احتجاجات سابقة في تونس لحرية الصحافة

الصحفيان شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب ينجحان في دق ناقوس الخطر في تونس بشأن مصير حرية الصحافة في عهد قيس سعيد، رغم أنهما عاجزان عن الكتابة لأسباب خارجة عن إرادتهما.

فشذى ومحمد لم يطلقا نداء استغاثة أو يكتبا مقالًا يوثقان فيه معاناتهما مع المرض وحريتهما المسلوبة منذ أشهر، بل تكفلت نقابة الصحفيين التونسيين بهذه المهمة.

"الاضطرابات الصحية" التي تعاني منها شذى بعد أن تم إيداعها السجن في يوليو الفائت، وغياب الرعاية الصحية الذي يشكو منه محمد المصاب بداء السكري، دفعا النقابة للتحرك.

وحذرت النقابة من تبعات ما يعانيه شذى ومحمد باعتباره "يعرض سلامتهما وحياتهما لخطر محدق، ويتطلب تدخلات طبية عاجلة ومتعددة في مؤسسات طبية تضمن نجاعة العلاج".

ودعت، في بيان نشرته الاثنين، وزارة العدل "لتحمل المسؤولية القانونية والإنسانية في حماية الصحفيين محمد بوغلاب وشذى الحاج مبارك، والعمل على إيقاف نزيف التدهور الخطير في صحتهما".

وطالبت نقابة الصحفيين وزارة العدل "باتخاذ الإجراءات الضرورية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهما".

وقضية الصحفيين تخطت الحدود التونسية، فـ"جمعية ضحايا التعذيب"، التي تتخذ من جنيف مقرًا لها، وجهت، الأحد، "نداءً عاجلًا للإفراج الفوري عن الصحفي محمد بوغلاب وتوفير الرعاية الصحية له".

وأشارت، في بيانها، إلى أن بوغلاب يبلغ من العمر 61 عامًا ويعاني من وضع صحي متدهور داخل السجن بعد توقيفه في مارس 2024.

وأوضحت الجمعية أن بوغلاب "يعاني من مشاكل خطيرة في بصره، حيث نسبة الإبصار في عينه اليمنى لا تتجاوز 1 من 10، والعين اليسرى متضررة بشدة بسبب تراكم السكري"، فضلًا عن "أوجاع البروستاتا".


"ناقوس خطر"

وقالت نقابة الصحفيين التونسيين إنها تدق ناقوس الخطر إزاء الأحكام السالبة للحرية وتواتر المحاكمات والإحالات خارج إطار القانون المنظم لحرية الصحافة والطباعة والنشر، على قوانين كالمرسوم 54 وقانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.

ونبّهت، في المقابل، الرأي العام "لخطورة الإحالات العدلية المسجلة وتأثيراتها الخطيرة على العمل الصحفي وتحجيم دوره في معالجة قضايا الرأي العام، ومسؤوليته الرقابية على السياسات العمومية بما يعكس المسؤولية المجتمعية للصحافة التونسية".

كما دعت الدولة والمحاكم التونسية مجددًا إلى "إيقاف كل التتبعات غير الدستورية خارج إطار القانون المنظم لقطاع الصحافة لكل الصحفيين والإعلاميين المحالين على خلفية مضامين صحفية وإعلامية، وإطلاق سراحهم"، بحسب نص البيان.

وتمثل الصحفية شذى الحاج مبارك، الثلاثاء، أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الابتدائية بتونس في حالة إيداع بالسجن، على خلفية ما يعرف محليًا بقضية "إنستالينغو"، بعد أن رُفضت جميع مطالب الإفراج عنها التي قدمتها هيئة الدفاع.

وسبق لمحكمة الاستئناف بتونس أن أصدرت، الجمعة 22 يناير 2025، حكمًا بالسجن لمدة 18 شهرًا في حق المحامية والإعلامية سنية الدهماني، بناءً على المرسوم 54 الخاص بجرائم أنظمة المعلومات والاتصال.

كما قررت المحكمة ذاتها، أمس الاثنين، تأجيل النظر في ملف الصحفي خليفة القاسمي إلى تاريخ 24 فبراير القادم، بعد أن أُحيل في هذا الملف بناءً على قانون مكافحة الإرهاب إثر نشره خبرًا صحفيًا استقاه من مصدر أمني رسمي.

وقد سبق أن نقضت محكمة التعقيب حكمًا استئنافيًا بالسجن 5 سنوات في حق خليفة القاسمي صدر في 15 مايو 2023.

التحقيقات المتواصلة

في سياق متصل، يستمع قاضي التحقيق الاثنين 27 يناير الجاري والأربعاء 29 من الشهر نفسه إلى كل من الصحفي مراد الزغيدي والإعلامي برهان بسيس في إطار مواصلة التحقيق معهما في قضايا مالية.

ومنذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، تصاعدت وتيرة الانتقادات التي وجهتها المنظمات والجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية للسلطة، متهمةً إياها بـ"انتهاك الحقوق والحريات ومحاكمة كل منتقد للنظام".

"خارج إطار سلطة القانون"

"إن الفترة الذهبية لحرية الصحافة كانت في سنوات ما بعد ثورة 2011، رغم مساعي الحكومات المتعاقبة وضع يدها على الإعلام، وقد نجحت نقابة الصحفيين التونسيين في التصدي لها. غير أنه منذ 25 يوليو 2021، أصبحنا خارج نطاق سلطة القانون، وأصبح نظام الرئيس سعيد يتحكم في مسار الملاحقات القضائية في حق الصحفيين"، هكذا شخّص الصحفي زياد الهاني، في حديثه لموقع "الحرة"، واقع حرية الصحافة في هذا البلد المغاربي.

ويرى الهاني أن حرية الصحافة في تونس عاشت مراحل متباينة ما بين انغلاق وانفتاح، واختلفت باختلاف الأنظمة التي حكمت البلاد.

وأشار إلى أن عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي اتسم بالتعسف على عمل الصحفيين، لكنه كان يحترم الشكلية القانونية لمهنة الصحافة.

ويشدد، في المقابل، على "أن الرئيس سعيد قد سنّ مراسيم من ضمنها المرسوم 54، وجعلها أداة لضرب كل نفس صحفي حر. وقد استغلت بعض أجهزة الدولة هذا المرسوم لمواجهة الانتقادات وتتبع المنتقدين قضائيًا".

وبشأن المحاكمات التي يتعرض لها خلال الفترة الماضية، قال المتحدث إنه يواجه 5 قضايا تتعلق بعمله كصحفي، حُكم في إحداها بستة أشهر مع تأجيل التنفيذ، فيما يتم التحقيق معه في بقية القضايا، من بينها قضية تتعلق بتهمة الإرهاب وتصل عقوبتها إلى الإعدام.

ويعتبر أن عدم إرساء المحكمة الدستورية وإلغاء المرسوم 54 له دلالات واضحة المعالم، وهي "أن الرئيس سعيد يريد أن يحكم بصورة فردية ومطلقة دون حسيب ولا رقيب ولا مراجع لقراراته"، وفقه.

وأشارت تقارير حقوقية وإعلامية إلى أن أكثر من 60 شخصًا خضعوا للمحاكمة في تونس بموجب المرسوم 54 منذ سنّه في 2022، فيما لا يزال العشرات، من بينهم صحفيون ومحامون ومعارضون، محتجزين في السجون.

ردود السلطة
 

في ردٍّ على هذه الانتقادات، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، في مناسبات عديدة، أنه "يرفض المساس بأي كان من أجل فكرة، فهو حر في اختياره وحر في التعبير"، نافيًا "تتبع أي شخص من أجل رأي".

وقال سعيد، عقب لقائه بوزيرة العدل ليلى جفال في مايو الماضي: "نرفض رفضًا قاطعًا أن يُرمى بأحد في السجن من أجل فكره، فهي مضمونة في الدستور".

يشار إلى أن 60 نائبًا بالبرلمان التونسي طالبوا، الأسبوع الماضي، رئاسة البرلمان باستعجال النظر في المبادرة التي قدموها مطلع العام الماضي، والمتعلقة بتنقيح المرسوم 54 ومراجعة العقوبات المشددة التي تضمنتها فصوله.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.