لقاء بين وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي و الرئيس التونسي قيس سعيد بقصر قرطاج
لقاء بين وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي و الرئيس التونسي قيس سعيد بقصر قرطاج

أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، خلال زيارة  لتونس الجمعة الماضي، تخصيص دعم مالي للبلاد، مقابل الحد من الهجرة غير النظامية في اتجاه أوروبا وضبط الحدود، في خطوة أثارت المخاوف من أن يكون ذلك بمثابة "صفقة" لتوطين المهاجرين، وجعل تونس "حارس حدود" لأوروبا.

وعقب محادثات جمعته بالرئيس قيس سعيد ووزيري الخارجية محمد علي النفطي والداخلية خالد النوري، أعلن الوزير البريطاني، عن تخصيص تمويل لتونس يصل إلى 5 ملايين جنيه إسترليني، لدعم مشاريع تعليمية وتأهيل المهاجرين المحتملين، للحدّ من الهجرة غير النظامية.

وكشف لامي، في مقطع فيديو نشره موقع وزارة الخارجية البريطانية، عن تزويد تونس بطائرات مسيّرة ومعدات رؤية ليلية، مشيرا إلى أن هذا الدعم سيساهم في تقليص الهجرة وإنقاذ الأرواح، وتعزيز جهود مكافحة شبكات التهريب.

يأتي ذلك في ظرف تستمر فيه انتقادات المنظمات الحقوقية لتبعات الاتفاقيات التي تبرمها تونس مع أوروبا في مجال مكافحة الهجرة وانعكاساتها على أوضاع المهاجرين غير النظاميين، وسط مخاوف من تحويل تونس إلى "حارس بوابة" لأوروبا.

"توطين المهاجرين"

وفي أول ردود الفعل بشأن مخرجات زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى تونس، استنكر حزب حركة النضال الوطني (مؤيد للسلطة) ما اعتبرتها مساعي بريطانية "للضغط " على تونس و"فرض توطين المهاجرين" في هذا البلد المغاربي.

وقال الحزب، في بيان، السبت، "إن الهجرة غير النظامية ما انفكت تستفحل مهددة الأمن القومي للبلاد واستقرارها الاجتماعي دون إيجاد حل جذري لها حتى اليوم فضلا عن خطر توظيفهم عند الحاجة لبث البلبلة والفوضى في منطقة المغرب العربي".

كما دعا الرئيس قيس سعيد "بصفته الضامن لاستقلال الوطن وسلامة ترابه إلى عرض موضوع توطين المهاجرين غير الشرعيين على الاستفتاء" بحسب نص البيان.

من جانبه، اعتبر رئيس جمعية "الأرض للجميع" (حقوقية غير حكومية)، عماد السلطاني، أن هذا التوجه من الجانب البريطاني هو من تبعات الاتفاقيات التي أبرمتها تونس مع الاتحاد الأوروبي ومن ضمنها مذكرة "الشراكة الشاملة" التي تم توقيعها في يوليو 2023، فضلا عن اتفاقيات أخرى مع الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني.

وقال السلطاني، لموقع "الحرة"، إن المساعدات اللوجيستية والمالية الزهيدة التي أعلنت عنها بريطانيا لتونس فضلا عن نشر وزير الخارجية البريطاني لفيديو يثمّن فيه هذه المساعدات، هو مس من السيادة التونسية ويعكس الرغبة في استمرار الاعتماد على تونس كحارس بوابة لأوروبا.

كما انتقد ما اعتبرها ضغوط متواصلة ومساعي مستمرة من الجانب الأوروبي على السلطات التونسية لتنفيذ مشروع واحد وهو جعل تونس الحدود المتقدمة لبريطانيا والاتحاد الأوروبي في مجال اعتراض المهاجرين غير النظاميين، وعدم السماح بعبورهم إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط.

وتبعا لذلك، دعا السلطاني السلطات التونسية إلى مراجعة سياستها في التعامل مع ملف الهجرة غير النظامية ورفض "الاملاءات الأوروبية" في هذا المجال ومراجعة الاتفاقيات المبرمة معه.

وفي حين ترجح تقارير إعلامية عدد المهاجرين غير النظاميين في تونس بين 50 و60 ألفا فإن وزارة الداخلية التونسية، تتوقع ألّا يتجاوز العدد 20 ألفا أغلبهم يتركزون في جهتي العامرة وجبنيانة بمحافظة صفاقس جنوب شرق البلاد.

"المال مقابل حماية الحدود"

ورأى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان (غير حكومي)، مصطفى عبد الكبير، أن أوروبا تستغل الوضع الاقتصادي المتأزم في تونس، لتقايض السلطات التونسية في ملف مكافحة الهجرة غير النظامية وذلك عبر تقديم الدعم المالي واللوجيستي مقابل تكثيف الجهود الأمنية في حماية حدودها الساحلية مع الدولة التونسية.

وأضاف عبد الكبير، في حديثه لموقع "الحرة"، أن المنظمات الحقوقية في تونس تستنكر الاستراتيجية المعتمدة من الجانب الأوروبي في ملف الهجرة عبر التركيز على سياسة تقديم الأموال مقابل خدمات تقدمها البلدان المغاربية نظير ذلك.

وطالب في المقابل، بالابتعاد عن المقاربات الأمنية في مكافحة عبور المهاجرين بطرق غير نظامية إلى الفضاء الأوروبي والاشتغال على المقاربات الإنسانية التي تحترم الاتفاقيات الدولية فضلا عن السعي إلى إيجاد حلول تعالج الاشكال من جذوره، وذلك عبر البحث في سبل دعم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الموطن الأصلي لانطلاق المهاجرين إلي بلدان أخرى.

ولفت الحقوقي إلى أن الضغوط الأوروبية التي تمارس على تونس، أدت إلى تقليص عدد الواصلين إلى سواحل إيطاليا بنحو 80٪ في العام 2024.

في سياق متصل، أشار تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية صدر في يناير الماضي، إلى أن عدد المجتازين في هجرات غير نظامية ووقع إيقافهم من السلطات الأمنية التونسية في 2024 تجاوز 33 ألفا مقابل نحو 1100 مهاجر فقط وصلوا إلى إيطاليا. 

"رفض التوطين"

وفي مقابل الانتقادات الحقوقية لتونس في مسألة التعامل مع المهاجرين غير النظاميين في البلاد، شدد سعيد في مرات عدّة أن البلاد "لن تكون معبرا أو مستقرّا للمهاجرين، ولن تكون ضحية لمن دبروا لها حتى تكون مقرا لهؤلاء". 

وأشار الرئيس سعيد، خلال إشرافه على مجلس الأمن القومي في أبريل الماضي، إلى أن "من دبّروا أن تكون تونس مقرا لتوطين المهاجرين من 2017 وتقاضوا لقاء ذلك الملايين من العملة الصعبة ازالوا يتآمرون من الخارج على أمن البلاد"، داعيا المنظمات الناشطة في مجال الهجرة إلى عدم الاكتفاء بإصدار البيانات ومد يد المساعدة لحل هذه المسألة.

كما أكد سعيد في أكتوبر الماضي أن بلاده تعمل مع إيطاليا وبقية الشركاء الأوروبيين على تأمين عودة المهاجرين غير النظاميين في تونس إلى بلدانهم الأصلية.

يشار إلى أن تونس سجلت أكثر من 6 ألاف عودة طوعية لمهاجرين غير نظاميين إلى بلدانهم في العام 2024 مقابل 2500 في 2023، وفق إحصائيات رسمية لوزارة الداخلية التونسية.

الرئيس التونسي، قيس سعيد (فرانس برس)
الرئيس التونسي، قيس سعيد (فرانس برس)

تزداد الضغوط السياسية في تونس من قبل الأحزاب الموالية والمعارضة لعقد حوار وطني يخرج البلاد من أزمتها، وسط تمسك الرئيس التونسي، قيس سعيد، برفض هذه الخطوة بذريعة أن الحوار "لا يكون مع من سرقوا البلاد ونهبوها".

آخر هذه الدعوات إلى حوار وطني جاءت من حزب "العمل والإنجاز"، وهو أحد مكونات جبهة الخلاص الوطني، إذ طالب في بيان له في 6 فبراير الجاري "كافة القوى السياسية إلى الحوار والتعاون من أجل إخراج البلاد من أزمتها متعددة الأبعاد، التي تهدد حاضرها ومستقبل أجيالها القادمة".

وقبل ذلك بأيام، طرحت "حركة حق" التونسية (تضم ثلاثة أحزاب) مبادرة وطنية دعت فيها إلى حوار وطني شامل يحقق انفراجا سياسيا في البلاد، مؤكدة ضرورة أن تكون هذه المبادرة وطنية جامعة تعيد بناء الثقة بين مختلف الأطراف وتفتح مسارا جديدا نحو الاستقرار والتنمية.

ومن بين الأحزاب الداعمة للنظام التي تتمسك بإجراء وطني، حزب التيار الشعبي الذي طالب، في يناير الماضي، السلطة "الخروج من حالة الانغلاق السياسي ومد جسور التواصل مع جميع الأحزاب والهيئات المهنية والمنظمات والفعاليات الشعبية والنخب الثقافية والإعلامية والأكاديمية الوطنية المناهضة للرجعية والهيمنة والمؤمنة بالديمقراطية والسيادة".

وتأتي هذه الدعوات في ظرف تشهد فيه البلاد ارتفاع نسق الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل، وأزمة سياسية حادة، عمّقتها أحكام قضائية "ثقيلة" بالسجن في حق قيادات سياسية وأمنية وصحفيين. 

وفي رده على الطلبات المتزايدة للأحزاب ونواب البرلمان والمنظمات الوطنية من ضمنها الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة إجراء حوار وطني، أكد سعيد أن " الحوار لا يكون من سرقوا البلاد ونهبوها"، بعد أن  قال سابقا إن البلاد في حاجة إلى "وحدة وطنية صمّاء".

موقف الرئيس فتح جدالا بشأن أسباب تمسكه بعدم إجراء حوار وطني لتهدئة الأوضاع المحتقنة في البلاد، وتداعيات هذه الخطوة على هذا البلد المغاربي.

الاستفراد بالرأي

تعليقا على هذا الموضوع، يرى القيادي في "جبهة الخلاص الوطني" (ائتلاف حزبي معارض)، رياض الشعيبي، أن إصرار سعيد على رفض الحوار الشامل يعكس رغبة السلطة في إقصاء كل القوى السياسية في البلاد والاستفراد بالرأي وعدم الانصات لمختلف المطالب وعدم الانصات للمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمختلف الفاعلة في تونس.

وقال الشعيبي، لموقع "الحرة"، إن المعارضة لا تستغرب من موقف النظام وتعتبر أن السلطة لاتزال ماضية في سياسة التعسف والاستبداد واعتقال المعارضين ومحاولة إقصاء كل رأي مخالف.

وأضاف أن " الأخطر من هذا الوضع، هو معاناة العشرات من المعتقلين منذ سنوات في السجون التونسية من أوضاع صحية واجتماعية صعبة، على خلفية قضايا مفبركة ولا أساس لها من الصحة".

ولفت إلى أن السلطة محرجة في هذا الملف ورغم ذلك لاتزال مصرة على تشديد الأحكام وتوسيع دائرة الاعتقالات.

وكانت جبهة الخلاص الوطني قدد نددت في بيان الأربعاء بتدهور الوضع الصحي للمعتقلين نور الدين البحيري ومنذر الونيسي، مشيرة إلى أنهما يرقدان بمستشفيات تونس العاصمة لتلقي العلاج.

وفي هذا الخصوص، يعتبر رياض الشعيبي أن ما يحدث يأتي في سياق "السياسة التنكيلية التي تنتهجها السلطة تجاه المعارضين"، مشددا على أن من مبررات رفض سعيد للحوار هو عدم فتح الملفات الحقوقية وإطلاق سراح المعتقلين.

في المقابل، اتهم سعيد في مناسبات عديدة خصومه السياسيين بـ"التآمر على أمن الدولة ومحاولة تفجير الأوضاع في البلاد"، وهي اتهامات تخللتها حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات سياسية ورجال أعمال و صحفيين في تونس.

من جانبه، أكد أمين عام حزب "حراك 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة)، محمود بن مبروك، أن الأحزاب المؤيدة للنظام طالبت بحوار وطني يقتصر على من يؤيدون خطوات الرئيس والمسار الذي انتهجه منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021.

الرئيس في حوار مع الشعب

ويرجع بن مبروك، في حديثه لموقع "الحرة"، أسباب رفض سعيد لحوار وطني، إلى ما قال إنه " رفض للتحاور مع من كانوا سببا في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال العشرية السوداء" مؤكدا أن سعيد في "حوار مباشر ودائم" مع الشعب ويستمع إلى مشاغل التونسيين وتلبية احتياجاتهم.

ونفى المتحدث وجود أزمة سياسية في تونس، مشددا على أن سعيد أوفى بتعهداته السياسية من خلال إجراء كل المحطات الانتخابية في مواعيدها وإرساء برلمان في انتظار إجراء آخر استحقاق انتخابي يتعلق بالمجالس البلدية.

وتابع في هذا السياق، أن الحوار الذي تدعو إليه أحزاب المعارضة في تونس "يهدف إلى إعادة إحياء المنظومة السابقة التي رفضها الشعب وتجاوزها الزمن".

ولفت، في المقابل، إلى أن الأحزاب المؤيدة للسلطة في تواصل دائم مع النظام وتقدم مقترحاتها بشأن معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وما بين مطالب الأحزاب وموقف النظام في تونس من الحوار الوطني، تصاعد نسق الحراك الاحتجاجي الاجتماعي في البلاد خلال يناير 2025 بنحو 181% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. 

وقفز من 137 تحركا احتجاجيا خلال يناير 2024 الى 386 تحركا احتجاجيا خلال يناير هذا العام، وفق احصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي).

"أزمة متأصّلة"

من جانب آخر، يرى المحلل السياسي خالد كرونة أن الأزمة التي تعيشها تونس متأصّلة وليست ظرفية، وذلك في ظل عجز السلطة عن إيجاد حلول للقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، قال كرونة في حديثه لـ "الحرة" إن أمر الحوار الوطني بات وراء ظهور التونسيين، وماهو إلّا مدخل اتخذته المعارضة لتحاول استعادة المبادرة السياسية في البلاد.

وتبعا لذلك، اعتبر المتحدث  "أن الاتجاه العام، يؤكد أن خواء برامج المعارضة وانكفاءها ضمن مربع الاحتجاج الحقوقي، سيترك المجال رحبا أمام السلطة لتستمر في رسم السياسات العامة رغم ضغوطات المديونية وتفشي البطالة وتزايد مؤشرات الفقر".