السيسي وسعيد في لقاء رسمي سابق ـ

تزامناً مع الجدل الذي أثارته تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن خطته لنقل سكان قطاع غزة إلى دول أخرى، خاصة مصر والأردن، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه لخطاب ألقاه الرئيس التونسي قيس سعيّد، "هدّد فيه ترامب".

 وزعم ناشرو الفيديو أن سعيّد "أبدى دعمه لمصر"، مسميا الرئيس المصري "عبد العزيز" بدلاً من عبد الفتاح السيسي. 

ويظهر في الفيديو المتداول، ما يبدو أنه مؤتمر صحفي مشترك للسيسي وسعيّد، مرفقاً بعبارة "الرئيس التونسي يساند السيسي ويهدد ترامب".

ويُسمع في المقطع سعيّد يقول: "جئتُ اليوم إلى مصر لأقف بجانب أخي الرئيس عبد العزيز السيسي، وأقول لترامب: لا تحاول اللعب مع الرئيس عبد العزيز"، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.

ويأتي انتشار هذا الفيديو حاصداً مئات المشاركات على كل من فيسبوك وإكس، بعدما طرح ترامب في الرابع من فبراير خلال استقباله في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فكرة تقضي بأن تتولى الولايات المتحدة زمام الأمور في  غزة، بهدف إعادة إعمارها وتطويرها اقتصادياً، بعد أن يتم نقل سكان القطاع الفلسطيني إلى دول أبرزها مصر والأردن.

وأعلن ترامب الإثنين، أنّ بلاده "قد" تقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يقبلا باستقبال لاجئين"، في إشارة إلى فلسطينيي غزة، وهو أمر يرفضه حتى الآن هذان البلدان.

وردّ السيسي، الثلاثاء، مشدداً على إعادة إعمار قطاع غزة "دون تهجير سكانه الفلسطينيين"، قائلاً خلال اتصال هاتفي مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن، إن إقامة دولة فلسطينية هي "الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم" في المنطقة.

فيديو "مركّب"

إلا أن الفيديو المتداول على أنّه لخطاب للرئيس التونسي "يهدّد فيه ترامب"، مركّب.

فقد أرشد التفتيش عن لقطات من الفيديو إلى نسخة أطول منه منشورة منذ 3 سنوات في عدة مواقع، وفق فرانس برس.

ويعود الفيديو لمؤتمر صحفي عقده الرئيسان المصري والتونسي بعد زيارة الأخير مصر عام 2021، حيث بحثا الوضع في ليبيا المجاورة وقضايا أخرى.

وتتطابق مشاهد الفيديو المتداول مع النسخة الأصلية من الفيديو، ابتداءً من الدقيقة 11:44.

ولم يتطرق سعيّد في كلامه أبدا إلى الملف الفلسطيني، ولم يتوجه بحديثه إلى ترامب، مما يعني أن ناشري الفيديو المتداول عمدوا إلى تعديله وإضافة صوت مركّب للرئيس التونسي.

أعضاء من الحزب الدستوري الحر يقدمون خارطة طريق سياسية خلال مؤتمر صحفي
أعضاء من الحزب الدستوري الحر يقدمون خارطة طريق سياسية خلال مؤتمر صحفي

في خطوة تهدف إلى مجابهة "الدكتاتورية والاستبداد" في تونس، أعلن الحزب الدستوري الحر (معارض) عن خارطة طريق سياسية لتوحيد المعارضة لنظام الرئيس قيس سعيد.

يأتي ذلك في ظرف تعيش فيه أحزاب المعارضة في تونس حالة من التشتت، عمقتها المواقف المناهضة للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021، وأحكم بمقتضاها قبضته على السلطة مع استمرار الملاحقات القضائية والاعتقالات في صفوف قيادات سياسية معارضة.

وتعود مبادرة الحزب الدستوري الحر إلى أواخر فبراير الماضي، إذ أعلن عن اعتزامه الدخول في تواصل مع مختلف مكونات المشهد السياسي والمدني في البلاد.

وقال إن هذه الخطوة تهدف إلى "توحيد الصفوف واتخاذ مواقف وخطوات مشتركة للقطع نهائيا مع الدكتاتورية والاستبداد والفشل في تحقيق مطالب وطموحات الشعب الاقتصادية والاجتماعية"، بحسب بلاغ صادر عن الحزب.

في السياق ذاته خلال مؤتمر صحفي عُقِدَ الخميس بمقره بتونس العاصمة، أعلن الحزب الدستوري الحر الذي تقبع رئيسته عبير موسي منذ أكتوبر 2023 في السجن وتواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام، أنه انطلق في "صياغة ميثاق وطني إطاري مشترك لتأسيس منظومة سياسية يعمل فيها الجميع بكلّ أريحية".

مشروع سياسي جديد

وعن تفاصيل خارطة الطريق السياسية، أكد عضو الديوان السياسي للحزب الدستوري الحرّ، ثامر سعد، أن هذه المبادرة تعد مشروعا سياسيا جديدا يضم مختلف الأطياف السياسية ومنظمات المجتمع المدني، التي تؤمن بالجمهورية المدنية، والغرض من ذلك تجاوز الصراعات وتوحيد صفوف المعارضة في تونس.

وقال سعد، لموقع "الحرة" إنه رغم الاختلافات الفكرية لأحزاب المعارضة، فإنه تم التواصل مع عدد من الأحزاب من ضمنها حركة حقّ وحزب الائتلاف الوطني وحزب آفاق تونس والتيار الديمقراطي فضلا عن بعض مكونات المجتمع المدني، بهدف إصدار نصّ دستوري غير قابل للتعديل ولا يدفع إلى حالة عدم الاستقرار السياسي.

وأضاف في هذا السياق، أنه "سيتم قريبا عقد اجتماع مع ممثلي الأحزاب لتلقي مقترحاتهم لتأسيس لجمهورية مدنية ديمقراطية".

وبخصوص ما إذا كانت خارطة الطريق السياسية الجديدة ستقتصر فقط على الأحزاب ذات المرجعية الدستورية، أوضح عضو الديوان السياسي للحزب الدستوري الحرّ، ثامر سعد أنها ستكون مفتوحة أمام كل من يؤمن بمدنية الدولة وجمهوريتها.

في المقابل، ورغم رغم تقاطع المطالب السياسية لأحزاب المعارضة في تونس بشأن رفضها لمسار 25 يوليو 2021 وما أعقبه من إجراءات فإن مسألة توحيد تحركاتها بقيت رهانا يشق صفوفها ويعمق الخلافات بين مكوناتها خاصة بين الإسلاميين والدستوريين واليسار.

لا للإقصاء

من جانبه، يرى الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، أن أبرز تحد يواجه خارطة الطريق السياسية التي يطرحها الحزب الدستوري الحر هو توحيد مختلف القوى السياسية المعارضة مهما كانت خلفياتها الفكرية والأيديولوجية وعدم إقصاء أي طرف بناء على الصراعات القديمة.

وأوضح الصغير، في حديثه لموقع "الحرة"، أن نجاح هذه المبادرة هو رهين مدى جديتها لطرح موضوع تشكيل جبهة سياسية ضد الاستبداد وقمع الحريات وإخضاع الدولة لسلطة مطلقة لسعيد فضلا عن التصدي للنظام الحالي وطرح بديل جدّي لا يقوم على الإقصاء أو الاعتماد على التفرقة السياسية. 

وقال إن "الحزب الجمهوري يعتبر أن وحدة أحزاب المعارضة لا يجب أن تقصي إلا من أقصى نفسه، ويؤيد كل مبادرة تهدف إلى التصدي للاستبداد والنظام الشمولي الذي يكرسه الرئيس التونسي قيس سعيد".

كما يؤمن هذا الحزب الذي يقبع أمينه العام عصام الشابي في السجن منذ ما يزيد عن عامين، بحسب الصغير بـ "الحد الأدنى المشترك بين مختلف الأطياف السياسية بما فيها من تناقضات وذلك لوضع حد لسياسة التنكيل والقمع التي تمارسها السلطة ضد كل الأحزاب والمنظمات والجمعيات".

في مقابل ذلك، انتقد سعيد، مساء الخميس، خلال اشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي الوطني، التقارب بين أحزاب المعارضة قائلا: "إن خصماء الدهر بالأمس القريب، صاروا حلفاء وإخوانا، وإن العدو الذي كان في الظاهر لدودا صار لعدوه اليوم خليلا ودودا". 

المعارضة معارضات

زعيم حزب العمال بتونس حمة الهمامي، أفاد، في حديثه لموقع "الحرة"، بأن حزبه لم يطّلع بعد على المبادرة السياسية الجديدة لتوحيد المعارضة، مؤكدا أن الحزب سيردّ عليها في "الوقت المناسب".

وعن أسباب تشتت المعارضة وعدم توحدها في جبهة سياسية، قال الهمامي: إن المعارضة في تونس معارضات لكل منها تاريخها ومنطلقاتها ومواقفها وهو أمر طبيعي طالما أنها تعبر عن مصالح مختلفة. ثمة جبهة الخلاص ومحورها حركة النهضة التي حكمت مع قوى أخرى لمدة عشر سنوات وكانت السبب في انقلاب 25 يوليو 2021. وثمة الحزب الدستوري الحر المرتبط بالنظام القديم وهو يعتبر ثورة 2010-2011 الشعبية مؤامرة. وثمة معارضة ديمقراطية تقدمية مشتتة لم تنجح إلى حد الآن في توحيد صفوفها.

وشدد زعيم حزب العمال المعارض على أن وحدة أحزاب المعارضة لا يمكن أن تبنى على مجرد المصلحة في معارضة قيس سعيد وسلطة الاستبداد التي يديرها، بل تبنى على برامج وأهداف مشتركة تنهض بالبلاد وتحقق مطامح الشعب التونسي.

وعلى امتداد الأشهر الماضية، تعددت الدعوات إلى جمع الفرقاء السياسيين في تونس، والالتقاء على أساس وحدة تنظيمية فكرية وسياسية مشتركة، والقطع مع التشتت الذي ميز المشهد السياسي على امتداد ا بعد 14 يناير 2011

ليست الأولى ولا أخيرة

" إن الدعوة لتوحيد المعارضة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بيد أن ما يمنع اتفاق هذه الأحزاب على مهام تقدر أنها راهنة، ليس فقط ما يشقها من خلافات أيديولوجية، بل بغياب برامج بديلة وجدية تجد صداها عند التونسيين" هذا ما يراه المحلل السياسي خالد كرونة بخصوص مساعي تشكيل جبهة سياسية تعارض السلطة في تونس.

وأضاف كرونة، لموقع "الحرة"، "ربما أنه من عبث الأقدار أن سبب اختلاف أحزاب المعارضة هو نقطة تشابه بينها وهي أنها بكل أطيافها تمثل طبقة سياسية قديمة ولى زمنها، لا برامج جدية لها ولا تصور حقيقي لبديل اقتصادي اجتماعي ولا ابتكار في أشكال التنظيم والدعاية السياسية وغيرها".

ويرى أنه وفق موازين القوى القائمة، لا أحد يجبر الرئيس على الالتفات إلى هذه الدعوات التي كرر السخرية منها خلال كلمته أمام مجلس الأمن القومي الخميس معلنا المضي قدما في سياسة التطهير.

وتبعا لذلك ختم المتحدث بالقول "ستظل البلاد بلا معارضة جدية لأن الأجسام التي تلبس هذا الثوب الآن لا تملك ما ترقى به إلى مصاف المعارضة الجدية".

ويناهز عدد التنظيمات السياسية في تونس نحو 240 حزبا، بعضها أعلن مساندته وانخراطه الكامل في مسار 25 يوليو 2021 الذي أعلن الرئيس سعيد بموجبه قرارات زكت سلطته الرئاسية وتضمنت حل الحكومة والبرلمان وعدد من الهيئات الدستورية. أما البعض الآخر فقد اختار طريق المعارضة التي تحولت في ما بعد إلى ائتلافات حزبية تناهض توجهات السلطة وقراراتها.