أعادت أحكام قضائية صدرت قبل يومين بحق سياسيين وصحفيين وناشطين، وبلغ مجموعها 781 سنة سجنا، الجدال بشأن واقع المعارضة في عهد الرئيس التونسي، قيس سعيد، وما يرافقها من تراجع للحقوق والحريات.
هذه الأحكام دفعت أحزاب المعارضة، وبينها حزب حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض)، إلى تجديد المطالبة بضرورة إيقاف الملاحقات القضائية ووضع حد لما تعتبره "انتهاكات لحقوق الانسان".
وسبق أن ندد حزب العمال (يساري معارض) في بيان أواخر يناير المنقضي بـ"سياسات التّنكيل وتصفية الحسابات التي تحرّكها الرّغبة في القضاء على أي معارضة لفسح المجال لسيادة الجور والقمع والاستغلال الفاحش والتفقير والتبعية".
و35 سنة سجنا وخطايا مالية في حق المتهمين في قضية ما يعرف إعلاميا بـ "إنستالينغو" وعلى رأسهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من الوجوه السياسية والإعللامية.
كما جدد المطالبة بإطلاق سراح كافة سجناء الرأي من سياسيين ونقابيين وإعلاميين ونشطاء و"رفع اليد عن القضاء والمحاماة والإعلام".
ويثير تواتر بيانات المعارضة بشأن الواقع السياسي والحقوقي في البلاد، أسئلة كثيرة حول ما كان عليه وضع المعارضة زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وما بات عليه اليوم في عهد نظام قيس سعيد؟ وماهي أوجه الاختلاف والتقاطع؟ وما الذي يحول دون توحّد هذه المعارضة رغم تقاطعها في مواقفها تجاه السلطة؟
هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها زعيم حزب العمال المعارض اليساري، حمة الهمامي، باعتباره سجينا سياسيا سابقا وعايش مختلف المراحل التي عاشتها تونس منذ عهد بن علي، مرورا بثورة 2011، وصولا إلى عهد الرئيس قيس سعيد.
"الاستبداد والدكتاتورية"
في تقييمه لواقع المعارضة بين عهدي بن علي وقيس سعيد، قال حمة الهمامي لموقع "الحرة" إن نقطة التقاطع بين هذين النظامين يكمن في طابعهما الاستبدادي، الدكتاتوري.
فكلاهما جاء بانقلاب ناعم، الأول طبّي والثاني دستوري، وكلاهما يعادي الديمقراطية ويفرض نظام حكم فرديّ مطلق ويقصي الشعب من المشاركة في الشأن العام ويقمع الحريات ويفتح أبواب السجون لمعارضيه ومنتقديه وينكّل بهم ويزرع الخوف في المجتمع.
وأضاف أن الفارق بينهما مرتبط بظروف ولادة كل منهما، "فالأوّل كان استمرارا لنظام بورقيبة الدكتاتوري مع إضفاء طابع ديمقراطي زائف عليه لاحتواء المطلب الديمقراطي المجتمعي والثاني جاء في إطار رِدّة على مكاسب الثورة الديمقراطية واتخذ شكلا شعبويا، يمينيا متطرّفا، يلغي الأجسام الوسيطة بدعوى أنها مضرة بالشعب".
وكانت السلطات الأمنية في تونس قد شنت منذ مطلع العام 2023 حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات سياسية بارزة ورجال أعمال وصحفيين ومدونين، بعضهم يواجه تهما خطيرة تتعلق بـ "التآمر على أمن الدولة" وتصل عقوبتها إلى الإعدام.
وعن ذلك، قال حمة الهمامي إن الرئيس سعيد ينصّب حكم الفرد الواحد بدعوى أنه الناطق باسم الشعب، لذلك عادت السجون التونسية لتمتلئ بالمعارضين والمنتقدين كما كان الأمر في زمن بن علي.
وسواء تعلق الأمر ببن علي أو بقيس سعيد فكلاهما يخدم نفس المصالح الطبقية لأقلية من الأثرياء المرتبطين بالخارج، وكلاهما يستند إلى أجهزة الدولة الصلبة لفرض سيطرته على المجتمع، يستطرد الهمامي.
وكان سعيد الذي وصل إلى سدة الحكم عقب فوزه العريض في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، قد أعلن في 25 يوليو 2021 عن عما أطلق عليها "التدابير الاستثنائية" وحل بموجبها الحكومة والبرلمان وعدد من الهيئات الدستورية، في خطوة واجهت انتقادات واسعة من أحزاب المعارضة.
"واقع سيئ للحريات"
وبخصوص واقع الحقوق والحريات في تونس يرى زعيم حزب العمال، حمة الهمامي، أنه "سيء للغاية" معتبرا أن النظام سعى إلى "تصفية المكاسب الديمقراطية للثورة التونسية الواحد تلو الآخر، من ذلك إلغاء دستور 2014 وتعويضه بدستور الحكم الفردي المطلق".
وتابع في هذا السياق، بأن السلطة حلت كل المؤسسات والهيئات النابعة من دستور 2014 وعوضتها بأخرى شكلية، تأتمر بأوامر سعيد، وفككت القضاء وحولته إلى مجرد أداة بيدها لتصفية الخصوم.
وسنت السلطة، وفق الهمامي، تشريعات جديدة منها المرسوم 54 الفاشي لتكميم الأفواه. وهي تحاصر الجمعيات والأحزاب وتضع يدها على وسائل الإعلام العمومية وتحاصر وسائل الإعلام الخاصة وتجرّم الاحتجاج الاجتماعي وتعمل على ضرب النقابات.
وشدد الهمامي على أن "البلاد تنهار بسبب أزمة عميقة وشاملة تضرب كافة المجالات وخاصة منها منظومات الإنتاج المختلفة علاوة على تفاقم المديونية وانهيار الخدمات العامة والارتفاع الجنوني للأسعار وفقدان العديد من المواد الأساسية كارتفاع نسب البطالة والفقر وهجرة الكفاءات بحثا عن حياة أفضل وتفاقم الجريمة.
وفي رده على الانتقادات الحقوقية، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد في مناسبات عدة أن حرية التعبير مضمونة بالدستور ولا تراجع عنها.
وعقب لقائه بوزيرة العدل ليلى جفال في مايو الماضي، قال سعيد "أكره الظلم، ولكن لا أقبل بالاعتداء على وطننا ولا تشويهه بالخارج، كما لا نقبل بالتدخل في شؤوننا الداخلية من أي كان وسيادتنا فوق كل اعتبار، والحريات مضمونة أكثر مما في دولهم".
المعارضة.. معارضات
ورغم تقاطع أحزاب المعارضة في تونس في موقفها تجاه نظام سعيد، إلا أنها ما تزال منقسمة وتنخرط تحت جبهات متعددة من ذلك "الشبكة التونسية للحقوق والحريات" و"جبهة الخلاص الوطني".
وفي هذا الصدد، يرى زعيم حزب العمال أن المعارضة معارضات في تونس ولكل منها تاريخها ومطلقاتها ومواقفها وهو أمر طبيعي طالما أنها تعبر عن مصالح مختلفة.
وأشار الهمامي إلى وجود معارضة ديمقراطية تقدمية مشتتة لم تنجح إلى حد الآن في توحيد صفوفها لتتشكل في قطب مستقل ببديل مستقل ومتباين مع نظام سعيد ومع قطبي المعارضة الآخرين وهما جبهة الخلاص الوطني والحزب الدستوري الحر "اللذان لا يربطها بهما أي رابط حقيقي لا في المنطلقات ولا في الأهداف"، وفقه.
وأوضح بالقول "إن وحدة المعارضة لا يمكن أن تبنى على مجرد المصلحة في معارضة سعيد بل تبنى على برامج وأهداف مشتركة، وهذا لا يعني أن المعارضة الديمقراطية التقدمية مطالبة بفتح عدة واجهات في نفس الوقت، فمقاومة سلطة الاستبداد تبقى الواجهة الرئيسية أما العلاقة مع قطبي المعارضة الآخرين فتبقى علاقة صراع حول قيادة الحركة الشعبية وفق برنامج معيّن".
وبخصوص دعوات الأحزاب في تونس إلى ضرورة إجراء حوار وطني شامل يخرج البلاد من أزمتها، اعتبر المتحدث أن هذه الدعوات تعبّر عن "شهوات ذاتية" لا غير وهي مضيعة للوقت علاوة على كونها تنشر الوهم حول نظام حكم ماض في نهجه القمعي، وفق تعبيره.
في المقابل، رفض سعيد، الخميس، هذه الدعوات مؤكدا أن "الحوار لا يكون مع من سرقوا البلاد ونهبوها".
وشدد زعيم حزب العمال حمة الهمامي على أن المطلوب لتجاوز الأزمة ، "العمل بصبر وأناة على استنهاض الهبّة الاجتماعية والشعبية من جديد على أساس مطالبها الملموسة لتراكم ما ينبغي من الوعي والقوى التي تسمح لها بإنجاز طور جديد من ثورتها يجعلها تتجاوز نقائص ثورتها الأولى وتحقق أهدافها".