تظاهرة منددة بالعنف ضد النساء في تونس ـ صورة أرشيفية

يثير العنف الاقتصادي ضد المرأة حفيظة الجمعيات الحقوقية النسوية في تونس، وتعتبره من بين الظواهر الاجتماعية  التي تهدد حقوق النساء العاملات في البلاد، مرجعة الأسباب إلى غياب رقابة السلطة  وضعف الإطار التشريعي.

ويعرّف القانون التونسي العنف الاقتصادي على أنه "كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة أو حرمانها من الموارد الاقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من الأموال أو الأجر أو المداخيل، والتحكم في الأجور أو المداخيل، وحضر العمل أو الإجبار عليه".

وقد توصّلت دراسة تحليلية قدمتها جمعية النساء الديمقراطيات (حقوقية نسوية)  الجمعة، حول العنف الاقتصادي المسلط على النساء في تونس إلى أن 93% من المبلغات عن العنف الاقتصادي هن نساء عاملات مشيرة  إلى " ضعف وصول النساء غير العاملات إلى خدمات الدعم".

وتشير هذه  الدراسة التي  استندت إلى تحليل 35 ملفا للعنف الاقتصادي لدى النساء بمحافظتي تونس (شمال) وصفاقس (جنوب) تحت عنوان " نساء تونس في مواجهة التهميش والفقر والحقوق المسلوبة" إلى  أن 70% من النساء اللواتي أبلغن عن العنف الاقتصادي لديهن مستوى تعليمي عال، في حين بلغت نسبة النساء اللواتي أبلغن عن العنف وتخلين عن متابعة الشكاوى ما يزيد عن 42%.

كما تبيّن  أن 34% من النساء فقدن وظائفهن بسبب الطرد التعسفي أو الاستقالات الناجمة عن التحرش داخل فضاء العمل، فيما أبلغت 29% من النساء عن فقدان موارد مالية بسبب الاحتيال أو الحرمان من الميراث. 

وتقول الناشطة الحقوقية الباحثة في العلوم السياسية، هيفاء ذويب، إن نسب التبليغ عن العنف الاقتصادي مرتفعة لدى النساء العاملات واللاتي لديهن مستوى تعليمي عال وذلك لتوفر الإمكانيات والفرص للولوج للخدمات أكثر من غيرهن من غير العاملات.

وتضيف ذويب لموقع "الحرة" أن أكثر من 80 % من ضحايا العنف الاقتصادي في تونس صرحن أن هذا العنف تسبب لهن في آثار نفسية قاسية وصلت إلى حد الاكتئاب والتفكير في الانتحار، على اعتبار أنهن العائل الرئيسي لأسرهن.

وتلفت الحقوقية إلى أن هناك أشكال فرعية للعنف الاقتصادي المسلط على النساء من ضمنه "التحرش الجنسي في أماكن العمل والعنف الاقتصادي الزوجي والتمييز في النقابات ".

"فقر وتهميش" 

من جانبها، ترى رئيس جمعية "بيتي" (حقوقية نسوية)، سناء بن عاشور، أن المرأة العاملة في تونس تعاني الفقر والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية النسوية في البلاد، بسبب ما اعتبرته ضعف السياسات العمومية والتشريعات في مجابهة "الهشاشة واللامساواة بين النساء والرجال في عالم العمل".

وتوضح بن عاشور، في حديثها لموقع "الحرة"، أن هنالك تمييز على مستوى الأجور بين الرجل والمرأة في تونس، حيث تتقاضى النساء أجرا أدنى من الرجال فضلا عن غياب التغطية الاجتماعية والصحية وعدم توفير نقل آمن إلى أماكن العمل.

وتشدد أن تونس رغم تحقيق تقدم على المستوى التشريعي بشأن حقوق المرأة إلا أنها ما تزال بعيدة عن المعايير الدولية في إرساء عدالة اجتماعية تحقق المساواة بين المرأة والرجل على جميع المستويات، لافتة إلى الجمعيات الحقوقية النسوية يساورها "شعور بالقلق" في هذا الجانب.

في السياق ذاته وبخصوص وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي، تؤكد عضوة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومية)، حياة عطار، أن هذا القطاع هو أقل الأنشطة دخلا من حيث الأجر الذي تتحصل عليه اليد العاملة النسائية بشكل خاص، وهو أحد أبرز أوجه الهشاشة واللّاحماية الاجتماعية للعمالة بشكل عام.

وتشير عطار، في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أنه إلى جانب تعرض العاملات الفلاحيات إلى حوادث سير تنجم عنها حالات وفاة أو تخلف اضرارا تؤدي الى العجز والإعاقة، فإن العاملات معرّضات يوميا لكل المخاطر ومهدّدات بالإصابة بالأمراض الخطيرة والمزمنة وبالأمراض الجلدية بسبب استعمالهن للمبيدات والأدوية دون وسائل وقاية ويعملن في فضاء غير آمن تنعدم فيه أدنى شروط الصحة والسلامة المهنية. 

وسجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 87 حادثا منذ سنة 2015 إلى حدود 15 يناير 2025، وخلفت هذه الحوادث وفاة 65 ضحية واصابة 955 عامل بجروح متفاوتة، 59% منها جدّت بعد إصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة الفلاحيين.

"عدم تفعيل القوانين"

ورغم القوانين التي سنّتها تونس عقب ثورة 2011 والهادفة إلى القضاء على العنف المسلط على النساء وحماية حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية، من ذلك القانون عدد 58 الصادر في 2017 والمتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، فضلا عن اصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة الفلاحيين، فإن الجمعيات الحقوقية النسوية تنتقد ما تعتبره غياب الإرادة السياسية في تفعيل هذه القوانين.

وتؤكد عضوة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حياة عطار، أن ترسانة التشريعات "لم ترافقها إرادة جادة للتغيير والانفاذ، على غرار اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالمساواة في الأجور، والاتفاقية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وكل الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

في السياق ذاته، ترى رئيس جمعية "بيتي"، سناء بن عاشور، أن تونس سجلت في الأعوام الأخيرة تراجعا كبيرا في تفعيل القوانين المتعلقة بحماية النساء ودعم حقوقها، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 20 حالة تقتيل نساء في البلاد في العام 2024 .

ولمجابهة العنف المسلط على النساء، أعلنت السلطات التونسية في نوفمبر الماضي عن مشاريع تشييد 17 مركزا لإيواء النساء ضحايا العنف وأبنائهن، بطاقة استيعاب تفوق 220 سرير، ضمن القرارات التي تبنتها في مشروع قانون الميزانية للعام 2025.

توصيات

وفي خصوص الإجراءات التي تطالب الجمعيات الحقوقية النسوية في تونس بتكريسها من أجل دعم حقوق المرأة والقضاء على العنف الاقتصادي المسلط عليها، تقول الناشطة الحقوقية سناء ذويب أنها تتلخص في ضرورة تحسين الإطار القانوني وتطبيق القوانين الموجودة بفعالية، وتعزيز دور النقابات والعمل على إدماج النساء في مواقع القيادة.

وتشدد المتحدثة على ضرورة إطلاق حملات توعية وتثقيف على نطاق واسع يشمل مختلف محافظات البلاد وذلك لكسر الصمت حول العنف الاقتصادي الذي يمارس على النساء، وفقها.

يشار إلى أن عدد المشتغلين في تونس في سنة 2023 بلغ نحو 3 ملايين و400 ألف من ضمنهم ما يقارب 970 ألفا من الإناث أي ما يعادل 28% من مجموع السكان المشتغلين، وفق مؤشرات قدمها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) في فبراير 2024.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.