البلدان الثلاثة فشلت في تنفيذ توصيات حرية الصحافة
تقرير حقوقي رصد 31 حالة انتهاك لحرية الرأي والتعبير في تونس خلال النصف الثاني من عام 2024.

كشف تقرير لمرصد انتهاكات حرية الرأي والتعبير في تونس (غير حكومي) الجمعة، عن تسجيل 31 حالة انتهاك لحرية الرأي والتعبير طالت سياسيين وصحفيين ومدونين ونقابيين ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال النصف الثاني من عام 2024.

ورصد التقرير، الذي حمل عنوان "حرية التعبير في تونس: أزمة قانون أم أزمة مجتمع"، خلال الفترة الممتدة من 1 يوليو إلى غاية نهاية ديسمبر من العام الماضي، حالات الانتهاكات التي توزعت على 9 محافظات بالبلاد، كان أكثرها في تونس العاصمة بـ 15 حالة انتهاك لحرية التعبير.

وكانت تونس قد شهدت منذ 25 يوليو 2021 تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية، تحولات سياسية وتشريعية كان لها تأثير واضح في مختلف الجوانب القانونية والاجتماعية من بينها مسألة حرية التعبير.

وقال ممثل جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات (حقوقية غير حكومية)، فادي فرايحي، إنه منذ صدور المرسوم 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات، انتهجت السلطة في تونس سياسة تكميم الأفواه والصمت الإجباري للحد من حرية الرأي والتعبير.

وأضاف فرايحي، لموقع "الحرة"، أنه إلى جانب هذا المرسوم تمت محاكمة العديد من التونسيين بموجب الفصل 67 من المجلة الجزائية بتهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية قيس سعيد".

تواتر المحاكمات

وفضلا عن حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات الأمنية في تونس منذ مطلع العام 2023 وطالت قيادات سياسية بارزة ورجال أعمال وصحفيين ومحامين، أكد فرايحي أن الملاحقات القضائية والمحاكمات تواترت العام الماضي، وتوسعت دائرتها لتشمل صناع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي.

وكشف أنه في أكتوبر الماضي تم إيقاف 10 من صناع المحتوى على منصة "تيك توك" تم إيداع 7 منهم السجن بتهم "الاعتداء على الآداب العامة والأخلاق الحميدة".

واعتبر في المقابل أن الفصول التي يحاكم وفقها الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي هي "قوانين استعمارية وقديمة". 

ولفت إلى أن آخر تعديل لهذه الفصول كان في عام 2005 إذ بقيت "قوانين أخلاقوية لا تحترم حقوق الانسان وتتعارض مع المعاهدات والمواثيق الدولية".

وكانت المحكمة الابتدائية بتونس قد أصدرت في نوفمبر الماضي أحكاما سجنية تراوحت بين عام ونصف العام و4 أعوام ونصف العام، عاى أربعة صناع محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي بتهم "مضايقة الغير والتجاهر عمدا بفاحشة والظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب" قبل أن تقرر أواخر يناير 2025 الإفراج عنهم.

"تراجع خطير لحرية التعبير"

وبخصوص الانتهاكات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير في تونس، يرى الباحث في مرصد انتهاكات حرية الرأي والتعبير، محمد الخولي، أن المؤشرات التي تم تسجيلها تعكس تراجعا خطيرا في هذا المجال في البلاد، رافقها تراجع في منسوب تعاطي التونسيين مع المستجدات السياسية وعزوف الشباب عن الحضور في الجلسات المتعلقة بحرية التعبير.

وأوضح الخلولي، في حديثه لموقع "الحرة"، أن مخاوف التونسيين خاصة في المناطق الداخلية بالبلاد من المحاكمات ناجم عن غياب الوعي والخلط بين حرية التعبير ونشر الإشاعات والترويج للأخبار الكاذبة التي يمنعها المرسوم 54 المثير للجدل.

وتبعا لذلك، قال المتحدث إن التوصيات التي رفعها التقرير المتعلق برصد الانتهاكات في مجال حرية الرأي والتعبير تدعو المنظمات الوطنية إلى تأمين حضور أكثر بمختلف محافظات البلاد وتكثيف أنشطتها الميدانية للتحسيس بأهمية حرية التعبير وحدودها وضوابطها.

كما أكد حصول إجماع من المنظمات والجمعيات الحقوقية في تونس على أن ترسانة القوانين تحد من حرية التعبير وتصنع مربعات من الصمت في المجتمع التونسي وهو مؤشر خطير وفق، تعبيره.

إطلاق سراح بعض المساجين

وخلال اليوم الأخيرين قرر القضاء التونسي الإفراج عن الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة المنتهية عهدتها، سهام بن سدرين والوزير والبرلماني السابق رياض المؤخر والصحفي محمد بوغلاب، في خطوة تباينت بشأنها المواقف في تونس بين من اعتبرها  "مجرد مناورة سياسية من النظام" ومن رآها  بوادر "انفراجة نسبية" للوضع الحقوقي والسياسي في البلاد.

وجاءت هذه الخطوة، بعد أيام من دعوة المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، السلطات التونسية إلى وقف "جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين"، واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير في تونس.

من جانب آخر، من المنتظر أن تنطلق في الرابع من مارس المقبل، محاكمة نحو 40 شخصا من ضمنهم قيادات سياسية معارضة وأمنيين في قضية ما يعرف بـ "التآمر على أمن الدولة" وذلك أمام الدائرة الخامسة جنائي بالمحكمة الابتدائية بتونس.

وفي مقابل الانتقادات الموجهة للسلطة بانتهاك حقوق الانسان والحد من حرية العبير، يؤكد سعيد أنه "يرفض المساس بأي كان من أجل فكرة، فهو حر في اختياره وحر في التعبير"، نافيًا "تتبع أي شخص من أجل رأي".

وقال سعيد، عقب لقائه بوزيرة العدل ليلى جفال في مايو الماضي: "نرفض رفضًا قاطعًا أن يُرمى بأحد في السجن من أجل فكره، فهي مضمونة في الدستور".

يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا
يعاني اقتصاد تونس من عجز مزمن مع الصين وروسيا

يشهد الميزان التجاري التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تفاقما ملحوظا في العجز، حيث تضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متأثرا بشكل رئيسي بالمبادلات غير المتوازنة مع الصين وروسيا.

وأظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2025 إلى ما يفوق 1.2 مليار دولار مقارنة بنحو 0.6 مليار دولار خلال العام الماضي.

وتكشف حصيلة المبادلات التجارية لهذا البلد المغاربي مع الصين عجزا يتجاوز 3 ملايين دولار تليه روسيا بما يفوق 1.6 مليون دولار، في مقابل ذلك تسجل هذه المبادلات فائضا مع بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وجاءت فرنسا في صدارة الدول التي حققت معها تونس فائضا تجاريا بنحو 1.7 مليون دولار تلتها ألمانيا بما يفوق 0.7 ميار دولار، فيما حلت الولايات المتحدة في الرتبة السادسة بفائض يناهز 700 ألف دولار.

في المقابل، أثار توجه تونس للمراهنة على الأسواق الصينية والروسية في المبادلات التجارية سجالا بشأن تداعياته على البلاد التي تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة.

ضرورة مراجعة الاتفاقيات

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد زهير الحلاوي أن العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي تجاوز سقف 3 ملايين دولار، يؤثر سلبا على التوازنات المالية في تونس.

وقال الحلاوي لموقع "الحرة" إن العجز مع الصين وروسيا بات يشكل عبئا إضافيا على الوضع الاقتصادي المتأزم في ظل هذه الأرقام المقلقة، وهو ما يبرز تساؤل جوهري؛ هل تستفيد تونس فعلا من شراكاتها التجارية مع هذين البلدين، أم أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح طرف واحد فقط؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
تحذيرات من التقارب بين تونس وإيران
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين تونس وإيران تقاربا كبيرا في الآونة الأخيرة رغم اتساع رقعة الحصار العالمي لنظام طهران.
وقد شاركت تونس، الجمعة، في اشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي الذي يأتي بطلب إيراني واحتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح أن الصين تمثل اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس، لكن العلاقة تفتقد إلى التوازن، ذلك أن تونس تستورد من هذا البلد الآسيوي منتجات استهلاكية وصناعية بكميات ضخمة، في حين أن صادراتها إليها تظل محدودة للغاية.

وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.

وتابع، في السياق ذاته، بأن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلبا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، ما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.

وبخصوص التبادل التجاري مع روسيا، فقد أكد الحلاوي أن العجز التجاري مع روسيا بدوره يمثل معضلة، إذ تعتمد تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية. 

ومع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح التعامل التجاري معها محفوفا بالمخاطر، مما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي مستقبلا، وفقه.

وتبعا لذلك، دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع الصين وروسيا وتعزيز الإنتاج المحلي لضمان مصلحة البلاد، فضلا عن تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف التنويع في الشراكات التجارية والبحث عن أسواق جديدة أكثر توازنا.

وسبق للمرصد التونسي للاقتصاد أن حذر في العام 2022 من تعمّق العجز التجاري لتونس مع الصين وتركيا وشدد على أنه يساهم في استنزاف احتياطي البلاد من العملة ويهدد، جديا، الإنتاج المحلي، داعيا إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية معهما.

عجز هيكلي

من جانبه، أكد الخبير في الاقتصاد، هشام العجبوني، أن العجز التجاري في تونس هو عجز هيكلي وليس ظرفيا رغم توجه الحكومة التونسية خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيض في التوريد بسبب ضعف الإمكانيات المالية للدولة.

وأوضح العجبوني أن هذا التوجه انعكس سلبا على مجال الاستثمار في تونس والذي تراجعت نسبته إلى ما دون 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام، جراء عدم استيراد المواد الخام ونصف المصنعة والتجهيزات، وهو ما يشكل خطرا على البلاد مستقبلا.

من جانب آخر، دعت تونس في يوليو 2023 الى تعزيز وتنويع الشراكة بين القارة الافريقية ومجموعة 'البريكس' التي تقودها الصين وروسيا في خطوة فسرها مهتمون بالشأن الاقتصادي بالسعي التونسي نحو الانضمام لهذه المجموعة.

وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي هشام العجبوني، إن الدعوات للانضمام إلى "البريكس" يشكل كذبة كبرى لعدة اعتبارات أهمها أن 70 في المئة من الصادرات التونسية تتجه بشكل أساسي إلى الشركاء التقليديين في مقدمتهم دول أوروبا وهو ما لا يمكن أن تقوم بتعويضه الصين أو روسيا.

وشدد على أن التوترات التي تعيش على ضوئها منطقة الشرق الأوسط ستشكل تحديا أمام تونس في مسألة التأمين اللوجيستي للمبادلات التجارية مع جل البلدان الآسيوية.

يشار إلى أن التقارب التونسي الصيني عرف ذروته إثر الزيارة التي أداها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين في مايو من العامي الماضي، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين البلدين.