احتجاجات أمام إحدى المحاكم بتونس للطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي
احتجاجات أمام إحدى المحاكم بتونس للطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي

دخل عدد من السياسيين المعتقلين داخل السجون التونسية في معركة "الأمعاء الخاوية" احتجاجا على بقائهم داخل السجن وللمطالبة بإطلاق سراحهم، في خطوة فتحت الجدل في الأوساط الحقوقية التونسية بشأن دوافعها وجدواها.

فمنذ 14 يناير الحالي، أعلنت الناشطة السياسية الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية منتهية مهامها) سهام بن سدرين،  عن دخولها في إضراب جوع في سجن منوبة احتجاجا على اعتبرته "ظلم مسلط عليها".

وصدرت في حق بن سدين في أغسطس الماضي بطاقة إيداع بالسجن على خلفية قضايا تتعلق بمهامها على رأس الهيئة من ضمنها تهمة "تزوير التقرير الختامي للهيئة".

بالتزامن مع ذلك، قرر الناشط السياسي التونسي، مصعب الغربي، الموقوف منذ 23 يوليو 2024، الدخول في إضراب عن الطعام داخل سجن إيقافه احتجاجا على عدم تحديد موعد محاكمة له، وفق ما صرحت به عائلته لوسائل إعلام محلية.

من جانبها، لوّحت رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض، عبير موسي، الموقوفة منذ 3 أكتوبر 2023 بسجن النساء بمنوبة (تونس الكبرى)، بالدخول في "إضراب جوع وحشي مفتوح" تنديدا بما تصفه بـ"المظالم غير المسبوقة المسلطة عليها"، وفق بلاغ أصدره الحزب في 16 يناير الجاري.

وتواجه موسي عدة قضايا، أبرزها قضية ما يعرف محليا بـ "مكتب الضبط التابع لرئاسة الجمهورية"، التي تؤكد هيئة الدفاع عنها، أن عقوبتها تصل إلى الإعدام.

وأثير الجدل في الأوساط الحقوقية والسياسية في تونس بشأن دوافع لجوء السجناء السياسيين إلى معركة "الأمعاء الخاوية"، ومدى تأثيرها على السلطة في الاستجابة لمطالبهم.

"صيحة فزع"

في تشخيصه لدوافع لجوء السجناء إلى إضراب الجوع، يرى المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، أن هذه الخطوة دليل على درجة اليأس والعجز عن حل مشكلتهم والاستجابة لطلباتهم بالطرق القانونية والإنسانية، وهي بمثابة دق ناقوس الخطر لدفع السلطات والمنظمات الحقوقية للتحرك.

ويوضح الجورشي، في حديثه لموقع "الحرة"، أن لجوء السجين لإضراب عن الطعام وتعريض حياته للخطر عبر التضحية بجسده يهدف لإجبار السلطة على مراجعة موقفها والتعامل معه بطريقة مختلفة، لافتا إلى أن معركة الأمعاء الخاوية هي آخر ورقة يلعبها السجين السياسي لاسترداد حقوقه.

وبخصوص تفاعل السلطة مع مثل الأساليب الاحتجاجية، يشدد المتحدث أن التجربة مع نظام الرئيس التونسي، قيس سعيد، أثبتت أنه "لا يؤمن بهذا الأسلوب وغير مستعد للخضوع إلى مثل هذه الضغوط والممارسات، لذلك تلجأ المنظمات الحقوقية إلى إقناع المضربين عن الطعام إلى فك الإضراب خوفا على حياتهم ولعدم جدوى مثل هذه الخطوات"

وسبق لعدد من المساجين السياسيين المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، بينهم زعيم حركة النهضة (إسلامي معارض) راشد الغنوشي، أن دخلوا في فبراير الماضي في إضراب عن الطعام، احتجاجا على استمرار إيقافهم بالسجن دون تقدم في ملفهم القضائي.

وكانت منظمات وجمعيات حقوقية محلية ودولية، طالبت، في بيان مشترك نشرته منظمة "محامون بلا حدود" في 14 يناير الحالي، بـ "إطلاق سراح الحقوقية سهام بن سدرين ووضع حدّ للمهزلة القائمة"، معتبرة أن استمرار سجنها يعد " رسالة ترهيب لكل الناشطين في المجال الحقوقي والمدافعين عن العدالة الانتقالية".


عودة بقوة

ويعتبر منسق "ائتلاف صمود" (حقوقية غير حكومية)، حسام الحامي، أن ظاهرة إضرابات الجوع داخل السجون التونسية منتشرة منذ عهد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي وفي فترة عشرية ما بعد الثورة التونسية، غير أنها عادت بقوة في فترة النظام الحالي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد، في خطوة تعكس تردي وضع الحقوق والحريات في البلاد.

ويقول المحامي لموقع "الحرة" إن هذا الأسلوب الاحتجاجي كان يجد تفاعلا من السلطات السابقة ولو بحد أدنى، غير أنه مع النظام الحالي لا يجد أي تفاعل ما يعكس المقاربة القائمة على تجاهل مطالب السجناء فضلا عن اللامبالاة بالمضايقات التي يتعرضون لها داخل السجن.

ويتابع في سياق متصل، أن مطالب المنظمات الحقوقية في تونس وخارجها تتركز أساسا حول ضرورة الحفاظ على مكتسبات الثورة التونسية وأهمها احترام الحريات العامة والفردية وإيقاف الملاحقات القضائية المتعلقة بحرية التعبير في البلاد.

ومنذ مطلع العام 202، شنت السلطات التونسية حملة اعتقالات واسعة، طالت عددا من الشخصيات السياسية البارزة ورجال أعمال وصحفيين وحقوقيين، في خطوة أثارت استنكار المنظمات الحقوقية واعتبرتها "انتهاكا للحقوق والحريات في تونس".

في مقابل ذلك، اتهم الرئيس التونسي، في مناسبات عديدة، أطرافا لم يسمّها بالوقوف وراء محاولة "تأجيج الأوضاع في البلاد والتآمر على أمنها"، مشددا على أن "حرية التعبير مضمونة بالدستور".

إطلاق سراح سجناء الرأي

و أعلنت مجموعة من النواب، الإثنين، عن مبادرة بعنوان "الوحدة الوطنية هي السبيل الأنجع لمجابهة التحديات المستقبلية". 

وتدعو المبادرة إلى ضرورة الوحدة الوطنية وإطلاق سراح معتقلي الرأي من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين، وتطالب باستقلالية القضاء واستكمال الهيئات الدستورية.

وفي هذا الصدد، يؤكد النائب بالبرلمان عن حزب حركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، وهو من النواب الموقّعين على بيان المبادرة، أن الهدف من هذا البيان هو المطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي في تونس، واستكمال إرساء المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء.

ويضيف عويدات، لموقع "الحرة"، أن تونس في حاجة إلى حوار وطني جامع لكل الأطياف السياسية والمنظمات الوطنية من أجل تنقية المناخ العام في البلاد، عبر وحدة وطنية تجابه التغيرات الإقليمية والدولية الراهنة.

ويذكّر في السياق ذاته، بأن مجموعة من نواب البرلمان قدمت منذ أوائل العام الماضي مبادرة تشريعية تتعلق بتنقيح المرسوم 54 المثير للجدل المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات، بهدف مراجعة العقوبات الواردة ببعض فصوله من ضمنها الفصل 24.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.