الرئيس التونسي، قيس سعيد (فرانس برس)
الرئيس التونسي، قيس سعيد (فرانس برس)

تزداد الضغوط السياسية في تونس من قبل الأحزاب الموالية والمعارضة لعقد حوار وطني يخرج البلاد من أزمتها، وسط تمسك الرئيس التونسي، قيس سعيد، برفض هذه الخطوة بذريعة أن الحوار "لا يكون مع من سرقوا البلاد ونهبوها".

آخر هذه الدعوات إلى حوار وطني جاءت من حزب "العمل والإنجاز"، وهو أحد مكونات جبهة الخلاص الوطني، إذ طالب في بيان له في 6 فبراير الجاري "كافة القوى السياسية إلى الحوار والتعاون من أجل إخراج البلاد من أزمتها متعددة الأبعاد، التي تهدد حاضرها ومستقبل أجيالها القادمة".

وقبل ذلك بأيام، طرحت "حركة حق" التونسية (تضم ثلاثة أحزاب) مبادرة وطنية دعت فيها إلى حوار وطني شامل يحقق انفراجا سياسيا في البلاد، مؤكدة ضرورة أن تكون هذه المبادرة وطنية جامعة تعيد بناء الثقة بين مختلف الأطراف وتفتح مسارا جديدا نحو الاستقرار والتنمية.

ومن بين الأحزاب الداعمة للنظام التي تتمسك بإجراء وطني، حزب التيار الشعبي الذي طالب، في يناير الماضي، السلطة "الخروج من حالة الانغلاق السياسي ومد جسور التواصل مع جميع الأحزاب والهيئات المهنية والمنظمات والفعاليات الشعبية والنخب الثقافية والإعلامية والأكاديمية الوطنية المناهضة للرجعية والهيمنة والمؤمنة بالديمقراطية والسيادة".

وتأتي هذه الدعوات في ظرف تشهد فيه البلاد ارتفاع نسق الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل، وأزمة سياسية حادة، عمّقتها أحكام قضائية "ثقيلة" بالسجن في حق قيادات سياسية وأمنية وصحفيين. 

وفي رده على الطلبات المتزايدة للأحزاب ونواب البرلمان والمنظمات الوطنية من ضمنها الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة إجراء حوار وطني، أكد سعيد أن " الحوار لا يكون من سرقوا البلاد ونهبوها"، بعد أن  قال سابقا إن البلاد في حاجة إلى "وحدة وطنية صمّاء".

موقف الرئيس فتح جدالا بشأن أسباب تمسكه بعدم إجراء حوار وطني لتهدئة الأوضاع المحتقنة في البلاد، وتداعيات هذه الخطوة على هذا البلد المغاربي.

الاستفراد بالرأي

تعليقا على هذا الموضوع، يرى القيادي في "جبهة الخلاص الوطني" (ائتلاف حزبي معارض)، رياض الشعيبي، أن إصرار سعيد على رفض الحوار الشامل يعكس رغبة السلطة في إقصاء كل القوى السياسية في البلاد والاستفراد بالرأي وعدم الانصات لمختلف المطالب وعدم الانصات للمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمختلف الفاعلة في تونس.

وقال الشعيبي، لموقع "الحرة"، إن المعارضة لا تستغرب من موقف النظام وتعتبر أن السلطة لاتزال ماضية في سياسة التعسف والاستبداد واعتقال المعارضين ومحاولة إقصاء كل رأي مخالف.

وأضاف أن " الأخطر من هذا الوضع، هو معاناة العشرات من المعتقلين منذ سنوات في السجون التونسية من أوضاع صحية واجتماعية صعبة، على خلفية قضايا مفبركة ولا أساس لها من الصحة".

ولفت إلى أن السلطة محرجة في هذا الملف ورغم ذلك لاتزال مصرة على تشديد الأحكام وتوسيع دائرة الاعتقالات.

وكانت جبهة الخلاص الوطني قدد نددت في بيان الأربعاء بتدهور الوضع الصحي للمعتقلين نور الدين البحيري ومنذر الونيسي، مشيرة إلى أنهما يرقدان بمستشفيات تونس العاصمة لتلقي العلاج.

وفي هذا الخصوص، يعتبر رياض الشعيبي أن ما يحدث يأتي في سياق "السياسة التنكيلية التي تنتهجها السلطة تجاه المعارضين"، مشددا على أن من مبررات رفض سعيد للحوار هو عدم فتح الملفات الحقوقية وإطلاق سراح المعتقلين.

في المقابل، اتهم سعيد في مناسبات عديدة خصومه السياسيين بـ"التآمر على أمن الدولة ومحاولة تفجير الأوضاع في البلاد"، وهي اتهامات تخللتها حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات سياسية ورجال أعمال و صحفيين في تونس.

من جانبه، أكد أمين عام حزب "حراك 25 جويلية/يوليو" (داعم للسلطة)، محمود بن مبروك، أن الأحزاب المؤيدة للنظام طالبت بحوار وطني يقتصر على من يؤيدون خطوات الرئيس والمسار الذي انتهجه منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021.

الرئيس في حوار مع الشعب

ويرجع بن مبروك، في حديثه لموقع "الحرة"، أسباب رفض سعيد لحوار وطني، إلى ما قال إنه " رفض للتحاور مع من كانوا سببا في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال العشرية السوداء" مؤكدا أن سعيد في "حوار مباشر ودائم" مع الشعب ويستمع إلى مشاغل التونسيين وتلبية احتياجاتهم.

ونفى المتحدث وجود أزمة سياسية في تونس، مشددا على أن سعيد أوفى بتعهداته السياسية من خلال إجراء كل المحطات الانتخابية في مواعيدها وإرساء برلمان في انتظار إجراء آخر استحقاق انتخابي يتعلق بالمجالس البلدية.

وتابع في هذا السياق، أن الحوار الذي تدعو إليه أحزاب المعارضة في تونس "يهدف إلى إعادة إحياء المنظومة السابقة التي رفضها الشعب وتجاوزها الزمن".

ولفت، في المقابل، إلى أن الأحزاب المؤيدة للسلطة في تواصل دائم مع النظام وتقدم مقترحاتها بشأن معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وما بين مطالب الأحزاب وموقف النظام في تونس من الحوار الوطني، تصاعد نسق الحراك الاحتجاجي الاجتماعي في البلاد خلال يناير 2025 بنحو 181% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. 

وقفز من 137 تحركا احتجاجيا خلال يناير 2024 الى 386 تحركا احتجاجيا خلال يناير هذا العام، وفق احصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي).

"أزمة متأصّلة"

من جانب آخر، يرى المحلل السياسي خالد كرونة أن الأزمة التي تعيشها تونس متأصّلة وليست ظرفية، وذلك في ظل عجز السلطة عن إيجاد حلول للقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، قال كرونة في حديثه لـ "الحرة" إن أمر الحوار الوطني بات وراء ظهور التونسيين، وماهو إلّا مدخل اتخذته المعارضة لتحاول استعادة المبادرة السياسية في البلاد.

وتبعا لذلك، اعتبر المتحدث  "أن الاتجاه العام، يؤكد أن خواء برامج المعارضة وانكفاءها ضمن مربع الاحتجاج الحقوقي، سيترك المجال رحبا أمام السلطة لتستمر في رسم السياسات العامة رغم ضغوطات المديونية وتفشي البطالة وتزايد مؤشرات الفقر".

يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا
يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا

يشهد الميزان التجاري التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تفاقما ملحوظا في العجز، حيث تضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متأثرا بشكل رئيسي بالمبادلات غير المتوازنة مع الصين وروسيا.

وأظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2025 إلى ما يفوق 1.2 مليار دولار مقارنة بنحو 0.6 مليار دولار خلال العام الماضي.

وتكشف حصيلة المبادلات التجارية لهذا البلد المغاربي مع الصين عجزا يتجاوز 3 ملايين دولار تليه روسيا بما يفوق 1.6 مليون دولار، في مقابل ذلك تسجل هذه المبادلات فائضا مع بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وجاءت فرنسا في صدارة الدول التي حققت معها تونس فائضا تجاريا بنحو 1.7 مليون دولار تلتها ألمانيا بما يفوق 0.7 ميار دولار، فيما حلت الولايات المتحدة في الرتبة السادسة بفائض يناهز 700 ألف دولار.

في المقابل، أثار توجه تونس للمراهنة على الأسواق الصينية والروسية في المبادلات التجارية سجالا بشأن تداعياته على البلاد التي تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة.

ضرورة مراجعة الاتفاقيات

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد زهير الحلاوي أن العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي تجاوز سقف 3 ملايين دولار، يؤثر سلبا على التوازنات المالية في تونس.

وقال الحلاوي لموقع "الحرة" إن العجز مع الصين وروسيا بات يشكل عبئا إضافيا على الوضع الاقتصادي المتأزم في ظل هذه الأرقام المقلقة، وهو ما يبرز تساؤل جوهري؛ هل تستفيد تونس فعلا من شراكاتها التجارية مع هذين البلدين، أم أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح طرف واحد فقط؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
تحذيرات من التقارب بين تونس وإيران
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإيران تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة رغم اتساع رقعة الحصار العالمي لنظام طهران.
وقد شاركت تونس، الجمعة، في اشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الذي يأتي بطلب إيراني واحتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح أن الصين تمثل اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس، لكن العلاقة تفتقد إلى التوازن، ذلك أن تونس تستورد من هذا البلد الآسيوي منتجات استهلاكية وصناعية بكميات ضخمة، في حين أن صادراتها إليها تظل محدودة للغاية.

وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.

وتابع، في السياق ذاته، بأن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلبا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، ما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.

وبخصوص التبادل التجاري مع روسيا، فقد أكد الحلاوي أن العجز التجاري مع روسيا بدوره يمثل معضلة، إذ تعتمد تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية. 

ومع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح التعامل التجاري معها محفوفا بالمخاطر، مما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي مستقبلا، وفقه.

وتبعا لذلك، دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع الصين وروسيا وتعزيز الإنتاج المحلي لضمان مصلحة البلاد، فضلا عن تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف التنويع في الشراكات التجارية والبحث عن أسواق جديدة أكثر توازنا.

وسبق للمرصد التونسي للاقتصاد أن حذر في العام 2022 من تعمّق العجز التجاري لتونس مع الصين وتركيا وشدد على أنه يساهم في استنزاف احتياطي البلاد من العملة ويهدد، جديا، الإنتاج المحلي، داعيا إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية معهما.

عجز هيكلي

من جانبه، أكد الخبير في الاقتصاد، هشام العجبوني، أن العجز التجاري في تونس هو عجز هيكلي وليس ظرفيا رغم توجه الحكومة التونسية خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيض في التوريد بسبب ضعف الإمكانيات المالية للدولة.

وأوضح العجبوني أن هذا التوجه انعكس سلبا على مجال الاستثمار في تونس والذي تراجعت نسبته إلى ما دون 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام، جراء عدم استيراد المواد الخام ونصف المصنعة والتجهيزات، وهو ما يشكل خطرا على البلاد مستقبلا.

من جانب آخر، دعت تونس في يوليو 2023 الى تعزيز وتنويع الشراكة بين القارة الافريقية ومجموعة 'البريكس' التي تقودها الصين وروسيا في خطوة فسرها مهتمون بالشأن الاقتصادي بالسعي التونسي نحو الانضمام لهذه المجموعة.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي هشام العجبوني، إن الدعوات للانضمام إلى "البريكس" يشكل كذبة كبرى لعدة اعتبارات أهمها أن 70 في المئة من الصادرات التونسية تتجه بشكل أساسي إلى الشركاء التقليديين في مقدمتهم دول أوروبا وهو ما لا يمكن أن تقوم بتعويضه الصين أو روسيا.

وشدد على أن التوترات التي تعيش على ضوئها منطقة الشرق الأوسط ستشكل تحديا أمام تونس في مسألة التأمين اللوجيستي للمبادلات التجارية مع جل البلدان الآسيوية.

يشار إلى أن التقارب التونسي الصيني عرف ذروته إثر الزيارة التي أداها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين في مايو من العامي الماضي، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين البلدين.