تم تعيين الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية - فرانس برس
تم تعيين الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية - فرانس برس

أعاد تنصيب أحمد الشرع رئيسًا جديدًا للمرحلة الانتقالية في سوريا إلى الضوء قضية مصير مئات التونسيين المنضمين إلى فصائل سورية مسلحة، بينها جماعات متشددة، على غرار داعش.

كما أن تونس معنية بملف عشرات المساجين في سجون النظام السابق، بشار الأسد، الذين تم إطلاق سراحهم بعد انهيار هذا النظام في 8 ديسمبر الماضي، فضلًا عن عائلاتهم المتواجدة في مخيمات اللجوء ونشأة أطفالهم في بيئة حاضنة لأفكار وأيديولوجيات متطرفة.

وفيما تقدّر السلطات الرسمية في تونس عدد التونسيين الملتحقين بالتنظيمات المتشددة في مناطق النزاع السورية بنحو ألف شخص، فإن الباحث في معهد واشنطن، مؤلف كتاب المقاتلون الأجانب التونسيون في العراق وسوريا، هارون زيان، قدّر عام 2018 عددهم بـ 2900 شخص.

ورغم أنه بعد 11 عامًا من القطيعة، عادت العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا في أبريل 2023، ليكون التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، فإن تولي أحمد الشرع زمام السلطة في سوريا أثار تساؤلات في الأوساط التونسية بشأن مصير هذا التعاون، ومدى تجاوب الشرع مع السلطات التونسية في الملفات المتعلقة بالمقاتلين التونسيين في سوريا.

تساؤلات تباينت فيها آراء المحللين السياسيين في تونس، بين من ذهب إلى اعتبار أن ملف المقاتلين التونسيين "سيقبر" مع حكومة أحمد الشرع، ومن اعتبر أن المصير "ليس بيده".

ويرجّح المحلل السياسي، خالد كرونة، طيّ صفحة التنسيق الأمني التي فتحتها السلطات التونسية مع نظام بشار الأسد بخصوص ملف المقاتلين التونسيين على الأراضي السورية مع تولي أحمد الشرع رئاسة البلاد في مرحلتها الانتقالية.

كما يتوقّع أن يتم "دفن" هذا الملف لعدة اعتبارات، أبرزها انضمام عدد من المقاتلين إلى جبهة النصرة، التي كان يقودها الشرع، قبل أن تتحول إلى هيئة تحرير الشام.

ويقول كرونة لموقع "الحرة" إن الخارجية التونسية تبدو متريثة في التعامل مع الحالة السورية شأن أغلب الدول العربية، وهي ستعمل، في تقديرنا، على تحقيق أعلى درجات التنسيق مع الجزائر، ليس فقط بسبب عمق الروابط، بل بسبب الاشتراك في المخاوف الطارئة من تداعيات التحولات في دمشق.

ويتابع في هذا الإطار بأن الجارة ليبيا لا تزال مثخنة بعد أن تحولت إلى منطقة استقطاب دولي، وباتت مبعث خطر على استقرار البلدين في حال اعتماد الإرهابيين أراضيها كقاعدة ارتكاز.

وتبعًا لذلك، يستبعد المتحدث أي تنسيق أمني تونسي محتمل مع الإدارة السورية الحالية، معللًا وجهة نظره بالقول: "إن أصحاب القرار هناك هم أنفسهم حماة الإرهابيين وقادتهم".

وسبق للخارجية التونسية أن عدّلت في 9 ديسمبر الماضي من موقفها تجاه الوضع في دمشق، واضعةً سلامة التراب والاستقرار السوري أولوية قصوى، بعد أن نددت قبل ذلك بأيام بما وصفته بـ "الهجمات الإرهابية على شمال سوريا".

"القرار ليس بيده"

في المقابل، يرى المحلل السياسي مراد علالة أن مصير ملف المتطرفين التونسيين في سوريا يتجاوز الشرع، الذي لا يملك سلطة القرار فيه، على اعتبار أنه جاء في سياق مشروع تتحكم في مجرياته قوى دولية نافذة في المنطقة، وكل القرارات التي لها أبعاد إقليمية ودولية ستكون محكومة بهذه القوى النافذة.

ويضيف علالة، في حديثه لموقع "الحرة"، أنه في حال "طلبت هذه القوى النافذة من الشرع أن يسلم أو يستلم الإرهابيين أو يراجع حساباته بشأن ملف الإرهاب، فإنه سينفذ ما يُطلب منه، فالقرار ليس بيده".

في السياق ذاته، يعتبر المتحدث أن المبدأ في العلاقات الدولية هو البحث عن المصلحة المشتركة، وهو ما يقتضي أن تحترم كل دولة الخيارات الداخلية للدول الأخرى، ومنها التعامل مع مسألة مكافحة الإرهاب، لافتًا إلى أن المقاتلين التونسيين انتهى دورهم في سوريا، وعودتهم إلى تونس دون تنسيق أمني مسبق تهدد الأمن العام في البلاد.

وكانت السلطات التونسية قد أقرت، مطلع يناير الجاري، إجراءات جديدة تقضي بتحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الرئيسي، في خطوة يرى مراقبون أنها ذات صبغة أمنية بالأساس، وتهدف إلى قطع الطريق أمام إمكانية عودة عناصر كانت تقاتل في سوريا، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

ويقول المحلل السياسي مراد علالة إن المتطرفين العائدين من سوريا هم بمثابة قنابل موقوتة تستدعي التعامل الحذر معهم، وعدم التخفي وراء الجانب الإنساني في معاملة النساء اللاتي كنّ مجندات للقتال في بؤر التوتر، مع ضرورة محاسبة كل من تورط في جرائم قتل، سواء مع نظام بشار الأسد أو في صفوف الفصائل المسلحة الأخرى.

كما يدعو السلطات التونسية إلى التعويل على قدراتها في تحيين البيانات المتعلقة بعدد التونسيين المتواجدين في بؤر التوتر، وتشديد الرقابة الأمنية، وعدم التسامح مع كل من يحمل فكرًا متطرفًا يهدد السلم الأمني والاجتماعي في البلاد.

يُشار إلى أن العلاقات التونسية السورية شهدت، بعد 14 يناير 2011، موجات من المدّ والجزر، متأثرة بطبيعة المنظومة الحاكمة والتحالفات الإقليمية التي ارتبط بها صناع القرار السياسي في كل مرحلة.

مهاجرون قدمو من تونس ينتظرون نقلهم من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
تونس باتت وجهة مفضلة للراغبين في الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا

صورة قاتمة عن وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس قدمت لأحزاب يسارية بالبرلمان الأوروبي في تقرير جديد اعتمد شهادات موثقة لأشخاص تعرضوا للاعتقالات العشوائية، وللعنف الجسدي والجنسي.

التقرير الصادر عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" التي يوجد مقرها في باريس، جمع ثلاثين شهادة لمهاجرين غير نظاميين في تونس تعرضوا لهذه الأشكال من الانتهاكات بين يونيو 2023 ونونبر 2024.  

واتهم التقرير قوات الأمن التونسية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني والجيش، بالتورط المباشر في هذه العمليات. 

وقال التقرير إن معسكرات شبيهة بـ"المسالخ البشرية" يحتجز فيها المهاجرون بما فيهم نساء حوامل وأطفال، يمارس فيها العنف الجسدي والجنسي والحرمان من الطعام والرعاية الطبية.

واتهم التقرير السلطات التونسية بمطاردة واحتجاز المهاجرين السود بناء على لون بشرتهم، قبل تسليمهم إلى تجار البشر على الحدود الليبية مقابل المال أو سلع مثل الوقود والمخدرات.

وقالت اللجنة إن الوقائع المبلغ عنها تقع ضمن نطاق جرائم الدولة والجرائم ضد الإنسانية بالمعنى المقصود في القانون الدولي. ويوثق التقرير الاعتقالات التعسفية الجماعية دون أي إطار قانوني، والعبودية الحديثة التي تنظمها الدولة، حيث يتم بيع المهاجرين واستغلالهم كمجرد سلع. 

إضافة إلى العنصرية الهيكلية والمؤسسية، إذ تستند مطاردة المهاجرين السود إلى ممارسات تمييزية يشجعها الخطاب الرسمي، وفق تعبير التقرير.

ويُجبر المهاجرون على البقاء في العراء لأسابيع دون طعام كافٍ أو رعاية طبية، فيما يتم ضربهم بالسياط والعصي الكهربائية، وتوثيقهم في أوضاع مهينة أمام كاميرات الهواتف. 

وقال التقرير إن الضحايا الذين يتم تسليمهم للميليشيات الليبية التي تنقلهم إلى سجون سرية حيث يتعرضون للتعذيب، العبودية، والابتزاز، إذ تطالب المليشيات عائلاتهم بدفع فدية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.

خطاب مناهض للمهاجرين

وربط التقرير التحول المناهض للمهاجرين بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي سبق أن ادعى أن المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا جزءا من "مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس". 

وترى اللجنة أن هذا الخطاب العنصري أضفى الشرعية على العنف الجماعي، وثم استهداف المهاجرين السود من قبل الشرطة والحرس الوطني والميليشيات المحلية ومجموعات المواطنين، وكل ذلك تحت أنظار السلطات.

وفي فبراير 2023، ندد سعيّد في خطاب بوصول "جحافل" من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية".

وإلى جانب ليبيا، تعد تونس التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، نقطة الانطلاق الرئيسية في شمال إفريقيا للمهاجرين الساعين لعبور البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ مطلع العام، سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما بين 600 و700 حالة وفاة أو اختفاء لمهاجرين أبحروا من السواحل التونسية، بعد تسجيل أكثر من 1300 حالة وفاة واختفاء عام 2023.