أعضاء من قوات تونسية أمنية خاصة
أعضاء من قوات تونسية أمنية خاصة

استقطبت الجماعات الإرهابية أكثر من 30 قاصرًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي في تونس خلال سنة 2024، حيث باتت تعتمد بدرجة كبيرة على استقطاب النشء في هذا البلد المغاربي.

وأفاد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني، حسام الدين الجبابلي، بأن هذه الشبكات تُعتمد بدرجة كبيرة جدًا في استقطاب صغار السن، بالإضافة إلى الكتب والمقالات التي يتم استخدامها لاستقطاب الأطفال.

وأضاف الجبابلي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، يوم الثلاثاء، أنه تم فتح قضايا عدلية في هذا الإطار.

وواجهت تونس، منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، جماعات متطرفة تتحصن بالمرتفعات الغربية للبلاد، أبرزها "جند الخلافة" و"عقبة بن نافع" التابع لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

كما عاشت البلاد على وقع أحداث دموية، كان أبرزها خلال عامي 2015 و2016، حيث استهدفت العمليات الإرهابية السياح الأجانب والأمنيين.

وشهدت مدينة بن قردان، الواقعة على الحدود مع ليبيا في 2016، أحد أكبر الهجمات "الداعشية"، مما أسفر عن مقتل 13 من قوات الأمن وسبعة مدنيين، بينما قُتل 55 متطرفًا على الأقل واعتُقل العشرات.

وتثير مساعي الجماعات الإرهابية لاستقطاب الناشئة في تونس عبر شبكات التواصل الاجتماعي التساؤلات بشأن الدوافع والتداعيات وسبل الحد من خطورة هذه الظاهرة.

"القصّر فريسة سهلة"

في تحليله لدوافع تركيز الجماعات المتطرفة على استقطاب القُصّر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يرى المختص في علم الاجتماع، أحمد الأبيض، أن هذه الفئة من المجتمع تكون "فريسة سهلة للاستقطاب"، نظرًا لأن الأطفال في مرحلة المراهقة يميلون إلى فكرة تغيير العالم وإصلاح الأوضاع، وهو ما يجعلهم مهيّئين للتفاعل مع كل خطاب يتضمن هذا المشروع.

وقال الأبيض، لموقع "الحرة"، إن هذه الشبكات باتت تستغل حالة الإدمان على الهواتف الذكية، حيث تتصيّد الناشئة الذين يتقبلون ما يُلقى إليهم من أفكار دون القدرة على النقد، إذ ينظرون إلى هذه الأفكار على أنها الحقيقة المطلقة في ظل غياب الرقابة الأسرية.

وتبعًا لذلك، يشدد المتحدث على أن غياب إطار مرجعي قيمي، يحكم الطفل من خلاله على محاولات الاستدراج تلك بإيجابية أو سلبية، يجعله يسقط في فخ الاستقطاب بعيدًا عن رقابة الآخرين، لافتًا إلى أن هذا الخطر يستوجب حملات توعية ومراقبة داخل الأسرة والفضاء التربوي في البلاد.

وفي أبريل الماضي، أطلقت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة في تونس حملة اتصالية للتوقي من المخاطر السيبرانية على الأطفال، تضمنت إصدار دليل حول "الاستخدام الآمن للإنترنت".

"الجهاد الإلكتروني"

"إن ظاهرة ما يسمى بالجهاد الإلكتروني قديمة، فالحركات الإرهابية كانت تقريبًا سبّاقة في استغلال الفضاء الافتراضي لاستقطاب الأشخاص، غير أن الجديد في الموضوع هو التوجه نحو استقطاب الأطفال، وهو أمر يستدعي دق ناقوس الخطر لما لذلك من تبعات خطيرة على المجتمع التونسي"، هذا ما يراه الخبير الأمني والعميد السابق بالحرس التونسي، خليفة الشيباني.

وقال الشيباني، لموقع "الحرة"، إن الجماعات الإرهابية تبتكر طرقًا جديدة للهروب من الرقابة الأمنية والمجتمعية، وذلك بالتركيز على "القُصّر"، مستغلةً في ذلك غياب النضج وهشاشة هذه الشريحة، حيث تقوم بتوظيفهم في تنفيذ عمليات إرهابية.

وأضاف أن الخلايا المتطرفة تخلّت عن الطرق الكلاسيكية في التواصل المباشر مع الأشخاص، كالالتقاء بهم في المساجد أو الفضاءات العامة، وأصبحت تستغل شبكات التواصل الاجتماعي للقيام بهذه المهام، لافتًا إلى أن جرائم إرهابية جرى تنفيذها عن بُعد، عقب التواصل مع أطفال افتراضيًا وتعليمهم كيفية صنع المتفجرات التقليدية.

وبخصوص التعامل الأمني في تونس مع هذا الملف، يؤكد العميد السابق بالحرس الوطني أن تونس حققت "نجاحات باهرة" في مجال مكافحة الإرهاب، مشددًا على أهمية تعزيز الأمن السيبراني لمنع التوظيف السلبي للإنترنت ولشبكات التواصل الاجتماعي في تهديد أمن البلاد.

ورغم أن القانون التونسي يفرض عقوبات مشددة على كل من يتورط في عمل إرهابي أو ينضم إلى جماعات متطرفة، ومن ضمن هذه العقوبات السجن المؤبد والإعدام، فإن سقوط الأطفال في تونس في فخ الاستقطاب يدفع خبراء أمنيين إلى المطالبة بضرورة التحرك لوضع إجراءات عاجلة للحد من هذه "الظاهرة".

"إجراءات عاجلة"

يلخص الخبير في الشؤون الأمنية، علية العلاني، هذه الإجراءات في ثلاث نقاط أساسية، أبرزها ضرورة تشديد الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصةً نشاط الأطفال على هذه المنصات.

وقال العلاني، لموقع "الحرة"، إن الإجراء الثاني يتعلق بأهمية تطوير التشريعات والنصوص القانونية، بحيث يتم تحميل جزء من مسؤولية انضمام الأطفال إلى المنظمات الإرهابية للأولياء، بهدف إجبارهم على مراقبة أبنائهم وإبلاغ الأمن بأي تحركات مشبوهة في هذا الجانب.

أما الإجراء الثالث، فيشدد المتحدث على أنه يتمثل في ضرورة قيام السلطات التونسية بتعبئة إعلامية واسعة النطاق للتوعية بتفاصيل القوانين الجديدة وخطورة تجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية، لافتًا إلى أن هذا الإجراء مُعتمد في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقًا له.

وطالب العلاني بتكثيف التنسيق الاستخباراتي محليًا وإقليميًا لتبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب ومتابعة تحركات المتطرفين.

يُشار إلى أن تونس تتلقى دعمًا لوجستيًا مكثفًا من قبل الولايات المتحدة الأميركية لمجابهة خطر الإرهاب، من ذلك معدات عسكرية متنوعة، كالمدرعات والسفن وطائرات الشحن.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.