الهيئة وضعت شروطا وصفت بالصارمة للتشرح

قدمت مجموعة من أعضاء المجالس المحلية بتونس، مؤخرا، مقترح مبادرة إلى البرلمان تتعلق بتأجيل الانتخابات البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية تجمع بين "الكفاءات المنتخبة والمعينة"، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة بشأن قانونيتها وتداعياتها على الخدمات الموجهة للتونسيين.

ويتعلق نص المبادرة بحسب الوثيقة التي تحصلت "الحرة" على نسخة منها بطلب تأجيل الانتخابات البلدية المقررة إلى موعد لاحق وتعويضها بنيابات خصوصية تتكون من أعضاء من المجالس المحلية الحالية إلى جانب إطارات من الإدارات الجهوية ذات الاختصاص".

وتعد البلديات آخر استحقاق انتخابي وفق البرنامج الذي أعلن عنه الرئيس سعيد بعد إقراره الإجراءات الاستثنائية في يوليو 2021 وبعد حلّه لما يناهز 350 مجلس بلدي في تونس سنة 2023.

ورغم عدم تحديد موعد رسمي لإجراء الانتخابات البلدية، فإن المساعي لتأجيلها أثارت جدلا بشأن دوافعها، ومدى تماهيها مع دستور البلاد، وانعكاساتها على الخدمات المقدمة للتونسيين على مستوى المعتمديات.

"تخفيف الأعباء المالية "

في تعليقه على دوافع طلب تأجيل الانتخابات البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية، يؤكد رئيس المجلس المحلي بباردو بمحافظة تونس، فادي بن يونس، أن هذه الخطوة أتت على إثر تواتر التشكيات من المواطنين من تعطل الخدمات المتعلقة بحياتهم اليومية مثل صعوبة الحصول تراخيص عدادات المياه والكهرباء وغيرها من المشاغل التي لم يتمكن الكتاب العامون المكلفون بتسيير البلديات من تذليلها على اعتبار أنها من اختصاص المجلس البلدية.

ويوضح بن يونس في حديثه لموقع "الحرة" بأن إيداع مبادرة تشريعية في هذا الخصوص، إلى الغرفتين النيابتين يمثل حلا ظرفيا، المقصد منه تأجيل الانتخابات البلدية وليس إلغاؤها وتعويضها بنيابات خصوصية متكونة من أعضاء المجالس المحلية المنتخبة التي لها صفة الجماعات المحلية ومديري الإدارات المحلية، أي الجمع بين الكفاءات المنتخبة والكفاءات المعيّنة.

ويقول في السياق ذاته، إنه في ظل الوضع المادي المتردي واتباعا لسياسة الدولة كالاعتماد على مواردنا الذاتية وسياسة التقشف علينا ايجاد حلول للتنمية المحلية دون المزيد من الاعتماد على نفقات الدولة يرى عدد من أعضاء المجالس المحلية من خلال المبادرة سالفة الذكر، امكانية تحويل الاعتمادات المخصصة للانتخابات البلدية الى جمعيات تنموية تمول المشاريع المحلية الصغرى.

ويرى المتحدث "أن النيابات الخصوصية يمكن لها تمثيل كل العمادات (أصغر قسم إداري بالبلاد) الراجعة بالنظر إلى البلديات في حين أن الانتخابات البلدية يمكن أن تقصي بعض العمادات"، وفقه.

ومنذ توليه السلطة في أكتوبر 2019 لم يتردد الرئيس التونسي قيس سعيد في إعلان موقفه المنتقد للمجالس البلدية التمثيلية والمنتخبة والتي يرى فيها امتدادا لأحزاب سياسية معارضة ومنافسة له إلى جانب عدم اقتناعه بنجاعة مسار اللامركزية الذي تم إرساؤه عقب الثورة التونسية في 2011.

مخالفة الدستور

من جانبه، يؤكد الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، أن المبادرة التشريعية المتعلقة بتأجيل الانتخابات البلدية، مخالفة لأحكام الباب السادس من دستور البلاد لسنة 2022 والذي ينظم الجماعات المحلية والجهوية.

ويقول المنصري لـ "الحرة" إن الفصل 133 من الدستور ينص صراحة على أن المجالس البلدية هي جماعات محلية تمارس المصالح المحلية طبقا لما يقتضيه القانون، وعلى هذا الأساس فإن إقصاء هذه المجالس هو مخالف لما ورد في هذا الدستور.

وبخصوص إجراء الانتخابات البلدية، يشدد المتحدث على أن هيئة الانتخابات على استعداد لإجرائها وأن الإطار التشريعي جاهز، لافتا إلى ضرورة تنقيح مجلة الجماعات المحلية أو إصدار قانون أساسي جديد للبلديات كي يتماشى من النظام القانوني الجديد.

ويتفق رئيس "الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (رقابية وغير حكومية) بسام معطر، مع الآراء الداعية إلى ضرورة احترام الدستور الذي أقر الانتخابات البلدية كاستحقاق انتخابي وجب الالتزام به وإجراؤه، معتبرا أنه "من غير الصالح الدمج بين مجلسين محلي وجهوي".

تراجع الخدمات

وبشأن تداعيات هذا التوجه على الخدمات البلدية، يؤكد معطر لموقع "الحرة" أن التعويل على النيابات الخصوصية في تسيير البلديات بعد حل مجالسها المنتخبة في 2023، أثبت تراجعا في مستوى الخدمات المسداة للتونسيين وتقهقرا في أخذ القرارات المتعلقة بالتنمية في عديد المناطق.

ويرى أنه من الضروري إتمام كل القوانين المتعلقة بالمجالس المحلية وتنظيمها فضلا عن تحديد موعد رسمي لإجراء الانتخابات البلدية وتركيز مجالسها كي تستعيد أدوارها في إسداء الخدمات والنهوض بمشاغل التونسيين في مختلف ربوع البلاد.

في سياق متصل، يعتبر الخبير في الحوكمة المحلية محمد الضيفي في حديثه لـ"الحرة" أن حالة الشغور التي تعيش على وقعها البلديات في تونس في السنوات الأخيرة "خلقت فراغا كبيرا وتداخلا في المهام بين أعضاء المجالس المحلية والجهوية وكذلك نواب البرلمان في ما يتعلق بالمسائل الحياتية للمواطنين من ذلك مشاكل توفير الكهرباء وإنارة الشوارع ومياه الشرب وغيرها، والتي هي من صميم العمل البلدي". 

ويتابع في هذا الإطار بأن المجالس البلدية هي من تتداول في المخططات التنموية وتمرر مقترحاتها في هذا الخصوص إلى المجالس الجهوية كما أن لها صلاحيات اتخاذ القرارات في الجهات الراجعة لها بالنظر وتنفيذها وفق ما يتماشى مع الميزانيات المخصصة لها.

يشار إلى أن أول انتخابات بلدية في تونس بعد ثورة 2011 تم تنظيمها في 2018، قبل أن يقرر الرئيس قيس سعيد حل مجالسها المنتخبة بضعة أشهر قبل انتهاء عهدتها المحددة قانونا بخمس سنوات.

الرئيس التونسي، قيس سعيد (فرانس برس)
الرئيس التونسي، قيس سعيد (فرانس برس)

تزداد الضغوط السياسية في تونس من قبل الأحزاب الموالية والمعارضة لعقد حوار وطني يخرج البلاد من أزمتها، وسط تمسك الرئيس التونسي، قيس سعيد، برفض هذه الخطوة بذريعة أن الحوار "لا يكون مع من سرقوا البلاد ونهبوها".

آخر هذه الدعوات إلى حوار وطني جاءت من حزب "العمل والإنجاز"، وهو أحد مكونات جبهة الخلاص الوطني، إذ طالب في بيان له في 6 فبراير الجاري "كافة القوى السياسية إلى الحوار والتعاون من أجل إخراج البلاد من أزمتها متعددة الأبعاد، التي تهدد حاضرها ومستقبل أجيالها القادمة".

وقبل ذلك بأيام، طرحت "حركة حق" التونسية (تضم ثلاثة أحزاب) مبادرة وطنية دعت فيها إلى حوار وطني شامل يحقق انفراجا سياسيا في البلاد، مؤكدة ضرورة أن تكون هذه المبادرة وطنية جامعة تعيد بناء الثقة بين مختلف الأطراف وتفتح مسارا جديدا نحو الاستقرار والتنمية.

ومن بين الأحزاب الداعمة للنظام التي تتمسك بإجراء وطني، حزب التيار الشعبي الذي طالب، في يناير الماضي، السلطة "الخروج من حالة الانغلاق السياسي ومد جسور التواصل مع جميع الأحزاب والهيئات المهنية والمنظمات والفعاليات الشعبية والنخب الثقافية والإعلامية والأكاديمية الوطنية المناهضة للرجعية والهيمنة والمؤمنة بالديمقراطية والسيادة".

وتأتي هذه الدعوات في ظرف تشهد فيه البلاد ارتفاع نسق الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل، وأزمة سياسية حادة، عمّقتها أحكام قضائية "ثقيلة" بالسجن في حق قيادات سياسية وأمنية وصحفيين. 

وفي رده على الطلبات المتزايدة للأحزاب ونواب البرلمان والمنظمات الوطنية من ضمنها الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة إجراء حوار وطني، أكد سعيد أن " الحوار لا يكون من سرقوا البلاد ونهبوها"، بعد أن  قال سابقا إن البلاد في حاجة إلى "وحدة وطنية صمّاء".

موقف الرئيس فتح جدالا بشأن أسباب تمسكه بعدم إجراء حوار وطني لتهدئة الأوضاع المحتقنة في البلاد، وتداعيات هذه الخطوة على هذا البلد المغاربي.

الاستفراد بالرأي

تعليقا على هذا الموضوع، يرى القيادي في "جبهة الخلاص الوطني" (ائتلاف حزبي معارض)، رياض الشعيبي، أن إصرار سعيد على رفض الحوار الشامل يعكس رغبة السلطة في إقصاء كل القوى السياسية في البلاد والاستفراد بالرأي وعدم الانصات لمختلف المطالب وعدم الانصات للمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمختلف الفاعلة في تونس.

وقال الشعيبي، لموقع "الحرة"، إن المعارضة لا تستغرب من موقف النظام وتعتبر أن السلطة لاتزال ماضية في سياسة التعسف والاستبداد واعتقال المعارضين ومحاولة إقصاء كل رأي مخالف.

وأضاف أن " الأخطر من هذا الوضع، هو معاناة العشرات من المعتقلين منذ سنوات في السجون التونسية من أوضاع صحية واجتماعية صعبة، على خلفية قضايا مفبركة ولا أساس لها من الصحة".

ولفت إلى أن السلطة محرجة في هذا الملف ورغم ذلك لاتزال مصرة على تشديد الأحكام وتوسيع دائرة الاعتقالات.

وكانت جبهة الخلاص الوطني قدد نددت في بيان الأربعاء بتدهور الوضع الصحي للمعتقلين نور الدين البحيري ومنذر الونيسي، مشيرة إلى أنهما يرقدان بمستشفيات تونس العاصمة لتلقي العلاج.

وفي هذا الخصوص، يعتبر رياض الشعيبي أن ما يحدث يأتي في سياق "السياسة التنكيلية التي تنتهجها السلطة تجاه المعارضين"، مشددا على أن من مبررات رفض سعيد للحوار هو عدم فتح الملفات الحقوقية وإطلاق سراح المعتقلين.

في المقابل، اتهم سعيد في مناسبات عديدة خصومه السياسيين بـ"التآمر على أمن الدولة ومحاولة تفجير الأوضاع في البلاد"، وهي اتهامات تخللتها حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات سياسية ورجال أعمال و صحفيين في تونس.

من جانبه، أكد أمين عام حزب "حراك 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة)، محمود بن مبروك، أن الأحزاب المؤيدة للنظام طالبت بحوار وطني يقتصر على من يؤيدون خطوات الرئيس والمسار الذي انتهجه منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021.

الرئيس في حوار مع الشعب

ويرجع بن مبروك، في حديثه لموقع "الحرة"، أسباب رفض سعيد لحوار وطني، إلى ما قال إنه " رفض للتحاور مع من كانوا سببا في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال العشرية السوداء" مؤكدا أن سعيد في "حوار مباشر ودائم" مع الشعب ويستمع إلى مشاغل التونسيين وتلبية احتياجاتهم.

ونفى المتحدث وجود أزمة سياسية في تونس، مشددا على أن سعيد أوفى بتعهداته السياسية من خلال إجراء كل المحطات الانتخابية في مواعيدها وإرساء برلمان في انتظار إجراء آخر استحقاق انتخابي يتعلق بالمجالس البلدية.

وتابع في هذا السياق، أن الحوار الذي تدعو إليه أحزاب المعارضة في تونس "يهدف إلى إعادة إحياء المنظومة السابقة التي رفضها الشعب وتجاوزها الزمن".

ولفت، في المقابل، إلى أن الأحزاب المؤيدة للسلطة في تواصل دائم مع النظام وتقدم مقترحاتها بشأن معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وما بين مطالب الأحزاب وموقف النظام في تونس من الحوار الوطني، تصاعد نسق الحراك الاحتجاجي الاجتماعي في البلاد خلال يناير 2025 بنحو 181% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. 

وقفز من 137 تحركا احتجاجيا خلال يناير 2024 الى 386 تحركا احتجاجيا خلال يناير هذا العام، وفق احصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي).

"أزمة متأصّلة"

من جانب آخر، يرى المحلل السياسي خالد كرونة أن الأزمة التي تعيشها تونس متأصّلة وليست ظرفية، وذلك في ظل عجز السلطة عن إيجاد حلول للقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، قال كرونة في حديثه لـ "الحرة" إن أمر الحوار الوطني بات وراء ظهور التونسيين، وماهو إلّا مدخل اتخذته المعارضة لتحاول استعادة المبادرة السياسية في البلاد.

وتبعا لذلك، اعتبر المتحدث  "أن الاتجاه العام، يؤكد أن خواء برامج المعارضة وانكفاءها ضمن مربع الاحتجاج الحقوقي، سيترك المجال رحبا أمام السلطة لتستمر في رسم السياسات العامة رغم ضغوطات المديونية وتفشي البطالة وتزايد مؤشرات الفقر".