دافوس

تتجه الأنظار في تونس إلى مخرجات مشاركة الوفد التونسي في فعاليات الدورة الـ55 للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، الذي يأتي في ظل أزمة مالية واقتصادية خانقة تعيشها البلاد، وارتفع معها نسق الحراك الاجتماعي المطالب بالتنمية والتشغيل.

ويُعقد الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 في مدينة دافوس السويسرية، بحضور قادة العالم تحت عنوان "التعاون من أجل العصر الذكي".

سيناقش المؤتمر قضايا عدم اليقين الجغرافي الاقتصادي، والاستقطاب الثقافي، والتوترات التجارية، والقلق المناخي.

وضم الوفد التونسي المشارك كلًا من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، ووزير الاقتصاد والتخطيط، سمير عبد الحفيظ، وفق بيان صادر عن وزارة الاقتصاد التونسية.

وتشير إحصائيات رسمية إلى حاجة تونس إلى تسديد ديون داخلية وخارجية هذا العام تناهز 6 مليارات دولار.

كما تحتاج إلى خفض حجم المديونية التي فاقت 82% من إجمالي الناتج المحلي الخام سنة 2024، فضلًا عن عجز في ميزانية الدولة يزيد عن 6% من الناتج الإجمالي المحلي العام الماضي.

وقد أثارت مشاركة تونس في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس هذا العام نقاشًا حول مدى أهمية هذه المشاركة وأبرز الرهانات والانتظارات المرجوة منها.

الترويج لدفع الاستثمار

ورأى الرئيس السابق للهيئة التونسية للاستثمار، خليل العبيدي، أن تونس تواظب باستمرار على المشاركة في منتدى دافوس باعتباره أحد أكبر المنتديات العالمية التي تضم قادة كبارًا ومسؤولين في مراكز صنع القرار.

واعتبر أن تونس بحاجة إلى تقديم لمحة عن مختلف الإصلاحات في الاقتصاد التونسي ومميزاته، فضلًا عن القطاعات الواعدة التي توليها الدولة اهتمامًا.

وقال العبيدي لموقع "الحرة" إن هذا المنتدى يشكل فرصة للاطلاع على برامج التمويل الدولية وتفاصيل المساعدة الفنية المتوفرة، إلى جانب الاطلاع على التوجهات العالمية في المجالات الحيوية مثل التحول الرقمي، والاقتصاد الأخضر، والطاقات المتجددة.

وأضاف أن الحكومة التونسية مطالبة بالترويج لتونس كوجهة استثمارية جيدة في العديد من القطاعات مثل قطاع مكونات السيارات والصناعات الصيدلانية وغيرها.

وأشار إلى أهمية تقديم صورة جديدة تُبرز الاستقرار السياسي والتنوع الاقتصادي، واستمرار نطاق الإصلاحات التي يحتاج الرأي الدولي إلى سماعها في الفترة الحالية، خاصة في ظل تدني أرقام التصنيف الائتماني للبلاد.

وكانت مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني قد رفعت في سبتمبر الماضي تصنيف تونس إلى مستوى CCC+، مشيرة إلى أن هذا الإجراء يعكس الثقة المتزايدة في قدرة الحكومة على تلبية احتياجاتها التمويلية الكبيرة.

وشهد تصنيف تونس الائتماني تراجعًا مستمرًا في السنوات الأخيرة بسبب حجم الدين الخارجي، والبطالة، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

الاستفادة من الكفاءات التونسية

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي ماهر بلحاج أن الدورة الـ55 للمنتدى الاقتصادي العالمي ركزت في عنوانها على الذكاء الاصطناعي الذي فرض نفسه كتحول رقمي وتكنولوجي. وهو ما يستوجب مراهنة الحكومة التونسية على الترويج لما تزخر به البلاد من كفاءات عالية في هذا المجال.

وقال بلحاج، لموقع "الحرة"، إن تونس قادرة على أن تكون وجهة ومنصة عالمية للاستثمار في المجال الرقمي من خلال التسويق لكل ميزاتها التفاضلية، وخاصة مواردها البشرية. وأبرز أن تونس تمتلك القدرة على دفع الاقتصاد الرقمي عبر تطوير الخدمات المالية الرقمية، والدفع الإلكتروني، وغيرها من الوسائل التي تحقق الاندماج المالي والاجتماعي.

وشدد على أن هذا البلد المغاربي بدأ في الأعوام الأخيرة وضع أطر تشريعية وترتيبية محفزة لبعث وتطوير مؤسسات ناشئة تقوم على الابتكار والتجديد واعتماد التكنولوجيات الحديثة، فضلًا عن توجهه لـ"رقمنة" الخدمات الإدارية وتعصيرها، بما يساهم في تقليص التعقيدات المرتبطة ببعث مشاريع تنموية في تونس.

وأشار بلحاج إلى أن اللافت في مشاركة تونس في منتدى دافوس هذا العام هو اقتصار الوفد التونسي على وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير الخارجية، ما يعني أن الحكومة تُعوّل على إبراز احتياجاتها الاقتصادية بالأساس.

ولفت إلى أن المشاركات السابقة تضمنت حضور وزارة المالية بهدف التفاوض مع ممثلي الصناديق الدولية المانحة.

لقاءات مكثفة

وبمناسبة مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، التقى وزير الخارجية التونسي، محمد علي النفطي، الثلاثاء، وزير العدل والشرطة بسويسرا، بيت يانس.

وتمحور اللقاء حول استرجاع الأموال المنهوبة وتسهيل إجراءات إقامة الجالية التونسية بسويسرا، وفق بيان للخارجية التونسية.

كما تناولت آليات تمويل تونس لتسهيل مسارات اندماجها في الاقتصاد العالمي، وذلك خلال لقاء النفطي بالمديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نجوزي أوكونجو إيويالا.

وأجرى وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي، سمير عبد الحفيظ، سلسلة لقاءات مع نائبة رئيس البنك الأفريقي للتنمية ورئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

وخلال هذه اللقاءات، قدم عبد الحفيظ "فكرة حول المؤشرات الاقتصادية في تونس مثل نسب التضخم والنمو، والتحكم في التوازنات الكبرى".

كما أبرز أولويات تونس التنموية وبرامجها الإصلاحية، خاصة على مستوى تحسين مناخ الاستثمار والأعمال، وتطوير منظومته، ومجابهة تداعيات التغيرات المناخية، والتقدم في مسار الانتقال الطاقي والرقمي، وفق بيان صدر الثلاثاء عن وزارة الاقتصاد والتخطيط.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.