سعيد والشرع
سعيد من رؤساء الدول الذين لم يبعثوا رسالة تهنئة للشرع

خلافا لجل العواصم العربية، لم ترسل تونس بعد أي رسالة تهنئة إلى رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع الذي وقع تعيينه لقيادة المرحلة الانتقالية بالبلاد منذ أواخر يناير من الشهر المنقضي.

وآخر موقف رسمي صدر عن الخارجية التونسية كان في 9 ديسمبر الماضي، إذ عدلت فيه من موقفها تجاه الوضع في دمشق، واضعةً سلامة التراب والاستقرار السوري أولوية قصوى، بعد أن نددت قبل ذلك بأيام بما وصفته بـ "الهجمات الإرهابية على شمال سوريا".

ورغم حاجة السلطات التونسية إلى التنسيق مع الإدارة السورية الجديدة بشأن ملف المقاتلين التونسيين الذين التحقوا بثغور القتال هناك إبان ثورة 2011 إلا أن عدم انضمامها إلى ركب المهنئين للإدارة السورية الجديدة، أثار تساؤلات بشأن أبعاد هذا الموقف وسياقاته.

"فترة تريّث"

في تحليله لأبعاد الموقف التونسي من النظام السوري الجديد، اعتبر المحلل السياسي، مراد علالة، أن السياسة الخارجية التونسية تتسم بالهدوء والتريث والنأي بنفسها عن التدخل في الشأن الداخلي لسوريا مشيرا إلى أن مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يتطلب وقتا لتطبيعها بهدوء وثبات.

وأوضح علالة لموقع "الحرة" أن عدم تهنئة تونس لأحمد الشرع بتوليه مقاليد الحكم في سوريا هو انسجام مع موقفها الدبلوماسي السابق الذي أدان ما وصفته بالهجمات الإرهابية على الشمال السوري، مشددا على "أنه ليس من السهل تغيير الموقف 180 درجة كما فعلت بعض الأنظمة الأخرى".

نفى الرئيس التونسي التضييق على ترشح منافسيه في الانتخابات المقبلة - صورة أرشيفية.
تونس تفتح أبوابها لإيران.. ماذا يريد قيس سعيّد؟
قررت تونس، إعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول، في خطوة سبقتها زيارة من الرئيس قيس سعيّد، هي الأولى إلى طهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، للمشاركة في تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قتل في حادث تحطم طائرة مايو الماضي.

ويرجّح المتحدث أن تتطور العلاقات بين تونس وسوريا مستقبلا مهما كانت الأنظمة التي تعتلي سدة الحكم، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الإقليمية والدولية وحاجة البلدين للتنسيق في الملفات المتعلقة بالتونسيين المتشددين المتواجدين على الأراضي السورية فضلا العلاقات التي تربطهما تاريخيا كبلدين عربيين شقيقين.

وفي عهد الرئيس التونسي قيس سعيد تكللت الجهود التونسية بإعادة العلاقات الدبلوماسية رسميا مع سوريا عام 2023 بعد قطيعة دامت أكثر من عقد، احتجاجا على قمع نظام بشار الأسد الاحتجاجات المناهضة له.

وأعقب هذه الخطوة لقاء جمع سعيد بالأسد خلال القمة العربية في جدة يوم 19 مايو 2023، خطوة قال المحلل السياسي مراد علالة إنها جاءت عقب علاقة دقيقة بين الدولتين إذ لم يكن يسيرا عودتها بشكل طبيعي بعد فترة طويلة من القطيعة.

شكوك وصدمة

من جانبه، قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن تونس لم تطمئن للتغيير الذي حدث في سوريا ولديها شكوك حول مدى قدرة النظام الجديد على التعامل بشكل إيجابي مع تونس بالذات.

وأضاف أن هناك تخوفات لدى السلطات التونسية من التونسيين الذين حملوا السلاح وانتموا لتنظيمات إرهابية وإمكانية استخدامهم ضد الدولة التونسية، مشيرا إلى أن "هذه الفكرة ما زالت مؤثرة على القرار السياسي الخارجي لتونس تجاه الوضع في سوريا".

وبخصوص تأثير سقوط نظام بشار الأسد على الموقف التونسي، يرى المتحدث أن تونس تفاجأت إلى حد الصدمة من وقوع السلطة في دمشق بيد مجموعات كان يعتبرها الموقف الرسمي "إرهابية ومارقة عن القانون".

وتابع في هذا السياق بأن الرهان المبني على إعادة إدماج نظام الأسد إلى المنظومة الإقليمية وكذلك على مستوى العلاقات الثنائية مع تونس قد فشل بشكل سريع وهو ما يفسر "حالة التحفظ" في الموقف الرسمي التونسي تجاه النظام السوري الجديد.

"اتساع الهوة بين نظامين"

"إن تونس التي تعتبر أن سوريا تعرضت إلى مؤامرة دولية امتدت أعواما، لا يمكنها أن تغدق المديح على حكامها الجدد الذين جيء بهم إلى سدة الحكم" هكذا فسّر المحلل السياسي خالد الكرونة حالة الصمت التي خيمت على العلاقات التونسية السورية في عهد رئيس المرحلة الانتقالية بسوريا أحمد الشرع.

وقال كرونة في حديث لموقع "الحرة" إن تونس فقدت إمكانية الاستفادة من قاعدة بيانات كبيرة حول الجهاديين التونسيين في سوريا وهو ما يزيد الهوة عمقا بين عقل الدولة التونسية وبين معالم مستقبل سوريا الغامض.

ويضيف في سياق متصل، بأن "السياسات العامة للدولة التونسية، ورؤيتها للتحولات الواقعة إقليميا ودوليا، طبعت مواقف تونس الخارجية وخاصة بعلاقة بطوفان الأقصى، إذ كان موقفها استثنائيا وسط النظام الرسمي العربي حين أعلنت أن التحرير يعني القدس عاصمة فلسطين والأرض كل الأرض من النهر إلى البحر ".

يشار إلى أن السلطات التونسية قد أقرت، مطلع يناير الجاري، إجراءات جديدة تقضي بتحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الرئيسي، في خطوة يرى مراقبون أنها ذات صبغة أمنية بالأساس، وتهدف إلى قطع الطريق أمام إمكانية عودة عناصر كانت تقاتل في سوريا، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا
يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا

يشهد الميزان التجاري التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تفاقما ملحوظا في العجز، حيث تضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متأثرا بشكل رئيسي بالمبادلات غير المتوازنة مع الصين وروسيا.

وأظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2025 إلى ما يفوق 1.2 مليار دولار مقارنة بنحو 0.6 مليار دولار خلال العام الماضي.

وتكشف حصيلة المبادلات التجارية لهذا البلد المغاربي مع الصين عجزا يتجاوز 3 ملايين دولار تليه روسيا بما يفوق 1.6 مليون دولار، في مقابل ذلك تسجل هذه المبادلات فائضا مع بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وجاءت فرنسا في صدارة الدول التي حققت معها تونس فائضا تجاريا بنحو 1.7 مليون دولار تلتها ألمانيا بما يفوق 0.7 ميار دولار، فيما حلت الولايات المتحدة في الرتبة السادسة بفائض يناهز 700 ألف دولار.

في المقابل، أثار توجه تونس للمراهنة على الأسواق الصينية والروسية في المبادلات التجارية سجالا بشأن تداعياته على البلاد التي تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة.

ضرورة مراجعة الاتفاقيات

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد زهير الحلاوي أن العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي تجاوز سقف 3 ملايين دولار، يؤثر سلبا على التوازنات المالية في تونس.

وقال الحلاوي لموقع "الحرة" إن العجز مع الصين وروسيا بات يشكل عبئا إضافيا على الوضع الاقتصادي المتأزم في ظل هذه الأرقام المقلقة، وهو ما يبرز تساؤل جوهري؛ هل تستفيد تونس فعلا من شراكاتها التجارية مع هذين البلدين، أم أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح طرف واحد فقط؟

تحذيرات من التقارب بين تونس وإيران
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإيران تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة رغم اتساع رقعة الحصار العالمي لنظام طهران.
وقد شاركت تونس، الجمعة، في اشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الذي يأتي بطلب إيراني واحتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح أن الصين تمثل اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس، لكن العلاقة تفتقد إلى التوازن، ذلك أن تونس تستورد من هذا البلد الآسيوي منتجات استهلاكية وصناعية بكميات ضخمة، في حين أن صادراتها إليها تظل محدودة للغاية.

وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.

وتابع، في السياق ذاته، بأن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلبا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، ما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.

وبخصوص التبادل التجاري مع روسيا، فقد أكد الحلاوي أن العجز التجاري مع روسيا بدوره يمثل معضلة، إذ تعتمد تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية. 

ومع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح التعامل التجاري معها محفوفا بالمخاطر، مما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي مستقبلا، وفقه.

وتبعا لذلك، دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع الصين وروسيا وتعزيز الإنتاج المحلي لضمان مصلحة البلاد، فضلا عن تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف التنويع في الشراكات التجارية والبحث عن أسواق جديدة أكثر توازنا.

وسبق للمرصد التونسي للاقتصاد أن حذر في العام 2022 من تعمّق العجز التجاري لتونس مع الصين وتركيا وشدد على أنه يساهم في استنزاف احتياطي البلاد من العملة ويهدد، جديا، الإنتاج المحلي، داعيا إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية معهما.

عجز هيكلي

من جانبه، أكد الخبير في الاقتصاد، هشام العجبوني، أن العجز التجاري في تونس هو عجز هيكلي وليس ظرفيا رغم توجه الحكومة التونسية خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيض في التوريد بسبب ضعف الإمكانيات المالية للدولة.

وأوضح العجبوني أن هذا التوجه انعكس سلبا على مجال الاستثمار في تونس والذي تراجعت نسبته إلى ما دون 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام، جراء عدم استيراد المواد الخام ونصف المصنعة والتجهيزات، وهو ما يشكل خطرا على البلاد مستقبلا.

من جانب آخر، دعت تونس في يوليو 2023 الى تعزيز وتنويع الشراكة بين القارة الافريقية ومجموعة 'البريكس' التي تقودها الصين وروسيا في خطوة فسرها مهتمون بالشأن الاقتصادي بالسعي التونسي نحو الانضمام لهذه المجموعة.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي هشام العجبوني، إن الدعوات للانضمام إلى "البريكس" يشكل كذبة كبرى لعدة اعتبارات أهمها أن 70 في المئة من الصادرات التونسية تتجه بشكل أساسي إلى الشركاء التقليديين في مقدمتهم دول أوروبا وهو ما لا يمكن أن تقوم بتعويضه الصين أو روسيا.

وشدد على أن التوترات التي تعيش على ضوئها منطقة الشرق الأوسط ستشكل تحديا أمام تونس في مسألة التأمين اللوجيستي للمبادلات التجارية مع جل البلدان الآسيوية.

يشار إلى أن التقارب التونسي الصيني عرف ذروته إثر الزيارة التي أداها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين في مايو من العامي الماضي، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين البلدين.