبال محتشما في ثاني أيام الصولد.

في هذا الخصوص، يقول الهادي البوعازي (35 سنة)، وهو صاحب محل لبيع الملابس الجاهزة، إنه رغم توفر العرض وكل ما يحتاجه التونسيون من الملابس وبأسعار يراها التجار تفاضلية، إلا أن الطلب ضعيف جدا وبالكاد ترى حريفا يدخل المحل لإلقاء نظرة.

ويتابع، في حديثه لموقع "الحرة"، أن هذا القطاع بات يشهد ركودا في الأعوام الأخيرة والكثير من المحلات التجارية أغلقت بسبب عدم القدرة على تغطية تكاليف أجور العمال، وتحمل أعباء ارتفاع الآداءات والمعاليم كالشحن والتوزيع.

ويتوقع البوعازي أن تتواصل حالة الركود في ظل ما اعتبرها تبعات الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس منذ جائحة كورونا في 2020.

ويلفت إلى أن المشاركين في موسم التخفيضات بالكاد يبيعون 20 بالمائة من منتوجاتهم المعروضة خلال فترة "الصولد.

في السياق ذاته، تؤكد مروى المسعودي (40 سنة)، وهي مسؤولة عن تسيير إحدى الفضاءات التجارية المختصة في بيع الأكسسوارات (نظارات شمسية وهدايا)، أن جل التجار باتوا على قناعة بأن التخفيضات الدورية التي يتم إقرارها من قبل وزارة التجارة لم تعد تحقق هدفها المنشود، وسط شبه عزوف من المواطنين على اقتناء احتياجاتهم.

وتضيف المسعودي، لموقع "الحرة"، أن أكثر ما يخشاه أصحاب المحلات التجارية أن يتواصل الحال على ماهو عليه، لا بيع ولا شراء وهو ما يعني أن الجميع على وشك الإفلاس، وفقدان مورد رزقهم، أعرف زملاء لي في المهنة أغلقوا محلاتهم وغيروا مجال عملهم".

وتبعا لذلك، تطالب المتحدثة وزارات الإشراف بدعم التجار والتخفيض في الأداءات على البضائع حتى يتمكنوا من تسويقها بشكل يراعي المقدرة الشرائية للتونسيين، وفق تعبيرها.

من جانب آخر، تتوقع الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة (نقابة) مشاركة ما بين 1700 و1750 محل تجاري في موسم تخفيضات شتاء 2025 .

إقبال محتشم على موسم التخفيضات الشتوية

"تخفيضات وهمية"

"يكفي أن تقوم بجولة خفيفة داخل المحلات التجارية لتكتشف أن الأسعار لم تتغير، وأن التخفيضات المزعومة وهم يسوّقه التجار للتونسيين..".

"إذ ليس من المعقول أن تجد ملابسا يصل سعرها بعد التخفيض إلى 700 دينار (نحو 230 دولار)، كيف للغالبية العظمى من التونسيين أن تقتني حاجياتها في ظل هذه الأسعار؟" هكذا تحدثت فاطمة الحمداني (37 سنة) لموقع "الحرة" عن رأيها بشأن موسم التخفيضات الشتوية في تونس.

وتوضح الحمداني أن الأسعار المعلنة خلال "الصولد" لا تراعي القدرة الشرائية للتونسيين مشيرة إلى أن الأسر التونسية باتت عاجزة عن اقتناء حاجياتها من الملابس في ظل ارتفاع حجم النفقات المخصصة لتدريس الأبناء وخلاص فواتير استهلاك الكهرباء والماء ومعلوم كراء السكن.

وتؤكد في المقابل، أنها ستنتظر حتى الأيام الأخيرة من موسم التخفيضات علّها تجد من البضائع المعروضة ما يمكن اقتناؤه.

من جانبه، يرى معز الشورابي، وهو أب لثلاثة أطفال، أن زيارته للمحلات والفضاءات التجارية "كانت بيضاء".

ويؤكد، لموقع "الحرة"، أن تقديم موسم التخفيضات الشتوية لهذا العام بصفة استثنائية شكل مفاجأة، خصوصا وانه لم يقم بجمع المبلغ المالي المتعود عليه.

وكانت نتائج مسح أجراه المعهد الوطني للاستهلاك حول "التونسي والتخفيضات الموسمية" سنة 2019 بيّن أن 8٪ فقط من العائلات التونسية تخصّص ميزانية خاصة بموسم التخفيضات "الصولد" مقابل 78٪ لا تفعل ذلك "أبدا" و 14٪ "أحيانا". 

صورة من داخل أحد المحلات التجارية في ثاني أيام موسم التخفيضات الشتوية بتون

وتعليقا منه على عزوف التونسيين على الإقبال على موسم التخفيضات الشتوية، يرى رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك (غير حكومية)، لطفي الرياحي، أن هناك تباينا حادا بين القدرة الشرائية والدخل الأسري في تونس يحول دون تنشيط الحركة التجارية في البلاد.

ويوضح الرياحي، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الصولد في تونس هو عملية تسويقية لمنتوجات أجنبية بأسعار عالية وجودة متدنية" وهو ما يفسر، وفقه، عزوف التونسيين عن شراء الملابس الجاهزة وذهابهم إلى محلات الفريب (الملابس المستعملة) لتكون ملاذهم في البحث عن ضالتهم".

"لا للاستثناءات"

وتبعا لذلك، يطالب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، كل المحلات المشاركة في موسم الصولد الشتوي، بإجراء تخفيضات على جميع المواد المعروضة وذلك دون استثناء البضاعة التي لم يتجاوز عرضها بالمحلات 90 يوما، موضحا أن القانون المنظم لمهنة التجارة يسمح للبضاعة التي تتواجد بالمحل لأقل من 90 يوما بأن لا تخضع "للصولد".

كما يدعو أصحاب المحلات إلى ضرورة وضع علامة التخفيض في المحل لجميع المواد دون استثناء، بما من شأنه أن يساهم أولا في تسهيل عمليات الرقابة وثانيا حتى لا يتسبب في مغالطة المواطنين والتأثير عليهم.

ويلفت في هذا الخصوص إلى "أن البضائع الجديدة التي لا يرغب التجار في وضعها بالتخفيض، يمكن اخفاؤها الى ما بعد نهاية موسم التخفيضات". 

ويشدد على أهمية إصدار قرار حكومي استثنائي يمنع ذلك، فضلا عن تمتيع النسيج الصناعي التونسي بأولوية العرض.

يشار إلى أن وزارة التجارة التونسية تؤكد مع كل موسم تخفيضات، على تشديد مراقبة المحلات ومعاينة وتتبع وزجر كل مخالفة للمقرر المتعلق بضبط تاريخ ومدة المبيعات بالتخفيض الموسمي وفقا لمقتضيات القانون المتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري وسط مطالب من أهل المهنة بضرورة تغيير هذا القانون.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.