تزامنا مع انطلاق الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان في مقرّ الأمم المتّحدة بمدينة جنيف السويسرية، أطلقت أكثر من 50 منظمة حقوقية حملة دوليّة للمطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين والصّحفيين والمدوّنين داخل السجون التونسيّة.
وأفاد بيان مشترك للمنظمات، نشرته جمعية ضحايا التعذيب بجنيف، الاثنين، بأن هذه الحملة تهدف إلى "إحاطة الرّأي العام الدولي والمنتظم الحقوقي الدولي والأممي بالمجازر القضائيّة التي استهدفت عشرات من الصفّ الأوّل المعارض لسلطة الأمر الواقع في تونس والضغط في اتجاه وقف التدهور المتواصل والمتنامي في مجالَي الحريات السياسية والأنشطة المدنية في تونس ما بعد انقلاب 25 جويلية -يوليو 2021".
وأوضحت الجمعية أن المنظمات المشاركة في الحملة تدعو إلى "التعريف بالأوضاع الحياتية الصّعبة للمساجين السياسيين وفضح التصفية السياسية التي تستهدفهم والتعريف بالمضايقات التي تستهدف عائلاتهم".
ودعت إلى التنسيق بين المنظمات الحقوقية المهتمة بأوضاع المساجين السياسيين في تونس ونشر مضامين الحملة الدّولية من مُعلّقات وفيديوهات ومواد رقمية على أوسع نطاق، فضلا عن "تفعيل الحضور الإعلامي عبر منصّات التواصل الاجتماعي والفضائيّات العالميّة لفضح جرائم الدكتاتوريّة العائدة في تونس بهدف تحرير المساجين من قبضة الشعبوية ونظامها القمعي والانقلابي".
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من دعوة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى "وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، وإلى احترام الحق في حرية الرأي والتعبير،" مطالبة بـ "وجوب الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفا".
"صورة سيئة"
في تعليقه على تبعات الحملة الدولية لإطلاق سراح المساجين في تونس، اعتبر المحامي، الوزير السابق محمد عبو أن هذا البلد المغاربي رسم صورة سيئة جدا في مجال حقوق الإنسان وذلك بارتكاب السلطة لـ"جرائم خطيرة" تبرر تدخل المنظمات الحقوقية الدولية وتنديدها بما يقع في البلاد.
وقال عبو لموقع "الحرة" إن الاعتقالات تحدث بشكل ممنهج دون احترام لمقومات المحاكمة العادلة، ووصل المرفق القضائي إلى وضع غير مسبوق في تاريخ البلاد منذ الاستقلال نتيجة ضغوط النظام الحالي عليه وذلك عبر غلق المكاتب والطرد والعزل وغيرها من الممارسات.
وتابع في هذا السياق بالقول" إطلاق التونسيين لحملة دولية هو نتيجة طبيعية لغياب مؤسسات محلية أو جهات يمكن تقديم مطالب التظلّم إليها لتبدي موقفها بشأن حقوق الإنسان،" مشيرا إلى أنه في غياب كل هذه الهياكل "لم يبق أمام السلطة إلا تخويف الناس عن طريق القوة الغاشمة".
وسبق للسلطات الأمنية في تونس أن شنت خلال العامين الأخيرين حملة اعتقالات واسعة طالت شخصيات سياسية معارضة ورجال أعمال وصحفيين وحقوقيين، بعضهم يواجه تهما خطيرة تتعلق بـ "التآمر على أمن الدولة".
وفي 5 فبراير 2025، قضت إحدى المحاكم التونسية، بأحكام تتراوح بين 5 سنوات و35 سنة سجنا وخطايا مالية في حق المتهمين في قضية ما يعرف إعلاميا بـ "إنستالينغو" وعلى رأسهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من الوجوه السياسية والإعلامية.
في مقابل ذلك، أطلق القضاء التونسي الأسبوع الماضي سراح مساجين، ضمنهم الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة المنتهية عهدتها سهام بن سدرين والصحفي محمد بوغلاب والوزير والبرلماني السابق رياض المؤخر، في خطوة تباينت بشأنها المواقف في تونس بين من اعتبرها "مجرد مناورة سياسية من النظام" ومن رآها بوادر "انفراجة نسبية" للوضع الحقوقي والسياسي في البلاد.
في المقابل، ارتفعت وتيرة الانتقادات الحقوقية المحلية والدولية لتواتر الاعتقالات في تونس. ودعت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان الثلاثاء 18 فبراير 2025 السلطات التونسية إلى "وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، وإلى احترام الحق في حرية الرأي والتعبير".
وقال الناطق باسم المفوضية ثمين الخيطان في مؤتمر صحفي في جنيف، إن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، طالب "بالإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمن هم في سن متقدمة وعن الذين يعانون من مشاكل صحية".
الخارجية التونسية تستنكر
من جانبها استنكرت وزارة الخارجية التونسية في بيان الاثنين، ما جاء في البيان الصادر عن المفوض السامي لحقوق الإنسان، وأعربت عن "دهشتها" مما اعتبرتها "مغالطات وانتقادات بخصوص وضعيات تونسيين يخضعون لتتبعات عدلية من القضاء".
وقالت الوزارة "إن تونس ليست في حاجة إلى تأكيد حرصها على حماية حقوق الإنسان إيمانا عميقا منها بهذه الحقوق، فضلا عن التزامها بما نصّ عليه دستورها وبما أقرته قوانينها الوطنية وما التزمت به على الصعيد الدّولي في المستويين الإقليمي والعالمي".
وأوضحت أن إحالة المتهمين موضوع البيان تمت من أجل جرائم حق عام لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي والسياسي أو الإعلامي أو بممارسة حرية الرأي والتعبير، فليس لأحد أن يتذرع بكونه فوق المحاسبة أو يستعمل وسائل ضغط في الدّاخل أو في الخارج للتخفي من العدالة أو الإفلات من العقاب، وفق نص البيان.
وفي تفاعل مع هذا البيان، قال المحامي، الوزير السابق محمد عبو إنه ينم عدم الرغبة في إصلاح النفس واتباع سياسة الهروب إلى الأمام.
وشدد على أن هذه السياسة ستزيد في وضع الناس في السجون والمرور إلى انتهاكات أخطر من مجرد الاعتقال، وهي افتقاد النظام لبدائل اقتصادية واجتماعية تحسن أوضاع البلاد، وفقه.
من جانبه، يرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، أن بيان الخارجية التونسية اكتسى طابعا سياسيا ولم يكن دبلوماسيا بالشكل الذي يستوجبه التعامل مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان كهيكل رقابي دولي مستقل وليس جهة أجنبية.
السلطة مطالبة بالتفاعل
وبخصوص المطالب الحقوقية من المنظمات المحلية والدولية بضرورة الإفراج عن السجناء في تونس، قال عبد الكبير لـ"الحرة" إن السلطة في تونس مطالبة بالتفاعل مع النداءات الحقوقية ومراجعة سياساتها في مجال حقوق الإنسان وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
وأوضح أن القيام بمراجعات في اتجاه دعم الحقوق والحريات "لا يجب أن يفهم على أنه خضوع لإملاءات أجنبية" بل يدخل في سياق الحفاظ على مكاسب الثورة التونسية وعلى علاقة تونس بالخارج، لافتا إلى أن المنظمات الحقوقية الدولية تسعى إلى تعديل سياسات الدول في هذا المجال باعتبارها دولا أعضاء فيها وملتزمة باحترام المواثيق والمعاهدات التي وقّعت عليها.
ودعا المتحدث السلطات القضائية في تونس إلى الاهتمام ببيانات المفوضية السامية لحقوق الانسان تجسيدا لمبادئ القضاء العادل والناجز، كما حث السلطة على العمل على إطلاق سراح معتقلي الرأي والتعبير وإلغاء المراسيم التي من شأنها أن تؤدي للحد من الحريات، ومن ضمنها المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة الاتصال والمعلومات.