سيطرت الحكومة الروسية على قوات فاغنر بعد مقتل رئيسها
سيطرت الحكومة الروسية على قوات فاغنر بعد مقتل رئيسها

يتزايد التركيز الروسي على ليبيا كقاعدة جديدة للعمليات عقب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وسط مخاوف في تونس من التداعيات الأمنية لتواجد "مرتزقة فاغنر" في الدولة المجاورة. 

وبحسب تقرير لموقع "مليتاري أفريكا" المتخصص في رصد الأنشطة العسكرية في أفريقيا، صدر مطلع فبراير، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية قيام مرتزقة روس ببناء وتوسيع قواعد لوجستية في جنوب ليبيا، بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان. 

تواجد فاغنر في ليبيا وفي عدد من الدول الأفريقية بات مبعث قلق لعدة دول من بينها الجزائر، إذ أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في حواره مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، الأسبوع الماضي، أن بلاده "ترفض وجود قوات مرتزقة على حدودها وأبلغت روسيا بذلك".

منذ سقوط الأسد.. تقارير تكشف توسع خريطة الانتشار الروسي في ليبيا
بعد سقوط الحليف الروسي بشار الأسد في سوريا، بدأت موسكو بإعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية في البحر المتوسط وأفريقيا، مع التركيز بشكل متزايد على ليبيا كقاعدة جديدة للعمليات، وفق موقع "ميليتاري أفريكا" المتخصص في رصد الأنشطة العسكرية في القارة الأفريقية الأحد استنادا إلى معطيات دقيقة.

وفيما تشير تقارير استخباراتية أن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من 800 جندي في فبراير 2024 إلى 1800 جندي بحلول مايو من العام نفسه، فإن تزايد هذا النفوذ يراه مراقبون تحديا أمنيا جديدا على مستوى الحدود المشتركة بين تونس وليبيا.

يشار إلى أن المجموعة العسكرية الروسية تأسست بالتزامن مع الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014. وعملت على دعم المجموعات الانفصالية في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، قبل أن تتوسع بأنشطتها لتصبح ذراع موسكو في دول عدة.

حالة طوارئ

وفي هذا الصدد، يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان (غير حكومي)، مصطفى عبد الكبير، إن المخاوف الأمنية في تونس انطلقت منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وتنامي الفصائل المسلحة في ليبيا لتتعزز هذه المخاوف بعد تزايد مقاتلي الفاغنر في ليبيا.

وأوضح عبد الكبير لموقع "الحرة" أنه نتيجة لتوتر الأوضاع في ليبيا التي تضم 16 فصيلا مسلحا إلى جانب قوات أجنبية متمركزة في عدد من القواعد، باتت تونس والجزائر تعيشان حالة طوارئ حقيقية طيلة سنوات على مستوى الحدود المشتركة مع هذا البلد المغاربي.

وأشار إلى أن التداعيات الأمنية لتواجد قوات فاغنر في ليبيا يبقى أقل خطورة على تونس من الجزائر على اعتبار أن المحفظات الليبية الحدودية مع تونس تتمركز فيها قوات تابعة لحكومة عبد الحميد الدبيبة المدعومة من دول حلف الناتو.

هذا ما يجعل وصول مرتزقة فاغنر إلى هذه المناطق "صعب جدا"، بحسب المتحدث، لافتا إلى أن تونس هي "شريك متقدم" لحلف الناتو.

في السياق ذاته، شدد عبد الكبير على أن زيادة توسع نفوذ مرتزقة فاغنر في ليبيا وإرسائها لقواعد دائمة هناك يبقى دائما مبعث فزع لتونس والجزائر كما الحال للاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى تحركاتها التي "تتم دائما حسب الطلب ولمن يدفع أكثر"، وفق تعبيره.

سياحة- تونس
"معدات غير سياحية".. تونس تحتجز 11 روسيّا بشبهة "الإرهاب"
نقلت وسائل إعلام عن السفارة الروسية لدى تونس أن 11 مواطنا روسيا اعتقلوا في هذا البلد المغاربي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولا يزالون قيد الاحتجاز بشبهة نشاطات "إرهابية" بعد أن عثرت الشرطة التونسية بحوزتهم على معدات مشبوهة.

وكانت منظمات حقوقية من ضمنها منظمة هيومن رايتس ووتش قد رصدت "انتهاكات مروعة لحقوق الانسان" قامت بها فاغنر والجيش المالي ضد المدنيين. 

وتعليقا على ذلك، يقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، إن عناصر من قوات فاغنر أطلقت النار على مواطنين ليبيين في منطقة هون الليبية في الأشهر الماضية، كدليل على أن تلك المنطقة العسكرية أصبحت تابعة لها بعد أن ركزت قاعدة في مدينة سرت.

ويتفق المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل مع الآراء المجمعة على أن مرتزقة فاغنر يوغلون في العنف، موضحا أن أن المجموعة واحدة من أكثر التكوينات العسكرية التي تركز عليها روسيا في انتهاجها لسياسات الأرض المحروقة في بعض الدول.

الحذر من الصدامات 

وفي هذا الخصوص، يوضح عقيل لـ "الحرة" أن روسيا حينما تحتاج إلى تحقيق نصر سريع تعول على استخدام الفاغنر الموغلة في العنف، دون أن يترتب عن ذلك التزامات دولية على روسيا على اعتبار أنها مستعدة دائما للتضحية بعناصر الفاغنر أمام المحاكم الدولية.

ويضيف أن البعد "الأكثر تعقيدا" في هذا الموضوع هو تطور فاغنر إلى "فيلق روسي بأفريقيا" باعتبار مقاتليها يمتلكون خبرات واسعة في الشأن الأفريقي.

وبشأن التداعيات الأمنية الناجمة عن تواجددهم في ليبيا، يعتبر عقيل أن أي صدام محتمل بين هذا القوات والجيش الأميركي أو قوات حلف الناتو سيلقي بظلاله على دول الإقليم من بينها تونس.

وتبعا لذلك، يشدد المتحدث على ضرورة استعداد الدول المغاربية لكل السيناريوهات المحتملة بشأن الصراع في ليبيا، سواء كان صراعا روسيا أمريكيا، أو روسيا أوروبيا، لافتا إلى أن هذا الصراع ستحدد طبيعته التحالفات والتوافقات التي يجري التفاوض بشأنها، وفقه.

ورغم عدم تسجيل أي موقف رسمي تونسي بشأن انتشار مقاتلي فاغنر في ليبيا، فإن الموقف الوحيد الذي تم رصده كان في مايو الماضي خين نفت السلطات التونسية صحة تقارير في وسائل إعلام بوجود عناصر من مجموعة فاغنر الروسية في بلادها.

كان ذلك ردا على ما تناقلته وسائل إعلام إيطالية وفرنسية بشأن بوجود عناصر من فاغنر في جزيرة جربة، الواقعة قرب الحدود مع ليبيا. 

متابعة عن كثب

من جانبه، يرى الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، علية العلاني، أن تزايد انتشار مجموعة فاغنر في ليبيا لن يؤثر لحد الآن على الأوضاع الأمنية على تونس في المدى القريب، مشيرا إلى أنّ المسؤولين التونسيين يراقبون الوضع عن كثب.

 

ويضيف العلاني في حديثه لـ"الحرة" بأن تونس "ملتزمة منذ سنوات برفض كل أشكال التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول سواء كان ذلك في المنطقة المغاربية أو الأفريقية أو غيرها". 

ويتابع في هذا السياق موضحا أن⁠ الدولة التونسية "دأبت دائما في نهجها الدبلوماسي على التركيز على أهمية الحوار لتلافي أي تصعيد عسكري محتمل في ليبيا".

يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا
يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا

يشهد الميزان التجاري التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تفاقما ملحوظا في العجز، حيث تضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متأثرا بشكل رئيسي بالمبادلات غير المتوازنة مع الصين وروسيا.

وأظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2025 إلى ما يفوق 1.2 مليار دولار مقارنة بنحو 0.6 مليار دولار خلال العام الماضي.

وتكشف حصيلة المبادلات التجارية لهذا البلد المغاربي مع الصين عجزا يتجاوز 3 ملايين دولار تليه روسيا بما يفوق 1.6 مليون دولار، في مقابل ذلك تسجل هذه المبادلات فائضا مع بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وجاءت فرنسا في صدارة الدول التي حققت معها تونس فائضا تجاريا بنحو 1.7 مليون دولار تلتها ألمانيا بما يفوق 0.7 ميار دولار، فيما حلت الولايات المتحدة في الرتبة السادسة بفائض يناهز 700 ألف دولار.

في المقابل، أثار توجه تونس للمراهنة على الأسواق الصينية والروسية في المبادلات التجارية سجالا بشأن تداعياته على البلاد التي تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة.

ضرورة مراجعة الاتفاقيات

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد زهير الحلاوي أن العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي تجاوز سقف 3 ملايين دولار، يؤثر سلبا على التوازنات المالية في تونس.

وقال الحلاوي لموقع "الحرة" إن العجز مع الصين وروسيا بات يشكل عبئا إضافيا على الوضع الاقتصادي المتأزم في ظل هذه الأرقام المقلقة، وهو ما يبرز تساؤل جوهري؛ هل تستفيد تونس فعلا من شراكاتها التجارية مع هذين البلدين، أم أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح طرف واحد فقط؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
تحذيرات من التقارب بين تونس وإيران
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإيران تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة رغم اتساع رقعة الحصار العالمي لنظام طهران.
وقد شاركت تونس، الجمعة، في اشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الذي يأتي بطلب إيراني واحتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح أن الصين تمثل اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس، لكن العلاقة تفتقد إلى التوازن، ذلك أن تونس تستورد من هذا البلد الآسيوي منتجات استهلاكية وصناعية بكميات ضخمة، في حين أن صادراتها إليها تظل محدودة للغاية.

وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.

وتابع، في السياق ذاته، بأن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلبا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، ما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.

وبخصوص التبادل التجاري مع روسيا، فقد أكد الحلاوي أن العجز التجاري مع روسيا بدوره يمثل معضلة، إذ تعتمد تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية. 

ومع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح التعامل التجاري معها محفوفا بالمخاطر، مما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي مستقبلا، وفقه.

وتبعا لذلك، دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع الصين وروسيا وتعزيز الإنتاج المحلي لضمان مصلحة البلاد، فضلا عن تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف التنويع في الشراكات التجارية والبحث عن أسواق جديدة أكثر توازنا.

وسبق للمرصد التونسي للاقتصاد أن حذر في العام 2022 من تعمّق العجز التجاري لتونس مع الصين وتركيا وشدد على أنه يساهم في استنزاف احتياطي البلاد من العملة ويهدد، جديا، الإنتاج المحلي، داعيا إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية معهما.

عجز هيكلي

من جانبه، أكد الخبير في الاقتصاد، هشام العجبوني، أن العجز التجاري في تونس هو عجز هيكلي وليس ظرفيا رغم توجه الحكومة التونسية خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيض في التوريد بسبب ضعف الإمكانيات المالية للدولة.

وأوضح العجبوني أن هذا التوجه انعكس سلبا على مجال الاستثمار في تونس والذي تراجعت نسبته إلى ما دون 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام، جراء عدم استيراد المواد الخام ونصف المصنعة والتجهيزات، وهو ما يشكل خطرا على البلاد مستقبلا.

من جانب آخر، دعت تونس في يوليو 2023 الى تعزيز وتنويع الشراكة بين القارة الافريقية ومجموعة 'البريكس' التي تقودها الصين وروسيا في خطوة فسرها مهتمون بالشأن الاقتصادي بالسعي التونسي نحو الانضمام لهذه المجموعة.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي هشام العجبوني، إن الدعوات للانضمام إلى "البريكس" يشكل كذبة كبرى لعدة اعتبارات أهمها أن 70 في المئة من الصادرات التونسية تتجه بشكل أساسي إلى الشركاء التقليديين في مقدمتهم دول أوروبا وهو ما لا يمكن أن تقوم بتعويضه الصين أو روسيا.

وشدد على أن التوترات التي تعيش على ضوئها منطقة الشرق الأوسط ستشكل تحديا أمام تونس في مسألة التأمين اللوجيستي للمبادلات التجارية مع جل البلدان الآسيوية.

يشار إلى أن التقارب التونسي الصيني عرف ذروته إثر الزيارة التي أداها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين في مايو من العامي الماضي، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين البلدين.